فنانو مصر والعالم يجسدون بالضوء روحانيات شهر رمضان

*ناهد خزام

القاهرة – لم يكن المعرض الجماعي المقام حاليا بـ”قصر الفنون” في القاهرة، والذي يتزامن تنظيمه مع رمضان لتشكيل روحانيات الشهر من خلال الفن، الأول من نوعه، بل سبقه معرض يتيم أقيم عام 2005، على أن ينظم سنويا بفكرة مختلفة، لكنه توقف، كما يقول منظمه الفنان المصري محمد أبوالنجا لأسباب متعلقة بتغيير الإدارة.

وفي المعرض الجديد الذي ضم فنانين من مصر وتونس وسوريا والإمارات وإسبانيا والمجر وفرنسا توشحت قاعات العرض بالنور الخافت على غير العادة في مثل هذه الأحداث الفنية، لفسح مجال التعبير بالضوء للأعمال المشاركة، خاصة أن جميعها تنتمي إلى نوعية الممارسات المعاصرة، إذ ضمت أعمالا في التجهيز والأداء الحركي والتصوير الفوتوغرافي والفيديو آرت.

وقد خصصت مساحة العرض في يوم الافتتاح لعرض الفنان محمد أبوالنجا، القيم على المعرض، وهو عرض حركي أدته الفنانة نورا أمين التي طالعت جمهور المعرض بأداء حركي شبه راقص حول مجسم مضاء بالمصابيح، بينما ارتدت هي أيضا خيوطا مضاءة حول جسدها، وللفنان أبوالنجا أيضا عمل آخر معروض في مجال الفيديو اعتمد فيه على أضواء المراكب النيلية في ليل القاهرة.

أما الفنان ناثان دوس، وهو مثال مصري معروف بأعماله النحتية على الحجر، فقد مزج في عمله بين النحت والإضاءة في عمل تجهيزي يعد واحدا من أبرز الأعمال التي ضمها المعرض، إذ علق دوس منحوتة مفرغة وحرة الحركة على هيئة رأس بشري في وسط القاعة، ثم سلط عليها الضوء من جوانب مختلفة، ليلقي الشكل المتحرك بظلاله على الجدران من حوله فيضفي شعورا بالحركة.

وفي المقابل استلهم شادي أديب سلامة عمله من مشروع “المعرفة” الذي يعمل عليه منذ سنوات ويوظف فيه الكتاب كمفردة بصرية، حيث وضع أديب كتابا مفتوحا داخل “فيترينة” زجاجية مضاءة من جميع الجوانب، فإذا ما نظرت إليها ترى صورتك على صفحة الكتاب.

وبين أعمال التجهيز المميزة أيضا عمل الفنان أيمن السمري الذي وزع داخل القاعة مجموعة من المجسمات الورقية الكبيرة على نحو يعطي مجالا لحركة الجمهور من حولها، والمجسمات المفرغة والمضاءة من الداخل تعكس على نحو بانورامي صورة الرسوم التي صاغها الفنان على جدار المجسم من الخارج، لتختلط في النهاية صور هذه الرسوم بحركة الناس من حولها.

ومن وحي فكرة “الطوطم” جاء عمل الفنان مهاب عبدالغفار الذي وضع ثلاثة مجسمات طولية مفرغة إلى جوار بعضها البعض، تبدو من الوهلة الأولى كأنها منحوتات بشرية، والمجسمات مضاءة من الداخل على نحو يظهرها كأحد الهياكل القديمة أو المجسمات الأثرية المنتمية إلى حضارة من الحضارات الغابرة.

وبين أعمال التصوير تميز عمل الفنانة الإماراتية فاطمة لوتاه الذي أهدته إلى سوريا، كما تقول، وهو عبارة عن صورة فوتوغرافية لبيت محترق من جراء القصف، فتحت الفنانة في أحد جوانب الصورة المعروضة طاقة من النور بدت بنافذة مضاءة داخل البيت المهدم، كما شارك الفنان أيمن لطفي -وهو أحد أهم الفوتوغرافيين المصريين- بعمل فوتوغرافي اعتمد خلاله على المزج بين الظل والنور.

ويقول القيم على المشروع الفنان محمد أبوالنجا معلقا على المعرض والأعمال المشاركة “كان كل هدفنا في هذا المعرض أن نقدم أعمالا لفنانين مختلفي الأجيال والأساليب من مصر والعالم، لنطرح صورة مختلفة ومضيئة للتعبير عن روحانيات شهر رمضان بعيدا عن الأفكار والحلول التقليدية المباشرة، ونتمنى أن يكون هذا المعرض مؤثرا وإيجابيا في ظل المناخ العام الذي تشهده مصر والمنطقة العربية، بل والعالم أجمع، ولهذا تبرز أهمية أن نجتمع من خلال التعبير بالنور”.

ويأتي المعرض على هذا النحو مغايرا لكافة العروض الأخرى التي تقام في شهر رمضان بقاعات العرض في القاهرة، إذ دأبت معظم هذه القاعات على عرض ما لديها من لوحات تصويرية أو منحوتات متعلقة بالشهر الكريم معتمدة على موضوعات مكررة كالزينة الرمضانية والاحتفالات الشعبية والموائد الرمضانية والطقوس الدينية، وغيرها من مظاهر الاحتفال المرتبطة بهذا الشهر.

ويرى الفنان محمد أبوالنجا أن التعامل مع ثيمة الضوء على هذا النحو يفسح المجال لكافة الاتجاهات والثقافات المختلفة للتعبير عن الروحانيات بصرف النظر عن معتقد الفنان وميوله العقائدية، فالمعرض يشارك فيه فنانون من فرنسا والمجر، ومن مصر والدول العربية، فنانون مسلمون وغير مسلمين، كلهم يعبرون عن علاقتهم بالضوء بالطريقة التي يرونها مناسبة، فالضوء يحمل الكثير من الدلالات المختلفة، المباشرة وغير المباشرة، كما يشكل مفردة بصرية ملهمة للفنانين، ومعارض الضوء هي معارض معروفة في كافة أنحاء العالم يمارسها الفنانون ويوظفون من خلالها النور توظيفا فنيا يخدم الفكرة المقصودة.

________
*العرب

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *