عفاريت دار الكتب

خاص- ثقافات

*ميادة مدحت

عندما عرفت أن عادل إمام كان بصدد تصوير مسلسل تليفزيونى تدور أحداثه عن موظف فى دار الكتب ، وأن المسلسل يدور فى إطار من المطاردات بين الإنس والجن ، توقعت أن يفند يوسف معاطى – مؤلف المسلسل- ما يتردد على لسان بعض موظفي دار الكتب و المترددين عليها من أساطير و روايات حول الأصوات التي تصدر ليلاً من إدارة المخطوطات فى مبنى كورنيش النيل ، أو العفاريت التى تلقى عملات معدنية على أفراد الأمن ليلاً في مبنى دار الكتب بباب الخلق.

وقد سمعت كثيرًا من هذه الحكايات من بعض الزملاء ، وقد يكون السير ليلا في مبنى باب الخلق العتيق يخلق جوًا من الرهبة ، كما أن قسم الخلوات فى مبنى كورنيش النيل مرعب – حتى فى النهار-  لانعزاله والصمت الذى يلفه ( والخلوات لمن لا يعلم هو طابق مسحور فى مبنى دار الكتب به عدة غرف مغلقة مخصصة لانقطاع الباحثين والكتاب للدراسة والبحث). ولكنى أؤكد أنه لا جن هناك ولا عفاريت.

و كنت أنتظر من فنان بحجم عادل إمام ، أن يكشف في مسلسله زيف هذه الأساطير،  وأن يبين للناس أنه( ما عفريت إلا بنى آدم) ولكن المسلسل جعل من الباطل حقيقة و أكد أوهام يرددها البعض حول مكان – من المفترض أن يكون مركزا تنويريًا لا مستودعًا للأساطير و وحكايات  الجن الأزرق والأحمر- فدارت حلقات المسلسل حول الجنية التى تظهر فى حياة الموظف البائس فتقلبها رأسًا على عقب.

وقد مرت شهور الآن على عرض المسلسل فى  شهر رمضان الماضي ، ولا زال البعض يستشهدون بما جاء فيه من أحداث على أن بعض الكتب لديها قوة سحرية عجيبة وأن بعضها يخرج منه الجن ! وهو ما ذكرني بما حدث بعد عرض فيلم الفيل الأزرق المأخوذ عن رواية أحمد مراد حيث كنت استقبل يوميًا مواطنين من كافة الفئات العمرية والاجتماعية يطالبون بالاطلاع على كتاب شمس المعارف ومثيله من الكتب والمخطوطات ويشتكون من حجبها عنهم.

 ولهذا قررت كتابة هذا المقال لأدحض بعض المعتقدات الخاطئة التي طالت كثير من المواطنين، وأجيب على عدة تساؤلات يطرحها البعض دون أن يجد لها إجابات شافية :

* هل هناك كتب ومخطوطات تتناول السحر والجن فى دار الكتب؟

 بالتأكيد هناك عدد من المخطوطات والكتب التي تتحدث عن السحر والطلاسم وغيرها .

* هل مسموح للمواطنين بالاطلاع على هذه الكتب والمخطوطات؟

كل كتاب موجود على نظام البحث الآلي يمكن الاطلاع عليه بلا استثناء، فلا يوجد قانون يمنع المواطن من حقه في المعرفة – حتى و إن كانت علمًا لا ينفع – ولكن أبشركم بأن بعض الموظفين قد ينكرون وجود هذه الكتب أو يمنعون الموطنين من الاطلاع عليها فى تصرف له دافع شخصي بحت هو الإيمان بالخرافات، وبأن قراءة أحد المواطنين لمثل هذه الترهات قد يجلب اللعنة على المبنى وموظفيه.

* لماذا لا يتم التخلص من تلك الكتب بالحرق ؟

لأننا لا نؤمن بأن هناك أدنى تأثير لما جاء فيها فهو محض خيال وهراء. ولأن التخلص من هذه الكتب لا يأتي بحرقها بل بالتخلص من الوهم والدجل وسيطرة الخرافة على العقول وهو ما تقدمه الدار من خلال تحقيق التراث ونشره فى مركز تحقيق التراث ، ودراسة التاريخ من خلال مركز تاريخ مصر المعاصر وحفظ وصيانة التراث من خلال مركزى ترميم على أعلى مستوى من الجودة ، وندوات  وأنشطة ثقافية أسبوعية في مقار الهيئة ومكتباتها الفرعية والمتنقلة.

* كيف جاءت تلك الكتب والمخطوطات إلى دار الكتب ولماذا تحتفظون بها ؟

المخطوطات التي تتناول هذه الأشياء هى جزء من تراثنا – وليس كل التراث خير – وقد آلت إلى دار الكتب بالإهداء حيث كانت في مكتبات لأشخاص عاديين أو  كتاب وشخصيات عامة.

أما الكتب فقد جاء بعضها من خلال “الإيداع القانوني” حيث يلزم القانون دار النشر التى تحصل على رقم إيداع لأي كتاب بإيداع عشرة نسخ منه فى دار الكتب المصرية ، وعليه فيجب أن تقتنى دار الكتب نسخًا من كل كتاب يصدر في مصر بداية من الفلسفة والطب حتى الدجل والخرافة.  وعدم وجود أى  كتاب فى رصيد دار الكتب هو مسئولية بعض دور النشر التى لا تلتزم بنص قانون الإيداع.

* هل تنكرين ما جاء في القرآن من حديث عن السحر والجن ؟

تحدث القرآن عن العلم والحرب والسلم وعن إيتاء ذي القربى واليتامى ، وحث الدين الحنيف على الصدق والأمانة و الصبر على المكاره  في سبيل تهذيب النفس و بناء مجتمع أفضل ، وعن العفو والقصاص فهل يصح أن نتجاهل كل هذا  ونحفظ ما جاء عن السحر الذي قال فيه رب العزة ” وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ” ؟

لقد كان الحث على العلم أول ما نزل به جبريل على محمد حين قال له :” اقرأ” ، وقد ورد فى  كتب التراث أن محمدًا قد طلب من أصحابه تعلم القراءة والكتابة وتعلم اللغات الأجنبية و فنون الحرب وبناء الدولة ولم يذكر عنه – صلوات ربى وسلامه عليه- أنه نادى يومًا بتعلم ربط  المتزوج وتزويج العانس وسخط المتزوجة  إلى قردة فى عين زوجها ، وقد استعاذ رسول الله دومًا في دعائه من العلم الذي لا ينفع ، فهل يتدبر أولو الألباب ؟

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *