محاور الترجمة

*أمير تاج السر

في معرض أبوظبي الدولي للكتاب هذا العام، كان ثمة محور كبير عن ترجمة الأدب العربي، استضيف فيه عدد من المترجمين، والمهتمين بشؤون الترجمة، مثل محرري مجلة بانيبال الفصلية، التي تصدر في لندن، وأيضا كتاب من الذين ترجموا للغات أجنبية، ووجدت كتابتهم صدى إلى حد ما.
حقيقة أصبح محور الترجمة، فعالية مهمة في اللقاءات العربية في السنوات الأخيرة، وبعد أن حظي الأدب العربي ببعض الالتفات وأصبح نقله إلى أي لغة ممكنا بسبب وجود مترجمين من كل البلاد تقريبا، وحتى من تلك التي تتحدث بلغات قد تكون مجهولة لدينا، وقد درسوا العربية وأصبح بإمكانهم نقل ادبنا إلى تلك اللغة، وأيضا وجود دور نشر تهتم بنشره، وهناك عامل كبير أيضا، ساهم في تلك الالتفاتة الكبيرة، وهو أن ثمة أعمال عربية حصلت بعد ترجمتها على جوائز في الغرب، في بلاد مثل فرنسا وبريطانيا، وأشار ذلك بقوة إلى متانة الأدب العربي، وتحضرني روايات مثل القندس لمحمد حسن علوان، وحرمة لعلي المقري، ومؤخرا مسيح دارفور لبركة ساكن وحدائق الرئيس لمحسن الرملي، وقبلها كان القاص العراقي حسن بلاسم قد حصل على جائزة رفيعة في بريطانيا. المهم أن ادبنا بعد ترجمته لم يبق خاملا وبعيدا عن الأعين بالرغم من أن أعمالا من تلك المترجمة، لم تنجح، في كل اللغات، وهذا شيء طبيعي أن تكون الأعمال ناجحة في لغة ما وغير ناجحة في لغة أخرى، وقد لا تنجح في اللغات الكبيرة مثل الإنكليزية والفرنسية والألمانية وتنجح في لغات أصغر كالتشيكية والبولندية، وهكذا. وأعرف عملا كان ناجحا بالعربية، وترجم للغات عدة في زمن قياسي ويشتكي مؤلفه بأن لا أحد انتبه إليه في الغرب ولم يشر إليه أحد أو تكتب عن مقالة واحدة، على عكس عمل لكاتب آخر، لم يكن متداولا بشدة في لغته الأم، وتم تداوله بالفرنسية والإنجليزية بطريقة أذهلت مؤلفه، وكنت قرأت لائحة للكتب التي ترجمت للغة البولندية من الأدب العربي، وكانت قليلة جدا حتى ثلاثة أعوام مضت ولا تضم إلا كتبا لمؤلفين كبار مثل نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم والطيب صالح، لكنها اتسعت كثيرا، ودخل فيها حتى كتاب من جيل الشباب. وذكر الناقد الذي رصد تلك الكتب، أن الترجمة إلى لغته الآن مفتوحة، وستدخل كتب كثيرة عبرها.
أريد أن أنوه إلى جهود مترجمين كبار، أو مستشرقين كما يسموا وهؤلاء لم ينته دورهم بترجمة بعض الكتب الى لغاتهم، وإنما تحولوا إلى دعاة للأدب العربي، ومنوهين به في كل محفل دولي، وبعضهم نظم بجهوده الخاصة، مؤتمرات للترجمة استضاف فيها كتابا عربا ليتحدثوا عن تجاربهم، ومنهم الأمريكي وليام هتشنز الذي يتابع الأدب العربي ويسعى لنشره منذ أكثر من أربعين عاما، والبلجيكي إكزافيه لوفان، أحد القديرين والمهمين في الترجمة للفرنسية، وكثيرين غيرهما، قد لا أكون ملما بجهودهم كاملة، وبالطبع توجد مجلة بانيبال وعلى رأسها مارجيت أوبانك وصموئيل شمعون وعدد من المهتمين، والمترجمين، من الشباب، وهؤلاء بذلوا جهودا كبيرة في تقديم الأدب العربي للغرب، بعمل ملفات عن كل البلدان العربية، شملت نتاجا لمؤلفيها المهمين، ودراسات عن أعمال بعضهم، وأيضا فيها أبواب تجلب احتكاكا مباشرا للكاتب العربي بالجمهور الغربي، حين يروي الكاتب كيف أصبح كاتبا. وحقيقة كنت آمل أن تدرس مسألة الجهود التي بذلت منذ عرف الغرب بداية الطريق لترجمة الأدب العربي، ويدعى كل من ساهم في ذلك إلى ملتقيات الترجمة التي تتم في البلاد العربية، وقد يكون الأمر صعبا وغير عملي لكن لا بد من تقدير للجهود.
بالنسبة للجهود الفردية التي نجدها تبذل من قبل مؤلفين معينين لترجمة أعمالهم للغات أخرى، أو من قبل مترجمين أعجبتهم نصوصا لكتاب عرب وترجموها، فتلك أيضا لا ضير منها، إنها تصب في التعرف إلى الآخر عبر نص أدبي، ودائما ما أقول بأن النص الأدبي أقرب إلى كيان المتلقي من النشرات الرسمية والسياحية، حين يتعلق الأمر بالتعرف إلى بلد ما، النص الأدبي فيه غنى كبير، وفيه سياحة فذة في المجتمع والمدن وشوارعها وملامح ناسها وهو ما لا تقدر على رصده النشرات والملصقات التي تنتقي جماليات معينة، وتجعلها واجهة بينما الأديب لا ينتقي شيئا، هو يكتب كل شيء، يكتب الجمال والقبح والعادة الحسنة والعادة السيئة، وبالتالي فإن كتابه، هو مرجع الآخر الذي يود التعرف ببلاد ما.
وبالنسبة للشروط المطلوب توفرها في العمل الأدبي من أجل أن ينجح خارجا، فلا توجد شروط معينة إطلاقا، وكنت قبلا أتحدث عن مواضيع معينة تهم الغرب، خاصة إن كانت مواضيع انتقادية لبلاد العرب، والآن أرى أعمالا لا تحمل أي هم تنجح خارجا، وحتى داخليا، وهناك اعمال غربية أيضا بلا هم، وتنجح أكثر من تلك التي حملت همها. وروايات مثل ثلاثية ملنيوم للكاتب السويدي استيج لارسون،، نجحت كثيرا ولم تكن ذات أهمية خاصة، هي تناقش حيوات لشخوص معينين فيها انحراف واستقامة، لكن هناك ما هو مثقل بالهموم ولم يكتسب أي شهرة، وعندي نماذج كثيرة من أعمال عربية وغربية، ربما أتحدث عنها في وقت لاحق وهذه أراها جديرة بأن يتخاطفها القراء من شدة جمالها وارتباطها بحياة الناس، لكن ذلك لم يحدث. وفي هذا السياق توجد روايات لكتاب كبار وشباب على حد سواء.
في الآخر، كنا نتحدث في ما مضى عن أفضلية أن يظل الكاتب العربي، عربيا فقط، ولا يسعى ليترجم لآخرين، هو لم يكتب لهم أصلا. أنا كنت أقول ذلك، وكثيرون غيري قالوا ذلك، وجاء زمان أصبح الناس منتهكين بشدة بعواء التكنولوجيا، وصراخها في آذانهم وتقريبها للبعيد بحيث يصبح كأنه في الشارغ المقابل أو في الغرفة المجاورة، وهنا كان لا بد أن تتغير النظرة، ويسعى الكاتب المحلي ليصبح غير ذلك، ولا أقول عالميا لأن العالمية ليست ترجمة فقط وإنما ترجمة، ومحاضرات ومشاركات في المنتديات خارجا، ونجاح النصوص التي تترجم.

___
*القدس العربي

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *