دينيس جونسون ديفيز

*مريم الساعدي

التقيته نحو عام 2008 في بهو فندق روتانا بيتش في أبوظبي، حيث كان ينزل في زيارته للمدينة. كان قد أرسل لي يخبرني بموعد وصوله ويتمنى لو نلتقي. تعرف عليّ من خلال نصّي «العجوز» الذي ترجمه ليضمه في أنطولوجيا عن القصة الإماراتية أسماها «في صحراء خصيبة»، صدرت عن الجامعة الأميركية في القاهرة 2009، كان قد تم اختياره الشخصية الثقافية في جائزة الشيخ زايد للكتاب تقديراً لجهوده في ترجمة الأدب العربي. قال إنه يكن احتراماً كبيراً للشيخ زايد، رحمه الله، وللإمارات، ولذلك رغب في تقديم الأدب الإماراتي الحديث للعالم الناطق بالإنجليزية. في بهو الفندق، وبينما كنت مأخوذة بزرقة عينيه وصفائهما المقاوم لتجاعيد الزمن البارزة في وجهه الثمانيني الجميل، كان يحثّني على مواصلة الكتابة، ووعدني أن يترجم لي أول رواية أكتبها، كعادتي وعدته أن أنجز عملاً روائياً في ذلك العام وأرسله له، لكن أنا من الأشخاص الذين تأخذهم التفاصيل اليومية بإحباطاتها وتحفر في أرواحهم الأخاديد فلا يلتزمون بالوعود. أخبرني أنه كان يعمل على إنجاز ترجمة حديثة للقرآن الكريم، وعندما سألته هل هو مسلم أجاب ببساطة أنه كذلك لكن لا يحب الحديث في الأمر، اعتبر الدين أمراً شخصياً بين الإنسان وربه ولا علاقة لأحد به، وهكذا اتفقت معه.

تحدثنا لساعات أربع أو خمس، لم يبدُ عليه التعب، وكنت في غاية الاستمتاع بكمّ الخبرات الهائلة الذي ينسكب أمامي صافية عذباً مثل نهر، حدثني عن أصدقائه المقربين مثل توفيق الحكيم، محمود تيمور، يحيى حقي، وأسماء ظننت أنها بعيدة تقبع في الكتب فقط، فإذا بإنسان حي عايشها يجلس أمامي ويحكي لي.. وكم أحب الحكايات. أخبرني عن حياته في مصر، عن بيته في الصعيد وتفاصيل كثيرة، قلت له أشكرك بشدة لأنك منحتني هذا الوقت، قال أنا من يشكركِ بمثلك أرى الأمل، فغمرتني السعادة. أبديت دهشتي لحدّة بصره وقوة سمعه، إذ لم أكن أضطر لأعيد ما أقوله أبداً، أبهرني وضوح ذاكرته، وانتباهه وتركيزه وانتقائه الدقيق للمفردات رغم تجاوزه الثمانين، كان يتحدث باللهجة المصرية، قلت له كيف استطعت الحفاظ على حواسك ناصعة هكذا، قال من يقرأ لا يشيخ.

أحببت دينيس، قلت له لو كنت التقيتك شاباً لكنت تقدمت لك، ضحك متلفتاً حوله خشية أن تسمع زوجته، المصورة الإيطالية، تلك الدعابة. كان يجب أن ننهي اللقاء لارتباطه بموعد مع صديقه الكاتب الإماراتي محمد المر. في الثاني والعشرين من مايو الماضي مات دينيس عن 93 عاماً. مات وهو يحب أرض العرب، وظل لآخر أيامه مؤمناً بأنها يمكن أن تنفض عنها غبار الغلو والجهل والتطرف وتزدهر. رحم الله دينس جونسون ديفيز، الحاج عبد الودود، وأسكنه فسيح جناته.
______

*الاتحاد

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *