محمد البندوري يثير المنحى الثقافي والسياسي للخط المغربي

خاص- ثقافات

*بشرى المدني

ركز الدكتور محمد البندوري على مجموعة من الشواهد المادية للخط المغربي ليدلل من خلالها على أوجه الانتقال التاريخي للخط المغربي من دوره النفعي إلى المجال الجمالي ثم إلى المجال الثقافي والسياسي، فأضحى واجهة سياسية بامتياز، فبالرجوع إلى مجموعة من المخطوطات وقراءة مجموعة من النصوص الجمالية في الجدران وفي السكة النقدية وغيرها، يقول محمد البندوري إنه يجد للخط المغربي مساحة في الجمال وفي البلاغة وفي النقد الأدبي، بل وحسب مجموعة من الوثائق والدلائل الخطية المغربية الصرفة، فإنه علل الكتابات الخطية المغربية بانصهارها في مجموعة من المقومات الاجتماعية والثقافية والسياسية، وقد حاول إثبات ذلك من خلال إجلائه لعدد من الحقائق العلمية استنادا إلى عدد من الوثائق الفكرية والثقافية، ومن خلال مجموعة أخرى من المراسلات السياسية التي تؤكد بأن الخط المغربي قد خدم المجال الثقافي والسياسي بالمغرب. وعزز شروحاته لذلك بالمقومات والدلائل المادية التي تقدم مشهدا جديدا في الحروفية المغربية التي تعززت باكتشافات تهم المجال السياسي للخط المغربي، تتعلق أولا بالرؤى الجمالية للخط المغربي، ثم تتجه ثانيا نحو الأبعاد الثقافية والسياسية. وهو توجه فرضته الظروف التاريخية المغربية، وفرضه الجانب الاجتماعي والمراس السياسي المغربي الناجع. وفي تحليله لهذه المعطيات الجديدة؛ اعتبر محمد البندوري بأن التفاعل مع الثقافة المغربية بكل مكوناتها يؤدي إلى نتيجة مفادها أن تجلي الخط المغربي سواء في النصوص الشعرية أو في النصوص النثرية أو في الظهائر السلطانية وفي مجمل الوثائق السياسية، فإنه يمد القارئ من خلال هذه القنوات التواصلية – بالرغم من اختلاف أنواعها- بإسهامات هذا الخط في التحولات التي عرفها مجال الخط المغربي إثر الانتقال من المجال النفعي إلى المجال الجمالي ثم إلى المجال الثقافي والمجال السياسي بالتركيز على جمالية الخط المغربي عموما في المبسوط والمجوهر والمسند والثلث المغربي وكذلك الخط المغربي الصحراوي الذي يعتبر أحد الخطوط المغربية المنساقة في الثقافة المغربية، وكل هذه الأنواع  لها إسهاماتها السياسية إذ حفظت للمغرب ثروة فكرية وثقافية وسياسية أضحت مرجعا مهما جدا عند الحاجة إليها، سواء عندما يتعلق الأمر بالجانب الاجتماعي أو بالجانب الثقافي أو بالمجال السياسي. وللتدليل على ذلك فإن معالجة مختلف العمليات التجاورية والتداخلية بين جمالية الخط المغربي الصحراوي مثلا والنصوص المغربية المتنوعة، فإننا نستجلي مجموعة من المفاهيم الفكرية والثقافية والسياسية باعتماد هذا الخط المغربي القديم الجديد. وأكد الدكتور محمد البندوري على أن الجانب السياسي لهذا الخط  تم من خلال الوثائق والشواهد والمراسلات التي كتبها أعيان الصحراء المغربية من جهة، أو ظهائر سلطانية ومراسلات كتبها الملوك العلويون من جهة أخرى، فضلا عن مجموعة من الإبداعات التي تقع بين ما هو ثقافي وفكري وسياسي كلها كتبت بخط مغربي مجوهر أو مبسوط أو صحراوي، مما شكل تداخلا ثقافيا وسياسيا رامزا إلى الوحدة الثقافية والسياسية للمغرب من طنجة إلى الكويرة. وهو استدلال على كون الخط المغربي يعد مرجعا قويما ودقيقا لمجموعة من القنوات التواصلية والوقائع والأحداث التي تثبت وحدة المغرب السياسية والاجتماعية والثقافية.
يقول محمد البندوري: ولعل البحث في الخط المغربي وفي النصوص التي كتبت بالأنواع المختلفة للخط المغربي وفي النصوص الصحراوية المغربية وفي النصوص الأمازيغية، يقود إلى رصد علاقة التداخل بين كل مقومات الخط المغربي من جهة وبين مختلف أنواع الخط المغربي من جهة ثانية. ولاشك أن التفاعل مع مختلف النصوص العربية المغربية والحسانية والأمازيغية يرصد الأشكال الجمالية المتداخلة بين كل الأنواع في مختلف المواد والأجناس الابداعية. ويرصد تفاعل كل تلك الأنواع مع الثقافة المغربية بكل مكوناتها ومع التراث المغربي بكل مفرداته وعناصره. فتجلي الخط المغربي في النصوص الشعرية وفي النصوص النثرية، وفي كل الوسائل، في المخطوطات وفي الأنسجة وفي الجدران وفي السكة النقدية وعلى الرق وعلى الحرير اعتمادا على كل أشكال الخطوط المغربية وفي كل القنوات التواصلية، التي أسهمت في التحولات التي عرفها مجال الخط المغربي، تظهر جليا مجموعة من الصيغ المظهرية الإقناعية للخط المغربي ومجموعة من الصيغ الباطنية الإقناعية خصوصا وأن مختلف النصوص قد كتبت بخطوط مغربية متفاوتة الجمال ومختلفة الشكل والنوع. وهي كلها تبرهن على الوحدة المغربية من البوغاز إلى الصحراء. ومن أهم الجوانب العلمية في الخط المغربي التي اكتسبت طابع الجمال والتواصل هي جمالية الخط المغربي في النصوص المغربية سواء في الشمال أو في الجنوب أو في الوسط أو أو في الشرق أو في الغرب. فهناك تداخل جمالي يكشف مضامين ثقافية وسياسية واجتماعية وفنية وأدبية يقودها الخط المغربي سواء كان صحراويا أو أمازيغيا أو مراكشيا أو فاسيا أو سلاويا أو تطوانيا أو طنجاويا.. فالخط الصحراوي المغربي أو خط التمازغ أو أي نوع آخر.. هي خطوط مغربية لصيقة بالثقافة المغربية، تؤكد ذلك مختلف العمليات التداخلية بين جمالية الخط المغربي والنصوص، والتي شكلت أبرز المهمات السياسية في النسيج الوحدوي المغربي على مر التاريخ. فالوثائق والشواهد والمراسلات السالفة الذكر الموسومة بالخط المغربي الصحراوي مثلا، والتي كتبت بجماليات مختلفة، فهي تحمل مضامين فكرية أحيانا وسياسية أحيانا أخرى، منها على سبيل الذكر لا الحصر مجموعة الرسائل التي تمت بين شيوخ وأعيان الصحراء والملوك العلويين كرسالة القائد ابراهيم التكني إلى السلطان مولاي عبد الرحمان المؤرخة في فاتح ذي القعدة 1263ه ورسالة الشيخ ماء العينين إلى السلطان مولاي عبد العزيز، والوثائق التي نشرها العالم والشاعر الأستاذ ماء العينين لابارس في بحثه الذي قدمه في ندوة البيعة والخلافة، والوثائق التي نشرها العالم الجليل محمد المنوني رحمه الله.. وغيرها من الوثائق والنصوص الأدبية والدينية والقصائد الشعرية المختلفة كأشعار الشيخ ماء العينين ووثائق أخرى مكتوبة بالخط المغربي المجوهر والخط المغربي المبسوط والخط المغربي الصحراوي وخط التمازغ؛كلها تثبت سياسيا تجدر الوحدة المغربية أفقيا وعموديا، تدل على ذلك مختلف المضامين التي تحملها تلك الوثائق التي يكشفها الخط المغربي سواء المجوهر أو الصحراوي أو المبسوط، وبذلك تثبت كذلك على مستوى الخط ذلك التطابق الحروفي والتداخل الفني والجمالي الذي يدل على الوحدة الحروفية المغربية من جهة، ويدل على الوحدة الثقافية المغربية من جهة ثانية. فالإنسان المغربي هو كيان واحد سواء كان في الشمال أو في الجنوب أو في الشرق أو في الغرب، مندمج في النسيج الاجتماعي العام بكل مقوماته الحضارية ومندمج في النسيج السياسي المغربي العام بكل حيثياته السياسية ومندمج في النسيج الثقافي العام بكل سياقاته التراثية والمعرفية والعلمية، ومندمج في النسيج الفني المغربي العام بكل أساليبه وتقنياته وجمالياته المغربية القحة. وكل هذه الأنسجة  قد أكدت في مضامينها على مستوى الخط المغربي الوحدة المغربية الشاملة منذ قرون.
وللإشارة، فقد حضر هذا اللقاء الذي امتد لثلاث ساعات مجموعة من الشخصيات الثقافية والفنية التي أضفت زادا معرفيا بمناقشات قيمة وهادفة.

تصوير: الفنان الفوتوغرافي الدولي: محمد كرم الطاهري

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *