بنية أعمال المطبخ كمنطلق منهجي للمعرفة..!

خاص- ثقافات

يونس عاشور

    من خلال المُراجعات والمُتابعات للدّراسات والنظّريات الفلسفيّة عثرنا على مجموعةٍ من النُصُوصِ الفكرية والفلسفية المعاصرة والمُتَرْجمة بدقّة عالية من قبل أساتذة معاصرين لهم الشأن في التخصص الفلسفي، هما الكاتبان المغربيّان محمد سبيلا وعبدالسلام بنعبدالعالي حيث قاما هذان الكاتبان بتجميع نصوص من الفكر الغربي الحديث والمعاصر وعملا على ترجمتها إلى العربية في كتابٍ قيّم هو ” الحداثة الفلسفية ” وذلك من أجلِ التعرّفِ على قضايا الفلسفة الغربية، كما يعتبر هذا العمل بمثابة نواة لبثّ الروح الفلسفية من جهة وروح النقد والتساؤل من جهة ثانية، وهذا ما يدفعُ أيضًا إلى تملّك الفكر الغربي ومراجعته ونقده وتقييمه ومسائلته، فالكتاب هو عبارة عن مجموعة من النصوص حول الفلسفة وتاريخها وحول أهم القضايا التي عرفها التاريخ مثل الشعور واللاشعور والأيديولوجيا والتشيؤ والعلم واللغة والبنية والبنيوية والذات الإنسانية …الخ. ومن بين هاته النصوص التي يتضمنها هذا الكتاب هو موضوع ” بنية المطبخ ” الذي آثرنا إختياره وتوظيف إستثماره قراءةً وترجمةً تحويلية بمنهجية مُثمرة يستطيعُ القارئ من خلالها الإستفادة والإلمام بمناحي الفكر الفلسفي المعاصر مما يتيحُ لهُ أيضًا عرضه وفحصه جملةً وتفصيلاً ومن ثمةَ تقييمه لدارسة معالمه الأساسية والبنيوية.

     ليس موضوع “بنية أعمال المطبخ” في البيئة المنزليّة الذي اخترناه مادةً لهذه الدراسة يُعتبر موضوعاً عابراً أو ترفًا فكرياً بحيث لا يتعلق الأمر بمنهج إستنباطي للجانب المعرفي والثقافي إن صح التعبير  Deduction Of Knowledge بل على العكس تماماً  يُشكّل هذا الطّرح مُنطلقاً منهجياً لاكتساب مسارات تعليمية ومفاهيمية ومنعطفات تتّسم ببنيات أساسية وجوهرية للشعور بقيمة المسؤولية الأسرية التامّة التي تتجه نحو تصويب الإهتمام بجوانب المعرفة القيميّة من حيث أنّها أداةً تبحثُ عنها الإنثروبولوجيا البنيوية للانتقال من سيرورة دراسة المضامين الجذرية للموضوع إلى صيرورة إحراز وتطبيق الأهداف التكاملية الغائية لمنطلق المفهوم الذي قد أشرنا إليه في موضوعات فلسفية أخرى، حيث يساعدُ هذا الأخير على خلق مُسَاهَمَة فعّالة في تزويد الذات بنوعٍ من الخبرات والقدرات الخلاّقة في العمل على تحليل الإبداع الديناميكي وإستثماره استثماراً أمثل نحو بناء طاقات وقدرات ذاتية للإنسان.

  إن طرحَ مثل هذه الرؤى  يستوجبُ التوجيه والترشيد نحو أهميّة ومحورية هذا المسار الذي يتمثّل في توظيف النشاط الذّهني والمعرفي/ الوعي الشعوري – امتلاك المعنى- القدرة على التحليل – الذوقيات – المعايير القياسية لِنظم المعرفة بحيث يكون لإعمال العقل دوراً هامّاً في إرتكازه على أهم جماليات التفكير التركيبي نحو القدرة الميكانيكية على صناعة التفكير الخلاّق التي تنتظم أُطره تحت سقف مباني الإبيستيمولوجيا القيمية.

     ليس ثمّة شك بأنّ المرأة تستعمر هذا المنحى ” أعمال بنية المطبخ ”  وتنفرد بهِ في معظم الأحايين عن غيرها لأنّها أكثر ميلاً وإنجذاباً إليه من الرجل  كما هو مألوف عند أغلب مجتمعاتنا الحاضرة، علماً بأنهُ ليست هنالك ثمّةَ مسطرة تشي بأنّ أعمال المطبخ تنصبُّ في كاهلها على دور المرأة فحسب، وإنّما هو ميدان للتنافس والتسابق بين الجنسين (الذكر والأنثى – Male and Female) وقد استشرت وتيرة هذا التدافع في الآونة الأخيرة بوتائر ملحوظة ومتسارعة خاصةً مع تطور نمط الحياة الحديثة ودخول الأنماط المتعددة للأطعمة والأشربة  في السعي من هذا الإنسان لتحسين مستوى الطهي وإضفاء تزويقات نوعية عالية الإتقان والإبداع في تقنية فن أعمال الطبخ/ الطهي وهذا ما من شأنه أيضاً بأن يدفع رواد ومنتجي السياحة العالمية إلى مضاعفة الجهد أكثر فأكثر لإنتاج الأصناف الغذائية المتعددة الأذواق  لما يُشكل من أهمية بالغة على المردود الاقتصادي للإنسان.

إن إعداد الطهي والطعام يستلزم وجود وتوليد ثقافة بنيوية متكاملة تنطلق من إحداثيات معرفية وتدريبية تدرجية وتقنية دقيقة تكون بمثابة منظومة فكر ومعلومة أوليّة ترتكزُ في مُجْمَلِها على دراسة المصادر والمراجع العلمية في هذا الشأن والتي غالباً ما نجدها في كتب أمهات الطبخ وخلافه، من هنا الحاجَة إلى تعليم وتدريب وممارسة تطبيقية منهجية حتى يتسنّى لنا القيام  بإعداد الطهي والطعام بأسلوبٍ متقن وذلك من منطلق المراجعة لتفعيل الإبداع التطبيقي الذي  يكمن في رغبة جمع المعلومة وتحويلها إلى مفاعيل عملانية للطهي النموذجي الأمثل المتمثل في الأسلوب والنمذجة لكيفية إعداد الطعام.

وفي حديث مُتّصل عن أهمية هذا المنحى تقوم المرأة في عصرنا الحالي ببذل جهود حثيثة نحو تقديم الخدمات في مجال الطهي وإعداد الطعام لأفراد الأسرة وذلك إنّما يكون مبعثهُ من الشعور بالمسؤولية الشمولية التي تنطلق من جوهر المشاعر الإنسانية النبيلة الهادفة إلى إشاعة العطف والحنان والحب بين طاقم أفراد الأسرة الواحدة، والتغذية الأسرية الواحدة هُنا إنما تُشكّل مُنعطفاً هامّاً يعتمدُ عليه أبناء الأسرة في الانطلاق نحو التلاحم والتماسك الأسري نحو بعضهم البعض من خلال حضورهم وتفاعلهم نحو أهمية الاجتماع على مائدة واحدة لتناول الطعام في وقت واحد.

انهُ الشعور بقيم معاني الأسرة الواعية التي تعمل على إعمال التنشئة الصحيحة والسليمة وغرس مبادئ التربية والتفقيه في روح الأبناء بحيث يُتاح لهم اكتساب خبرة وتجربة وافية في هذا السياق من خلال تبصّرهم لقيمة معرفة الأشياء الحياتية.

جوهر ومنطلق فلسفة بنية أعمال المطبخ من الفلسفات التي قد يغفلها الكثير من الناس إنّها بمثابة المصنع المدرسي لماهية الإعداد والإنتاج المنهجي الميثدولوجي القائم على مُعْطَيَات قيميّة كالذوقيات والمستويات والمعطيات التأهلية النوعية التي تعمل على صقل الذات وإشاعة الخبرة الكافية لتكون في مستوى الاستشارة والإرشاد، لأنّه من خلال إحراز أهدافها ومُخرجَاتها عندئذٍ تصبح تلك المخرجات قيمة مركزية كبرى تتجه إليها الأنظار عند الحاجة أو الطلب.

في عصرنا الراهن تنتشر جملة من المطابخ العالمية على قدم وساق تحت طائلة من المسمّيات والشركات العالمية التي لا حصر لها وتستقطب تلك المطابخ ملايين من هواة الذوق الرفيع للأكل تعمل على جذب الأنظار وخلق الرغبة الدائمة لدى الإنسان بالتوجه إليها لما تتمتع به من مواصفات عالية تتسم بالإتقان والإبداع، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:-

المطبخ الإيطالي: من المطابخ الغنية بالنكهات والأطباق المميزة فإيطاليا دولة الباستا والبيتزا التي لا مثيل لها في أي مكان آخر. ويعد كانولوني أجنولوتي بالثوم وإكليل الجبل من أفضل الأطباق الإيطالية، وهي عبارة عن معكرونة محشوة وهي تشبه كثيرا الرافيولي.

المطبخ الصيني:

يرجع تاريخ المطبخ الصيني إلى عصر الأباطرة، وعلى النقيض تماماً من المطابخ التقليدية التي نجد فيها الأطعمة الغنية بالنشا نجد الأرز أساسيا في المطبخ الصيني، وتعتبر الخضروات ثاني أهم وجبة، تأتي بعدها اللحوم والدواجن والأسماك. ولا شك أن طبق الـ”ديم سام” هو الأكثر انتشاراً في شرق وغرب الكرة الأرضية.

المطبخ الياباني:

للمطبخ الياباني فلسفة أخرى تختلف عن بقية المطابخ العالمية، فهو يجمع بين عدة عناصر ومبادئ ليضعها في قالب واحد متناغم متجانس، فالمكونات طازجة سواء أكانت من اللحوم أو الأسماك أو الخضروات، والنكهات متميزة، أما طريقة الطهي فصحيّة وسريعة. ومن أشهر الأطعمة التي تؤكل في اليابان وجبة ”السوشي”، بالإضافة إلى الأرز الذي يعتبر جزءا مهما من الطعام هناك.

المطبخ الفرنسي:

تشتهر الأطعمة الفرنسية بكونها من الأطعمة الراقية ذات المذاق المميز، حيث تعتمد على تركيبات بسيطة تُعزز النكهات الطبيعية الغنية للمكونات الفرنسية. هناك العديد من الأطباق الفرنسية الشهية ويعتبر الحساء المصنوع من البصل ومرقة اللحم من أفضل الوجبات التي احتلت مكانة عالمية.

المطبخ الهندي:

المطبخ الهندي أحد أعرق وأهم المطابخ المعروفة حول العالم التي أثرت في الكثير من المطابخ الأخرى في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا وأميركا. ومع بهارات الغراند ماسالا استطاع المطبخ الهندي أن يتواجد في قائمة أفضل المطابخ العالمية مع أطباق رائعة مثل البرياني وطبق الـ”كاري” الذي يعد أشهر ما في المطبخ الهندي في الخارج لطعمه الحار القوي.

إلى غير ذلك من المطابخ العالمية التي لا مجال لذكرها، نكتفي بهذا القدر من هذا الطرح الذي آثرنا على صياغته صياغة فلسفية تكون بمثابة منطلق فتح آفاق جديدة نحو قيم معالم المعرفة النظرية والعملية المتعددة المسارات والاتجاهات.

____________

المصادر:

  • صحيفة العرب: أفضل المطابخ في العالم [نُشر في 2017/06/25، العدد: 10674، ص(17)]

 

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *