أيوباني أديبايــو فــي حوار مع باريس رفيو: الكتابة أرض.. الكتابة أمان

*ترجمــة: أحمد شافعي

«ابق معي»، هي الرواية الأولى للكاتبة النيجيرية أيوبامي أديبايو، تستكشف فيها زيجة معاصرة في مجتمع اليوربا Yoruba، العنيد في التصاقه بالتقاليد. برغم ارتياب الأصهار، وتآمر الضرائر، والزوجات السريات، يحاول كل من ييجيد وآكين أن ينفصلا عن الآراء البالية التي يتبناها جيرانهما من الطبقة الوسطى العنيدة في كل ما يتعلق بشؤون الزواج. آكين محاسب، وهو الابن الأكبر في أسرة ذات نفوذ، يرفض مبدئيا فكرة تعدد الأزواج، وييجيد تتباهى بنجاح صالون التجميل الذي تمتلكه وبآرائها التقدمية في الحياة والأمومة. غير أن عجز ييجيد عن الحمل يأتي اختبارا لقيم الاثنين، ومستقبلهما. في آخر مقال نقدي كتبته ميشيكو كوكوتاني في نيويورك تايمز قبل تقاعدها، وصفت الرواية بأنها «حكاية قوطية عن العزة والخيانة، وصورة شديدة المعاصرة- عميقة التأثير- للزواج، ضمن سلسلة مجيدة من الأعمال لتشينوا أتشيبي وتشيمامندي نجوزي أديتشي». في حوار هاتفي استمر قرابة الساعة بين بروكلن ونيجيريا (مع تأخير في وصول الصوت مدته 3 ثوان، وتجربة أولى للمحاور في التسجيل من خلال الهاتف المحمول)، تأملت أديبايو في شخصياتها التي قضت وقتا عصيبا في محاولة التعرف إليها ثم لم تستطع في النهاية أن تفلت من أسرها.
■ ييجيد سوف تنضم إلى محفل من البطلات الأدبيات اللاتي لا ينسين. كيف عثرت عليها؟
تعرفت عليها منذ ما بين 5 سنوات إلى سبع. بدأت التفكير في الكتاب قبل سنتين من الشروع في كتابته. الأمر اللافت فيها هو أنها بدت حقيقية للغاية- وكذلك زوجها. طبعا اخترعتهما، لكنني شعرت وكأنني اكتشفت أشياء في ثنايا اختراعي لهما، أشياء بدت حقيقية للغاية. وكلما كنت أجد أنني لا أفهم أو لا أعرف ما الذي سوف يحدث لاحقا، كنت أشعر أن كل ما أنا بحاجة إليه هو أن أنتظر وأنصت إلى ييجيد وأفهم الأمور من وجهة نظرها. من السبل التي تعرفت إليها من خلالها على نحو أفضل، وبدأت الكتابة عنها أنني كنت أجلس أحيانا في غرفتي وأجري معها كل تلك الحوارات، وهو أمر يبدو غريبا إذ أفكر فيه الآن. كنت بالدرجة الأساسية أكلم نفسي وأكلم هذه المرأة وأسألها في أمور كثيرة. وكثير من ذلك لم ينته إلى الكتاب، لكن … الأمر غريب، كنت أشعر بها مكتملة تماما.
كان من أكثر ما يشغلني أن أبقى وفية لتلك الشخصيات، فقد كان يبدو وكأنني أكتب شيئا غير خيالي بالكامل، وأنني مسؤولة أخلاقيا، كما لو كنت أكتب عن أشخاص قد يقرأون الكتاب ثم يقول أحدهم، لا، هذا في حقيقة الأمر لم يحدث، أو هذا تصرف لا يصدر عن شخص مثلي. هكذا كان إحساسي تجاه تلك الشخصيات. كنت أعيش معهم، ومع ييجيد بالذات، لنحو 7 سنين، متحدثة معها ومحاولة أن أرى كل ما يجري حولي من منظورها هي.
■ وكذلك جميع أصهارها ومن يحيطون بها أصبحوا عائلتك.
كنت أريد أن أكتب عن أنظمة العائلات الممتدة. يكون لديك من تستندين إليهم، وهذا جيد. لكن ماذا لو لم تتواءمي مع المنتظر منك؟ لو أنك رجل، فإنك تجد الدعم. لكن لو أنك امرأة مثل ييجيد، فينتظر منك أن تتزوجي، تكوني فردا في عائلة، وبعد بضع سنين تنجبي أطفالا. أردت أن أنظر في ما قد يحدث لو اخترت أن تكوني غير ذلك، وكيف ينقلب عليك المجتمع الذي تفترضين أن يكون في عونك.
■ من الثيمات المخيمة على الرواية ثيمة إصدار الأحكام، ليس فقط على طريقتنا في الحكم على الآخرين، بل وعلى الطريقة التي نستعملها في أحكامنا لاتخاذ قرارات مصيرية.
تنشأ ييجيد في غياب أمها، وبسبب ذلك، تنفر من الأحكام منذ البداية. ليس ذلك فقط بسبب وفاة أمها التي تنتمي إلى جماعة عرقية مغايرة، وييجيد لا تعرف من هم أهل أمها. لذلك لديها افتراضات لا حصر لها عمن تكون وعما ستصير إليه. تستوعب بعض هذه الأشياء وتصل إلى تفسير لذاتها في ضوء كثير مما استوعبته، حتى يحين موعد الزواج، فيكون عليها أن تتقبل نفسها بينما تتفاوض مع تحديات الزواج الجديدة. وذلك أمر طالما وددت أن أتأمله. يمضي على زواج ييجيد 4 سنوات ولا تنجب. وما أسمعه دائما في مثل هذه الحالات هو الحكم المتواتر على المرأة بأنها لم تفعل شيئا كان يجب أن تفعله، أو فعلت شيئا ما كان يجب أن تفعله، فتسبب في هذا الموقف. وهذا غير منطقي بالمرة.
أردت أن أستكشف توقعاتنا من الآخرين، توقعاتنا لما ينبغي أن تكون عليه المرأة، والرجل. فإذا لم تتطابق هذه التوقعات مع فهمنا لطبيعتهم الجنسية، وخلفيتهم، وجماعتهم العرقية، فإننا نصل إلى نتائج بشأنهم تفتقر تماما إلى الصواب.
■ هل اعتمدت على أي تأملات شخصية؟
حياتي بعيدة كل البعد عن حياة ييجيد. أمي لها أخوات كثيرات. وتجري بينهن حوارات في منتهى الإثارة. ولأنني كنت طفلة هادئة، فقد كان يتاح لي الجلوس في الغرفة والإنصات إلى قصصهن. أعتقد أن فضولي إلى حيوات الآخرين ينبع من تلك اللحظات، واهتمامي بالنظر في ما يكمن أسفل الطبقة التي يبديها الناس في العلن.
آكين هو الابن الأول لأبويه، والطفل الأول تنتظر منه أشياء معينة، وهي ليست منتظرة فقط من الطفل الأول، بل هي خاصة به إذا كان ذكرا. أبي وأمي كلاهما ابن أول لأبويه. وبرغم أن الأمر لم يكن مأسويا قط في حالتهما، فبوسعي أن ألاحظ محاولة تحقيق هذه التوقعات وما تكبده كل منهما من أعباء نتيجة لذلك، ومنه مثلا أن يكون كل منهما مسؤولا عن إخوته بطريقة أو بأخرى. كنت أريد أن أنظر إلى ما قد يحدث لو أنك الابن الأول وتعجز عن القيام بكل ذلك، فتكون السند المعياري للأسرة، وحامي كرامتها وحامل عبئها. هذا عبء غير هين.
■ بدون الكشف عن أي شيء للقارئ، كنت أفكر لو أن نعم ييجيد في حقيقتها نقم، وأن النقمة أحيانا قد تكون نعمة.
نعم. كنت بالقطع أريد أن أنظر في ذلك، وقد يبدو هذا كئيبا بعض الشيء، كل هذا الكلام عن الوحدة المحضة التي ترافق الإنسان وسعينا إلى التخفيف منها وجميع الروابط والعلاقات الرائعة التي نقيمها مع الآخرين. المعيار الذهبي بالنسبة لييجيد هو أن تصبح أما ويكون لديها أبناء. فهذه علاقة تشعر أنها غير قابلة للتغيير. لأنها ستظل إلى الأبد أم هذا الطفل، وسيبقى لديها في حياتها شخص ما. لكن الأمر ليس بتلك البساطة، أم ماذا؟
■ تحكين القصة من وجهتي نظر ييجيد وزوجها. كيف استقررت على بينة السرد؟
بالتنقل في الرواية بين ضمير المتكلم وضمير المخاطب. في البداية كان لدينا منظور ييجيد في نصف الكتاب الأول. والثاني لقصة آكين. عملت على ذلك لسنتين ثم أدركت أن القارئ لن يصل إلى آكين إلا وهو يكرهه. ويقول لنفسه، لست بحاجة إلى أن أسمع أي شيء يريد أن يقوله. ولم أكن أرى الكتاب بتلك الصورة. كنت أريد القارئ أن يتفهم آكين وإن لم يحبه.
■ وكيف حللت المشكلة؟
من أوائل الأشياء التي فعلتها أني فرقت الكتاب. كنت أعرف أنني أريد أن تتوازى السرديتان عبر الرواية. ثم ظهر ضمير المخاطب، لنحو ثلاث سنين، كتبت آكين مستعملة ضمير المخاطب. وأدى ذلك إلى إبعاده عن هذه الحكاية، وإظهار توقعاته من نفسه، وإحباطاته منها أيضا، وعدم تقبله لحقيقة أن هذه هي شخصيته. فهو يحاول تبرير القرارات التي اتخذها. لوقت طويل كنت أشعر أن ضمير المخاطب سوف يحقق ذلك. ولكن الأمر ببساطة لم ينجح. وجربت ضمير الغائب أيضا، ومرة أخرى ظهرت مشكلة التعاطف، ومشكلة البعد الذي لم أرده. ثم جربت ضمير المتكلم، وأتذكر أنني حينما عثرت على صوته. أتذكر الفصل، في منتصف الكتاب تقريبا، ويبدأ بقوله «أحفر مقبرة أبي». حينما كتبت ذلك الفصل، كنت أعرف، أخيرا وضعت يدي على صوته. هذه هي الطريقة التي نتكلم بها عن كل ما جرى.
■ لم تبلغي الثلاثين بعد، وها هي روايتك الأولى تصبح من أكثر الكتب لفتا للأنظار هذا العام. كيف تتعاملين مع هذا الاهتمام؟
صدرت الرواية في مارس في إنجلترا، وبعد قرابة أسبوع كانت في القائمة الطويلة لجائزة بيليز. لا أعتقد أن أحدا يتوقع اهتماما كهذا بكتاب أول. تعاملت مع ذلك بأن ركزت على ما أفعله في الوقت الراهن. وهذا ما في الأمر. هذا كل ما في الأمر. العمل يحقق لي أمانا لا أجده في أي شيء آخر. الكتابة مكان جيد بالنسبة لي حينما أكتب. ليست رائعة طول الوقت، لكنها أرض مألوفة. وأنا أكتب منذ فترة، ولكن تحولي إلى كاتبة هو الأمر الجديد. أمر أحاول حاليا تفهمه.
___________

عن حوار أجراه باتريك هنري باس
لموقع باريس رفيو الإلكتروني/ جريدة عُمان

شاهد أيضاً

يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت

(ثقافات) يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت حسن حصاري منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *