عن أخبار الدار والدوار وما خلف الجدار

خاص- ثقافات
 

*كفاح جرار

 

إنها المهانة

ساعة تسأل الغريب عن أحوال أهل الدار وما يحدث في البيت من أسرار، والمدهش أن تطمئن لإجابة الغريب الذي يطلعك على أحوال وأخبار أهل بيتك، هل من مهانة وعبط واستهبال واستغفال أكثر من ذلك؟.

للغريب أن يفكر كيف يشاء، وله أن يقول ما يشاء، ولنا أن نعمل ونقرر ونعتقد ونرجح ما نشاء، لكن مالا يحق أن يكون، وما يعد سلوكا وتفكيرا معيبا أن يقوم ابن البيت بسؤال ضيف أجنبي عن أخبار أهل بيته الذي يعيش فيه، وكأنه لا يثق بما يسمع داخل جدران منزله فيذهب لتقصي الحقيقة من فم غيره، المشكوك موضوعيا بنزاهته وحياديته.

قد عاتبت صاحبي ولمته ساعة قال بغضب، كل هؤلاء القوم الذين تراهم ويقع بصرك عليهم هم من الدهماء، لم يتجاوزوا ثقافة الرعاع وتفكير الرعاع ومفاهيم الرعاع، ولكن بعد الذي كان من الصحيح القول تماما وللدهماء الرعاع إعلامهم الرعاعي أيضا، وهو إعلام الدهماء الذي يتقصى أخبار بيته من غيره.

أذكر يوما أن قال أحد الإعلاميين الفلسطينيين الكبار، وقد كان كبيرا بمركزه حينها أما اليوم فهو كبير في العمر صغير في الحجم والأهمية، قال هذا، عندما نرغب في تقصي أخبار الزعيم الأب ياسر عرفات “أبو عمار” فإننا نلجأ إلى الصحافة الغربية، فهؤلاء يعرفون أشياء كثيرة عنه، ويحيطون بأخباره وتحركاته.

قال المسؤول ذلك وهو يبتسم ببلاهة، في رده عن سؤال حول زيارة سرية قام بها عرفات لدولة توصف بالمعادية، مع أن العداوة بالمنطق العرفاتي مطاطة جدا، ولا ضوابط وحدود لها، فتارة يقبل ويحتضن وبعد أيام يصبح عدوا لمن احتضنه وقبله، كانوا يقولون عنه، إنه يشفط كثيرا، ويعشق المجاملات الزائدة عن المألوف، وقد ذهب الرجل إلى ربه واحتاروا في توصيف ذهابه أقتل هو أم موت طبيعي، وقد أكدوا قتله لكنهم وزعوا دمه بين القوافل، وعندهم إسرائيل فهي تحمل كل خطاياهم وحطاياها.

أين الخلل برأيكم، فيمن يسأل أو في الجهل القائم، وليس أكثر عيبا ونقيصة على إعلامي أن يستجدي أخبار وطنه من إعلام غيره، ما يذكر بموقع كل شيء عن الجزائر، الذي اعتاد صحفيون وإعلاميون ومتابعون سرقة الأخبار منه ونسبتها إلى أنفسهم حتى فضحهم الموقع نفسه قائلا، لا نريد منكم شيئا سوى الإشارة لمصدر الخبر بدون شكرا.

نعم لدينا من الإعلاميين من يجهلون قصدا ويتجاهلون عمدا الإشارة إلى مصادر أخبارهم، وهم يعتقدون أنهم أصحاب سبق صحفي يميزهم عن غيرهم من زملاء المهنة، وتلك منافسة غير شريفة أبدا، ما أشبهها بمن يمد يده في جيبك سارقا محفظتك، وتلك خصلة لا ينبغي لعاقل يحترم قلمه أن يقع فيها، حتى لو كتب في الكمبيوتر، تبقى الكلمة ذات جلالة وقدسية، طالما كان الإيمان كلمة والكفر كلمة والشرك كلمة.

أليس معيبا أن فينا من يحتقر هويته وانتماءه وتراثه، فقط لأنه بصغره يرى ما حوله صغيرا والآخر كبيرا؟.

وطالما كنا في إعلام القطيع، فلنفترض لا سمح ولا قدر الله تعالى، أن يعود فيحكمنا علماني بعقلية شرقية، فكيف سيكون حالنا، وما الذي سيقدمه هؤلاء من إضافات لمسيرتنا الثقافية والسياسية والاجتماعية؟.

لنتفق أولا، أن معظم الأنظمة التي ولدت ما بعد مرحلة الاستعمار المباشر، كانت علمانية بمفاهيمها الذاتية، وخاصة الدولة الناصرية ومعها دولتي البعث السوري والعراقي، اللتين فشلتا في إنجاز أي مشروع نهضوي، رغم تغنيهما بشعارات البعث العربي من وحدة وحرية واشتراكية، وكانتا ويا لحظ الشيطان عدوتا الحرية والوحدة وطبقتا اشتراكية فاسدة، حملتا في العراق أبناء تكريت إلى سدة رجال الأعمال، وأبناء القرداحة في سوريا إلى مصاف أثرياء العالم.

ثم قام هؤلاء العلمانيون وبخاصة في تونس باستنساخ التجربة الأوروبية فمسخوها مسخا، ثم تواصلوا مع المجتمع الذي تعالوا عليه بعقلية ذلك المسخ، أين منه أحدب نوتردام بعشقه وولعه وغيرته على الغجرية التي عشقها، وهو أكثر ما يتماهى مع المسخ العجيب الأخضر” هالك” ، ولكنهم لا يتمتعون بإنسانيته ولا بشفافيته وحساسيته المفرطة ضد الظلم.

لقد كانوا طبقة من الكومبرادور الطفيلي، أي لمن يجهل الأدبيات الماركسية، من البرجوازية العميلة، التي رهنت البلاد والعباد للخارج، سواء كان هذا الخارج شرقيا سوفياتيا أو غربيا أمريكيا، وما بينهما صينيا، بعد العداء الذي استحكم بين بكين وموسكو.

لقد تحررت شعوب العرب من استعمار مباشر، لم تعمر شمسه فوقنا طويلا، رغم أنها كانت سوداء دوما، ولكن الآتي بين مدى تحضرها ومدنيتها مقارنة بعلمانية القضبان الحديدية، فمن ينكر أن الناصرية كانت لعنة على مصر مقارنة بحكم الملوك الفاسدين من آل لازوغلي؟، ومن يمكنه أن ينفي قسوة البعث وعقم وحماقة التجارب الاشتراكية في الجزائر واليمن والسودان، التي شردت وكنست العلماء والمفكرين كنسا، فوجدوا في بلاد البرد ملجأ دافئا عجزت عن توفيره أنظمة بلادهم، ليس لضيق ذات يدها، وإنما لأنها تستثمر في الجهل وتبني له وتهتف باسمه، فطالما كان الحاكم هو الأب الخالد الرؤوم الذي لا يموت، فلن يكون حالها أفضل من حال بيونغ يانغ التي حنطت زعيمها القائد كيم إيل سونغ، وسلمت رسنها ونيرها إلى ابنه وحفيده من بعد.

إنها علمانية الشرق التي يحقق قائدها أغلبية 99 بالمئة من أصوات القطيع.

 

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *