قصتان

 

خاص- ثقافات

*سوسن علي

                                                

 

خمسٌ وعشرون ليرة فقط

من فائدة أن يكون لك خفّ مثقوب في أسفله أنك تستطيع أن تتحسس الطرقات والأشياء الصغيرة المرمية عليها.

الطريق الإسفلتي الواصل بين سوق الخضار وموقف الباصات يذوب وتنغلق حفره الصغيرة، تعلق فقاعات الإسفلت الملتهب بأسفل قدمي وأنا أشتمُ الصيف وحرارته وعملي البائس.

تلك الفقاعات اللعينة منحتني قدمين ثخينتين، وطبقة سميكة من الإسفلت العالق بهما كأنه نعل. كنتُ أعبر الطريق للمرة الخامسة ناقلاً أكياس الخضار من الشاحنة إلى السوق، عندما دستُ بقدمي على شيء ما، شيء بارد وأملس شعرت به، برودة معدنية تشبه برودة مقبض باب المحلات التجارية!

تحسستُ بأطراف أصابعي، فإذا هيَ قطعة معدنية صفراء ناعمة نقية من فئة الخمس والعشرين ليرة.

جرَّبتُ التقاطها إلا أني لم أستطع الانحناء والأكياس على ظهري، لذلك حاولت حصرها بين أصابع قدمي، والسير بها إلى أن أستطيع التقاطها.

عبرت بها عدة خطوات وأنا أفكر بملمسها الناعم، وبما سأشتري بها، ومع كل خطوة رحتُ أقبض على قدمي أكثر حتى صرتُ أمشي وأعرج خشية أن تقع.

كنتُ أحبُّ أن أمشي على الحديد الذي يغطي مجاري الصرف الصحي، أحبُّ تقاطعاته وهي تطبع على أسفل قدمي. طوال فترة عملي في السوق اعتدت أن أعبر فوق هذه الأغطية.

فجأةً وأنا أعرج مُتَّجهاً نحوها، تعثَّرْتُ بها وسقطتُ.

تبعثرت الأكياس، وتدحرجت القطعة المعدنية لتستقر بين قدمي طفل صغير أخذ يصرخ فجأة: “هيي هيي ماما لقيت خمس وعشرين ليرة”..

مهارات

يدي التي لم تكن قادرةً على صفع أحد، أو على قرص خدود الفتيات.

ولدتْ بتشوه خلقي وأصابع منكمشة. تقبض على اللاشيء من هذا العالم.

القابلة أخبرت أمي أني كنت أمسك بالحبل السري، وأنها سحبته بصعوبة؛ خشية أن يتعفن بيدي.

صحيح أنَّني لم أكن قادراً على مصّ أصابعي، لكنني تعلمت اللكم مبكراً، فقد كنت ألكم الوسائد ووجوه أخوتي باستمرار.

مرّةً سحبني صاحب صالة الألعاب الإلكترونية من يدي، جرّني منها إلى والدي وأخبره وهو يصرخ أن يدي اللعينة هذه قد حطّمت شاشه أحد الأجهزة.

ما لم يسمعه، ما كنت أقوله له تحت الضرب، وهو أن يدي اللعينة هذه لم تستطع الضغط على الأزرار.

في أحد المرات علِقَ الجندي البلاستيكي الصغير الذي كنت ألعب به بين أصابعي، كان هذا الجندي لفتىً في الحي، بكى عندما علم بأمر جنديه العالق وبكيت أنا من صعوبة إخراجه.

لعبتُ به كثيراً بعدها. وتطوَّرتْ مهاراتي، وأصبحتُ أتفنن في القبض على الأشياء من دكان الحي.

كل ما كان عليَّ فعله هو إيجاد وسيلة سهلة لإخراج المسروقات، وبضمير مرتاح كنتُ أحسُّ أن هذه الثغرة بين أصابعي تدفع ثمن إعاقتها.

جاري أخبرني بعد أن عرَفَ بحكايتي أنه يحسدني، ويتمنى الحصول على الحلوى بالمجان مثلي، حتى لو كانت مسروقة بيد منكمشة، يد لا يظهر ما بداخلها.

جاري الذي كان يستخدم أصابعه بمهارة، نجا من محاكمتين سابقتين بتهمة الاختلاس.

__________
* كاتبة من سورية

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *