من اكتشف نجيب محفوظ؟

*د. حسن مدن

ليست المصادفة أبداً هي ما جعلت سلامة موسى بالذات، ولا أحد غيره، أول من تنبّه إلى موهبة الشاب نجيب محفوظ. موهبة مثل هذه كانت تحتاج إلى بصيرة رجل تنويري بحجم سلامة موسى كي تلتقطها مبكراً، وبالمناسبة فإن هذا الجانب من سيرة نجيب محفوظ، شخصاً وأديباً، يكاد يكون مجهولاً.
سبق أن أشرنا في هذه الزاوبة، قبل سنوات، إلى الحادثة الطريفة بين نجيب محفوظ (الشاب يومها أيضاً) والدكتور طه حسين، حين تقدم محفوظ بطلب الانتساب إلى قسم الفلسفة في كلية الآداب، وكان من مستلزمات قبول الطالب في القسم اجتياز مقابلة شفهية، وكان طه حسين بالذات بصفته عميداً لكلية الآداب هو من يرأس لجنة الأساتذة التي كان محفوظ واحداً من الطلبة الذين قابلتهم، فسأله طه حسين عن السبب في اختياره الفلسفة بالذات ليدرسها، فأجابه بعبارات من نوع أنه يريد إدراك مغزى الكون ومعرفة الوجود وما إلى ذلك، وبعد أن أصغى طه حسين إليه، ردّ بين الجد والهزل: «إنت تنفع تدرس فلسفة فعلاً لأنك بتقول كلام محدش فاهمه».
كانت هذه أيضاً فراسة من طه حسين بأنه أمام طالب متميز، لكن كان على نجيب محفوظ أن ينتظر طويلاً حتى يلتفت طه حسين إلى أدبه، بعدما ذاع صيته، لكن نستدل من معلومات أوردها شوقي بدر سيف في مؤلفه عن محفوظ، أن سلامة موسى الذي كان يرأس يومها مجلة «المجلة الجديدة» لفتته القصص والمقالات التي كان يرسلها إلى المجلة الطالب الجامعي نجيب محفوظ، فأدرك موهبة هذا الطالب واعتنى بنشر قصصه القصيرة التي بدأ بها قبل أن يتحول نحو كتابة الرواية، كما نشر أيضاً مقالاته في الفلسفة التي كتبها متأثراً بميوله نحوها وبما كان يتعلمه في الجامعة.
صحيح أن أول قصة قصيرة نشرت لمحفوظ كانت في مجلة «السياسة» التي كان يرأس تحريرها محمد حسين هيكل، وكان عنوان القصة «فترة من الشباب»، لكن النقاد اعتبروا قصة «ثمن الضعف» التي نشرها سلامة موسى، بعد عامين، في مجلته هي القصة الفنية الأولى لمحفوظ، وهي القصة التي جعلت موسى يشعر بأنه إزاء موهبة جديرة بالعناية، لذلك حرص على نشر ما يصله منه في «المجلة الجديدة»، واستمر على هذا المنوال لمدة سنتين متتاليتين.
كانت «المجلة الجديدة»، إذن، هي المنصة التي منها انطلق نجيب محفوظ نحو الفضاء الأدبي والثقافي في مصر يومذاك، حيث تنبهت إليه الدوريات والمجلات الثقافية الأخرى وهكذا أصبحت قصصه تجد طريقها للنشر على صفحاتها، ومن تلك الدوريات مجلة «الرسالة» ومجلة «مجلتي» لصاحبها أحمد الصاوي محمد، قبل أن تصدر له مجموعته القصصية الأولى «همس الجنون» عام 1938.

__________
*الخليج

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *