الزجل وسؤال المنهج

خاص-ثقافات

*عبد الجليل لعميري

 

تقديم :

    يطرح الاهتمام بالزجل المغربي شأن الاهتمام بالأدب عموما عدة أسئلة وقضايا.

فالملاحظ للمشهد الزجلي المغربي الحديث ،يسجل انه مشهد غني بالتجارب وقد حقق تراكما ل لا بأس به خلال العقود الأخيرة من القرن السابق وبداية الألفية الثالثة.

 وما يهمني، في هذه الورقة، هو التوقف عند العلاقة الشائكة بين النظرية والممارسة أي محاولة الجواب على الأسئلة الآتية :

 إذا كان لدينا تراكم زجلي حديث ،فهل لدينا تراكم نظري يستطيع مواكبته وتحليله والبحث في خصوصيته وطرق اشتغاله؟وما هي معالم هذا التراكم النظري ؟وهل يمكن الحديث عن”مقاربة نقدية” خاصة بالزجل؟

1/من التشابه إلى الالتباس :الشعر والزجل أية علاقة؟

من الأطروحات النقدية والنظرية الحاضرة في الساحة الأدبية، بالمغرب وخارجه، التعامل مع الزجل باعتباره شكلا تعبيريا شعريا يتشابه في الكثير من الخصائص الفنية مع الخطاب الشعري.ويبقى الفارق الجوهري بينهما اعتماد الزجل للغات العامية أو المحكية أو اللهجات.في حين يعتمد الشعر اللغة الفصيحة أو المعيارية.

 وتقول هذه الأطروحة بإمكانية تطبيق مفاهيم المنجز النقدي المرتبط بنظرية الأدب المكتوب باللغة المعيارية(في شقها الخاص بالشعر).

 ويستتبع ذلك اعتبار المنجز الزجلي الحديث كنص شعري يقوم على عناصر الدلالة والمعجم والخيال المبني على مكونات اللغة الشعرية والإيقاع الداخلي والخارجي.

 فيصبح بذلك الزجل جزء من الخطاب الشعري ،وينطبق عليه ما ينطبق على الشعر بمعناه العام سواء كان قوميا أو عالميا.

 إن أصحاب هذه الأطروحة يتكئون في تحليلهم للقصيدة الزجلية على البلاغة القديمة (الصورة والأساليب)،والأسلوبية كبلاغة حديثة ،وعلم العروض التقليدي ،وعلم المعجم  . ويعتمدون المناهج النقدية السائدة في تحليل الشعر (التاريخي الاجتماعي والبنيوي والنفسي والسيميائي ونظرية التلقي..)كل حسب قناعاته الفنية والمعرفية وحتى الإيديولوجية .

  وهكذا بملاحظتنا للمنجز النقدي المغربي أو العربي في هذا المجال (محمد ناصر سعيد المطهري : الشعر العامي في صحاري اليمن ـ دراسة في أصوله الشفاهية . . رسالة ماجستير .معهد البحوث و الدراسات العربية . جامعة الدول العربية . سنة 1423 هـ م 2003./ أعلام الشعر العامي في لبنان” للناقد ميشال خليل جحا/ ومنير وهيبة الخازن الذي عُدَّ مؤلفه “الزجل” من أهم المراجع المعتمدة الى اليوم، عام 1952،/القصيدة اطروحة الاستاذ عباس الجيراري بالقاهرة 1969./  جمالية الكتابة في  القصيدة الزجلية المغربية الحديثة، الممارسة النصية عند أحمد لمسيح.لمراد القادري/محمد داني كتاب نقدي حول تجربة ادريس امغار./…الخ)نلاحظ أن معظم الدراسات تعيد استعمال مفاهيم النقد الحديث كما أنتجت في نقد الشعر لتحليل الزجل بطريقة وصفية تعرف بمكوناته المضمونية والشكلية.

*نماذج من نقد الزجل :

ينطلق الناقد للزجل من مقولات نقدية مطبقة مسبقا على الشعر الفصيح ،فيتوقف عند مضامينه وأفكاره ونوعية المعجم المعبر عنها وما يستدعيه من حقول دلالية.لينتقل إلى تحليل التركيب البلاغي من أساليب خبرية وإنشائية وصور شعرية مبنية على البيان والبديع منتهيا بالإيقاع الخارجي لاستجلاء اوزان القصيدة وقوافيها.ونستحضر هنا ما طرحه مراد القادري في اطروحة دكتوراه اشرنا اليها سالفا،فقد توزّعت الدّراسة على أربعة فصول، هي: الخطاب الموازي، التّناصّ، السّخرية وبنية اللغة الشعرية.وتتعامل مع زجل المسيح كمتن شعري مغربي وكرافدٍ شِعري ينبغي إدْماجُه في بنية المتن الشّعري المغربي. وقد توسل الناقد بنفس الادوات المنهجية التي طبقها ناقد اخر على الشعر المغربي السبعيني الفصيح ،وهو عبد الله راجع في كتابه :” القصيدة المغربية المعاصرة، بنية الشهادة والاستشهاد» مبررا ذلك بانتماء لمسيح لنفس الحساسية السبعينية.قائلا 🙁 غير أنّني وفي أكثر من مَوضعٍ من هذا البحث، آثرت الاستشهاد بعبد الله راجع وبدراسته لنُعيدَ التأكيد على انتماءِ قصيدة أحمد لمسيح إلى متنِ القصيدة المغربية السبعينية، وأنّ رؤيته الشعرية تتعالقُ في صَميم بنيتها مع رؤية هذا المتن. وقد استندَ هذا الإجراءُ النظري والمنهجي إلى الاستلهامات المشتركة والفاعلية التناصية المتشابهة، التي وحّدت بين شُعراء القصيدة الفصيحة، الذين خصّهم راجع بالدرس والقراءة، وشاعرٍ مجايلٍ لهم، هو أحمد لمسيح، الذي اتّجه لكتابة قصيدة محكومة بنفس الأجواء التخييلية والدلالية، لكنّ مادّتها اللغوية تمّت بالدارجة المغربية.)ويضيف الباحث فيقول 🙁 اعتبارًا لطبيعة الموضوع، فقد استرشدنا بالنظريات الشعرية، التي هجسَت بالنصّ واحتكمت لبنياته، وذلك بهدف استجلاء الدينامية النصيّة و إبراز الظواهر الجمالية المتجدّدة التي يحفل بها من تناص واستعارة وسخرية. وقد كان الاحتكام إلى هذه النظريات، ينطلقُ ممّا يدعُو إليه المتن، لا من المواقف الجاهزة أو المسبقة التي يمكنُ أن تعنّف النصوص بدل إضاءتها. لذا، فقد رافقنا الدراسة برؤية نسقية، تؤمنُ بتعدّد العناصر الموجّهة والمتفاعلة في ذات الآن، مع التراكم الشعري المغربي والعربي دون التفريط في الأسئلة الخاصة التي كانت تولّدُها، طيلة البحث، خصوصيةُ القصيدة الزجلية. وهي الأسئلة التي يتعيّن استثمار أفقها المعرفي والثقافي والشعري بغية تحقيق التراكم النقدي الكفيل بالكشف عن القوانين الكلية المؤطرة لجمالية وشعرية هذه القصيدة.).

 ويعترف صاحب الأطروحة الجامعية بأهم صعوبة :” سعيُ البحث إلى استجلاء العناصر الجمالية في الممارسة النصية الزجلية اعتمادا على أدوات منهجية تأسست في تربة الشعر الفصيح”.

  لنستنتج ان مغامرة توسل المنهج النقدي الخاص بالشعر الفصيح ، او المطبق عليه حديثا ،لقراءة الزجل تقوم أساسا على “إسقاط” متعمد ومعلن للمنهج الجاهز ، إلا إن هذا لا يعفينا من الاعتراف –كما فعل الاستاذ القادري- بصعوبة أخرى:( تناقض اختيار منطقة الكتابة لطرح إشكالية قصيدة ظلت دوماً منظورا إليها كنصّ شفوي.).ويحسب لهذا النوع من الدراسات انها ساهمت في رد الاعتبار للزجل وجعلته تحت الأضواء ،وهذا الى حد كبير خطوة جريئة ومهمة لتجديد التفكير في الزجل من منظورات متعددة،وإنتاج عدة نقدية جديدة ومناسبة للبحث في عوالم الزجل الغنية.

 

      لكن هذه الممارسة النقدية توجه إليها بعض الملاحظات والانتقادات ،نجملها في التالي :

التشابه الذي يسمح بتحليل الزجل كشعر ،يتحول أحيانا إلى لبس يظلم الزجل ويفرغه من أية خصوصية محتملة.

-اعتماد مناهج ومفاهيم نقدية وبلاغية خاصة بالشعر،أنتجتها قراءة الشعر ،يكرس نوعا من الإسقاط غير المبرر لما أنجز في مجال الشعر على مجال مخالف له (ولو نسبيا؟).فيظهر كنوع من “التعسف”غير المبرر.

-يغيب عن هذا التصور(قصدا او بدون قصد)خصوصية اللغات العامية او المحكية،واختلافها الموضوعي عن اللغة المعيارية المقعدة المالكة لنحو خاص بها ،وهو اختلاف يتجسد على عدة مستويات ملموسة :صوتية ،تركيبية،معجمية وإيقاعية..

-لا تهتم هذه الأطروحة بالخصوصيات الصوتية للهجات واللغات العامية في بعدها الفونولوجي …

  إذن فما العمل ؟وهل هناك بديل أو بدائل ممكنة؟

2/مداخل أساسية من اجل بناء “مقاربة جديدة “:

  هل من حقنا ان نزعم البحث عن مقاربة جديدة؟

  إن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد طموح يتوسل التفكير بصوت مسموع…ولا يقينية فيه …انه مجرد محاولة لطرح أسئلة مفتوحة على المستقبل…

ويبدأ هذا التفكير من اقتراح هذه المداخل لبناء معرفة علمية جادة بالزجل :

*المدخل 1:

    في كل الآداب العالمية كان لابد من وجود تاريخ أدبي للأنواع.وعليه فنحن في حاجة إلى كتابة تاريخ خاص بالزجل ،وهو أمر متوفر إلى حد ما عبر المعلومات والمعطيات المنتشرة هنا وهناك في المصادر والمراجع الأدبية وكتب التاريخ العام…وهي معطيات في حاجة إلى تجميع وترميم وتنظيم وتصنيف لتصبح مادة مؤطرة للتعبير الزجلي،تمكننا من رصد تطوره التاريخي ابتداء من العصر الأندلسي ،على الأقل(القرن الثالث هجري كأقصى نقطة زمنية) ،وحتى الآن ، وهذا الأمر لا يرتبط بالزجل المغربي وحده ،بل بالزجل في كل الساحات الثقافية العربية أيضا…خاصة أننا نعرف وجود تجارب رائدة ومتميزة في الشام خصوصا لبنان وفلسطين وكذلك في مصر والخليج..وأكيد أنها موجودة في مناطق عربية أخرى وهذا من مهام التاريخ الأدبي بغض النظر عن منهجيته..

  دون أن ننسى أن الزجل قد يعبر بلغات ولهجات أخرى متواجدة في المجتمعات العربية(الامازيغية بالمغرب والجزائر وليبيا والسريانية بلبنان وفلسطين…)وهذا نقاش أخر ،يستحق التوقف عنده لاستجلاء خصوصيته والتعريف بألوان زجلية أخرى تتعايش مع الأزجال “العربية”..

*المدخل الثاني :

   صعوبة التعامل مع الزجل ،في المغرب أو خارجه ،بدون استحضار أهمية الثقافة الشعبية بل الثقافات الشعبية ..والتي هي الرحم الكبير الحاضن له.أي لا بد من توفير بحوث ومعرفة علمية تهتم بدراسات سوسيلوجية الثقافة الشعبية  ، وشروط إنتاجها،والعلاقات المتشابكة بين أنواع الثقافة الشعبية وأشكالها المتعددة من أغاني وأمثال ومحكيات وطقوس وعادات واحتفالات …

*المدخل 3:

   لابد من معرفة علمية خاصة بعلوم اللسانيات الحديثة ،وخصوصا الاهتمام الجدي بعلم اللهجات كمبحث لساني جديد وأساسي في معرفة خصائص اللهجات التي هي أداة إنتاج الزجل.وهذا العلم حقق تراكما في دراسة لهجات متنوعة في الخليج واليمن والجزائر.وهنا نشير إلى الدور المهم للجامعات الغربية –بغض النظر عن خلفياته-في الاهتمام بهذا الموضوع ،خصوصا الجامعة الانجليزية،وما أنجزه  الباحثون العرب من دراسات في هذا المجال مثل ابراهيم انيس وتمام حسان وعبده الراجحي..

المدخل 4:

   استحضار علم الأصوات أو الأصواتية (الفونتيك والفونولوجيا)،كعلم ممكن أن يساعدنا في استجلاء بعض قضايا الصوت والإيقاع في بنية النص الزجلي ..خصوصا أن تحقق وتجلي الصوت في اللهجة يختلف عنه في اللغة المعيارية.

*المدخل الخامس :

    تعميق البحث في الجانب الموسيقى للزجل ،للذهاب ابعد من العروض المعياري ،باستحضار الروافد الموسيقية المتنوعة النابعة من الثقافة والثقافات الشعبية (الاهازيج/الموسيقى الشعبية وألوان الغناء و الرقص المنتشرة في الوطن العربي ..)،وعلم الأصوات ونظريات الإيقاع الحديثة منها والقديمة عند العرب وعند غيرهم..

*المدخل السادس :

    خلق اهتمام أكاديمي منظم ومدعم للنهوض بمهام البحث والتأليف والابتكار في المجال الزجلي ،كانخراط الجامعات في البحث الزجلي عبر برنامج واضح ومخطط لإنتاج معرفة علمية بالزجل في أفق معلوم(مخطط استراتيجي بأهداف مسطرة)،والعمل على تأسيس مراكز بحث أو جعل القائمة منها تهتم بالموضوع ،وتسطير المزيد من الندوات والموائد المستديرة والمناظرات تهتم بالزجل لتتراكم معرفتنا به.

*علم اللهجات :

   وقبل ختم هذه الورقة أشير إلى أن هذه المداخل كلها أساسية ومتكاملة ،ولكني أرى أن المدخل الثالث الخاص بعلم اللهجات، يستحق وقفة للتعرف عليه.

*في المفهوم:

:dialectologyااو ديالكتوس عند اليونان(كلام+علم)،علم يدرس اللهجات،يعرفه بيتر ترودجل بأنه دراسة أكاديمية يركز على دراسة الأصوات والمعاجم في اللهجات القروية،أو الريفية،كما يهتم في الآونة الأخيرة بالخصائص النحوية من خلال علم اللهجات الحضري وعلم اللهجات الاجتماعي.وكذا الاهتمام بالتوزيع الاجتماعي  للهجات والأشكال اللسانية.

*في التاريخ :

    ظهر هذا العلم بأوربا خلال القرن 19 الميلادي مع جورج وينكر(1876).اما عند العرب فاللغويين العرب القدماء لم يعتبروا اللهجات سوى اختلافات بين جماعات متعددة توحدها لغة معيارية تخضع لنحو معياري، وبذلك غاب هذا المبحث في ظل وصاية عالمة على اللغة. ورغم وجود واقع لغوي يجسد الاختلاف (نزل القران بسبع لغات كلها كاف شاف)كما جاء على لسان النبي محمد(ص).  واشارة بعض الباحثين  الى انهم وجدوا في لغة القرآن أكثر من خمسين لهجة . وهي اشارة الى وجود لغات قبائل متعددة كانت متداولة ومتثاقفة مع بعضها البعض بحكم تعامل وتفاعل القبائل  سواء على مستوى التجارة او غيره.وذلك يظهر تنوع اللهجات واختلافها وهو ما لم يستطع هضمه واستيعابه النحاة التقليديون ،واليكم مثال اورده موقع المنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم:( الشنشنةوقد اختصّت  بعض اللّهجات اليمنيّة   –والعنعنة – وهي إبدال العين من الهمزة المفتوحة نحو : ” عَنّا ” بدلا من ” أنّ ”  في لهجات قيس و قضاعة  وتميم  – والاستبطاء  – وهو نطق  العين الساكنة نوناً  في الفعل ” أعطى ”  ( أنطى ) دون غيره . وذلك  في لهجات هذيل و الأنصار و قيس و أهل اليمن و سعد بن بكر –  والكسكسة – وهي زيادة    سين بعد كاف الخطاب في المؤنّث لا المذكّر نحو : “أعطيتُكِسْ “بدلا من “أعطيْتُكْ” –  والتّضجّع – وهو التّباطؤ والتّراخي في الكلام ، كما في لغة قيس  وتميم وأسد  – والطّمطُمانيّة  – وهي إبدال لام التّعريف ميما  كقول الحميريّين  : “طاب امهواء ” بدلا من “طاب الهواء” – و الاصنجاع – وهو إمالة الألف  على نحو مشطّ إلى الياء ، كما هو الشّأن في لهجات أسد وقيس وتميم  –  والتّلتلة – وهي كسر حرف المضارعة مطلقاً  إلاّ إذا كان ألفا حسب ابن يعيش وما عدا الياء حسب البغداديّ  نحو : “تِلعب” – والقَطْعة  المنسوبة إلى طي – وهي ضرب من التّرخيم يتجسّد في قطع اللّفظ قبل إتمامه،  نحو : “يا أبا صال “بدل  ” يا أبا صالح ”  – والعَجْعَجَة – وهي نطق الياء المشدَّدة جيماً نحو : “تميمِجّ” عوضا عن ” تميميّ”  وقد نسبت إلى قضاعة  – والفَحفَحة في لغة هُذَيل  – وهي نطق الحاء عَيْناً نحو :  “عتّى حين” عوضا عن ” حتّى حين” –  والغمغمة – وهي الكلام غير البيّن – المنسوبة إلى  قضاعة –  والوكْم في لغة ربيعة  – وهو  جعل ياء أو كسرة قبل الكاف نحو : “عليكِمْ ” و”بكِمْ  – والعنعنة – وهي إبدال همزة “أنّ”  المفتوحة عيناً وممّن اختصّ بها قبائل  تميم وقيس وقضاعة- والفراتيّة – وهي السّرعة في الكلام وقد عُزِيت إلى أهل العراق ولغة “أكلوني البراغيث”  عند بني الحارث بن كعب وطيء وأزد شنوءة نحو : ماتوا الرّجال وغيرها .)

*المنهج :

   تتحدث أدبيات في هذا المجال عن ثلاثة مناهج سائدة لكل منها نقاط قوته وضعفه،نذكرها هنا كالأتي :

-منهج طريقة المشارك المراقب:يعتمد دراسة ميدانية للهجة من خلال عينة عن قرب بالتواجد داخلها مع الحياد،لنتوصل إلى رصد الممارسة اليومية للهجة مع ما يصاحبها من أعراف اجتماعية وتواصلية،ورصد مدى أهمية المتكلم داخل وسطه.

-منهج طريقة الستار المتطابق :يعتمد ملاحظة علاقة الناس مع لهجات أخرى تعرض عليهم كعينات فيتقبلونها او يرفضونها لاعتبارات شتى ،وهذا يبرز صورة لهجة ما في عيون آخرين يمتلكون لهجة ثانية مخالفة.

– منهج طريقة المقابلة والاستبيان :وإما أن يعمد الباحث إلى مقابلة شفهية لرصد اللهجات او طريقة مكتوبة عبر الاستبيان.وكلاهما يستهدف جمع بيانات حول ممارسة اللهجات على لسان أصحابها مع رصد مظاهرها وخصائصها ومقارنتها إما بلغات معيارية أو لهجات أخرى..(عن فريد داودي/جامعة ابي بكر بلقايد/الجزائر).

    وكما ورد في موقع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم 🙁 انّ الباحثين الغربيّين قد ألّفوا فيها (اللسانيات اللهجية)كتبا ومصنّفات وقواميس  ومقالات لا تكاد تحصى، نذكر منها أعمال لاندبارغ (Landberg) في بداية القرن العشرين عن لهجات دثينة وحضرموت وأعمال فويديش (Woidisch) عن العاميّة المصريّة والدّراسة المقارنة بين لهجات الكويت والمغرب ومصر وسوريا التّي قام بها بروستاد (Brustad). وغيرهؤلاء كثير.

   وقد جمع حاييم رابين (H.Rabin) في كتابه  اللهجات العربية الغربية القديمة (Ancien West Arabian, 1951) أغلب الملاحظات التّي جاءت في كتب اللّغويين العرب  ، كما رسم   ، على هدي منها و ممّا تعرّف إليه من مواقع القبائل العربيّة ، خرائط تجسّد  جغرافيا التّوزيع اللّهجيّ لمختلف طرق النّطق أو التّراكيب الخاصّة أو وجوه استعمال الأدوات النحويّة كحروف الجرّ والعطف والأسماء الموصولة وغيرها ).

 

   خاتمة :

 بعد هذه المداخل نطرح السؤال من جديد :أين هي النظرية المزعومة إذن؟؟؟؟

النظرية الأدبية (أو المنهج النقدي  كأضعف تقدير ) ليست رغبة فردية ،ولا نزوة معزولة ،بل هي صيرورة وسيرورة تاريخية،لا يمكن ادعاء القيام بها فرديا ،ولكنها تتجسد في التراكم الإبداعي للزجل والتراكم النقدي،والاهتمام بتلك المداخل لتوفير معرفة علمية خصبة تمكن المحلل من أدوات نقدية قادرة على إنتاج فهم جديد بالزجل كتعبير مميز..

والرهان معقود على الزمن التاريخي الموضوعي لتحققها..بدون الزعم أن الأفق قريب أو قريب جدا..إن هذا العمل هو مشروع أدبي تاريخي معقد جدا …ولكنه ليس مستحيل التحقق إن هو ارتبط بمشروع ثقافي حداثي للمجتمع يسعى إلى الاعتراف بشكل تعبيري إنساني مهم في حياة الفرد والجماعة البشرية المنتجان له.

  فما العمل مرة أخرى؟هل ننتظر تحقق كل هذا ونتوقف عن التعامل مع الزجل والتفكير فيه؟

  بالطبع لا….فالمنجز الزجلي أصبح واقعا ملموسا بتراكماته المتنوعة ،سلبيها وايجابيها ..ومواكبته نقديا هي مسؤولية الباحثين والنقاد والمهتمين..وذلك بما توفر لهم من منجز نقدي جاهز…مع العمل على عدم الركون إليه والاكتفاء به بل الشك الدائم فيه والعمل على تطويره وتكييفه…بحثا عن الأفضل والأنسب…وهذا ما تروم إليه هذه الورقة المتواضعة…

  وعليه تبقى الأطروحة المشار إليها في البداية قائمة…لكنها في حاجة إلى المزيد من التطوير والاغناء…وهذا هو سبيلنا إلى بناء نظرية أو على الأقل تصور نقدي خاص بالزجل…

___________

*اعتمدنا في عرض رأي الباحث مراد القادري على مداخلته التي قدمها أمام لجنة المناقشة لرسالته(2012/فاس).

*قدمت هذه الورقة ضمن فعاليات المهرجان الوطني للزجل في دورته 11،سادس ماي 2017ببنسليمان(ندوة :”الزجل :القضايا والأسئلة الفنية”.).

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …