أفلام لرصد أحوال السينما والمجتمعات العربية

*مالمو (السويد) – إبراهيم العريس

في شكل أو آخر، تبدو الدورة السابعة لمهرجان الفيلم العربي، التي تقام في هذه المدينة الهادئة الواقعة في الجنوب السويدي بدءاً من يوم غد السبت، وكأنها ترسم جردة ما لبعض أفضل ما انتجته السينمات العربية، خلال الفترة الأخيرة. صحيح أن هذا المهرجان الطموح لم يتمكن من الحصول على كل ما كان يتمنى الحصول عليه من أفلام تصخب بها الأخبار والمناسبات السينمائية العربية، وتحديداً لوقوعه زمنياً في نقطة الوسط بين العديد من المهرجانات العربية الأكثر قدرة منه على اقتناص الجديد من الشرائط، لكنه تمكن مع هذا من جمع عدد لا بأس به من أفلام آتية من عدد من بلدان عربية عُرفت بإنتاجاتها الجيدة ما يجعله قادراً خلال أيامه التي لا تتعدى الستة، على تقديم صورة تكاد تكون متكاملة وهادئة لما يتحرك، ليس فقط في الحياة السينمائية العربية، بل كذلك في الحياة الاجتماعية لهذه المنطقة من العالم. وهو لئن كان قادراً على هذا من خلال الأفلام الروائية الطويلة التسعة الآتية من مصر والمغرب والإمارات وتونس والعراق وغيرها، فإنه يبدو أكثر قدرة عليه من خلال برنامجه الغني في مجال السينمات القصيرة والتسجيلية، ولكن كذلك من خلال واحدة من تظاهراته الأكثر طموحاً، ونعني بها تلك التي تهدف إلى دعم العديد من المشاريع السينمائية الجديدة لعدد من السينمائيين الشبان والأقل شباباً، بمساندة من عدد من المؤسسات السويدية ومن بينها «معهد الفيلم السويدي».

إذاً، صحيح أن ليس لمهرجان مالمو صخب المهرجانات/التظاهرات العربية الكبرى، لكنه، ضمن إطار طموحه الفني والثقافي كتظاهرة سينمائية – ثقافية تقام في أقصى الشمال الأوروبي، ولكن كذلك في مدينة تزدحم في أيامنا هذه بالمهاجرين العرب ولا سيما الفلسطينيين والسوريين والعراقيين منهم، يقدم كما أشرنا صورة للأحوال العربية مزدوجة: روائية ووثائقية فاتحاً من حولها سجالات تربط هذا الجمهور – وكذلك الجمهور السويدي الشاب الذي لاحظنا في دورة العام الفائت وفرة إقباله على عروض المهرجان – بأحوال بلاده، وربما لتقول له من طرف خفي إنه حسناً فعل بمبارحته تلك البلاد!

اختيارات متنوعة

من دورتين متعاقبتين لمهرجان «كان» السينمائي «استعار» مالمو فيلمي الافتتاح والاختتام: «على كف عفريت» للتونسية كوثر بن هنية في الحالة الأولى، و «اشتباك» للمصري محمد دياب في الحالة الثانية. ومن المعروف أن هذين الفيلمين يعتبران من أبرز ما حُقق في السينما التونسية، ثم في السينما المصرية خلال الآونة الأخيرة بخاصة أن كلاً منهما يرصد على طريقته أوضاعاً سياسية واجتماعية في بلديهما، كنتيجة مباشرة لما أسفر عنه الربيع العربي هناك. بيد أن الأكثر أهمية من هذا الرصد السياسي/الاجتماعي، هو الإطار الفني والحكائي الذي يقدمه كل من الفيلمين مؤكداً قفزة لافتة في الأداء الفني للسينما العربية الشابة. وهو ذات ما يكشفه فيلم «علي معزة وإبراهيم» للمصري شريف البنداري، الفيلم الذي جال على العديد من المهرجانات وعلى الصالات في بلدان عدة قبل أن يصل اليوم إلى مالمو، وهو ما يمكن قوله كذلك عن «أخضر يابس» المصري الثالث في العروض الرسمية. ولئن كان الاختيار اللبناني في المجال الروائي، وهو يتعلق بفيلم «محبس» لصوفي بطرس، يعيدنا إلى سطوة التلفزيون على الإنتاج السينمائي في لبنان، فإن التعويض يأتي هنا من لدن السينما التسجيلية اللبنانية التي باتت تبدو متفوّقة، ومن بعيد، على أختها الروائية. ويظهر هذا بوضوح في مالمو من خلال ما لا يقل عن شريطين وثائقيين طويلين لهادي زكاك، «يا عمري»، وإيلان الراهب، «ميّل ياغزيّل»، ما يؤكد غنى الاختيارات الوثائقية في مالمو.

المدرسة الشاهينية

مهما يكن تستكمل أربعة أفلام روائية عربية أخرى، عروض دورة مالمو هذه، وهي «الرجال فقط يحضرون الدفن» من الإمارات، و «غدوة حي» من تونس وهو للطفي عاشور الذي أمضى سنوات في تحقيق سينما قصيرة قبل أن يتمكن أخيراً من خوض تجربته الروائية الأولى، و «البحث عن السلطة المفقودة» من المغرب، وأخيراً «طريق مريم» لعطية الدراجي… ومقابل هذا تعرض دورة مالمو نحو دزينتين من شرائط تسجيلية بين قصير وطويل إلى جانب عدد من الأفلام الروائية القصيرة. وهذه الشرائط كلها تتنافس للفوز بواحدة من جوائز المهرجان القليلة وتنويهات لجان التحكيم.

أما في مجال التكريمات، فثمة تكريم خاص للسينمائي المصري الذي بات مخضرماً الآن بعدما أمضينا سنوات ونحن نعتبره في «طليعة السينمائيين العرب الشبان»، يسري نصرالله الذي يعرض له مالمو لمناسبة تكريمه فيلميه الأخيرين «بعد الموقعة» و «الماء والخضراء والشكل الحسن» كما يخصّص ندوة نقدية لاستعراض مساره السينمائي، يديرها الناقد المصري أحمد شوقي ويشارك فيها عدد من النقاد المصريين الآخرين. ولمناسبة الحديث عن يسري نصرالله نذكر أن دورة مالمو تعرض فيلمه «الماء والخضراء…» ضمن برنامج خاص عنوانه «ليالي عربية» يعرض فيه أيضًا الفيلم المصري «الأصليين»، وفيلم خالد الحجر الأخير «حرام الجسد» الذي أثار سجالات واسعة عند عرضه في مصر قبل شهور، علماً أن الحجر يشارك نصرالله في تتلمذه على الكبير الراحل يوسف شاهين، ما قد يتيح الفرصة في ندوة مالمو للحديث عن المدرسة الشاهينية في السينما المصرية.
___________
*المصدر: الحياة

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *