خطواتٌ فوقَ جسدِ الصّحراءِ /(مسرحةُ الْقصيدةِ الْعربيّة)

خاص- ثقافات

*وهيب نديم وهبة

القسم الثالث من المطولة – خطوات “رحلةٌ نبويّةٌ منَ الجاهليّةِ حتّى حجّةِ الوداعِ”

قمرٌ
يدخُلُ وهَجَ النّارِ ليلًا
يسْتلُّ منْ قُدرَةِ السّماءِ جبروتَ الْإنسانِ / ويكسِرُ حاجزًا ما بينَ الْبحرِ وبينَ الْبحرِ../ ويرفَعُ مرافئَ ويُغلِقُ خلجانا / يجمعُ فوقَ جسدِ الصّحراءِ / بَحْريْنِ معًا / وتُولَدُ مدينةٌ منَ اللّؤلؤِ

قمرٌ
فوقَ الْبحرينِ.. كَانَ دَليلي..
وطرفةُ بنُ الْعبدِ أمامي / يرفعُ فلسفةَ الدّنيا منْ أدنى الشّوقِ / المْفْضُوحِ إلى الْقمّةِ إلى الْحكمةِ.
يركضُ الزّمانُ وأنتَ تركضُ على جمرٍ منْ لهيبٍ / منفيًّا داخلَ المْكانِ وخارجَ المْكانِ / حتّى بلغْتَ أطرافَ “جزيرةِ الْعربِ” /  تجْرَحُكَ الصّحراءُ وأنتَ جارحُ الْكفِّ واللّسانِ / وصلْتَ في تِجوالِكَ بلاطَ الْحيرةِ / تقرّبْتَ منْ موتِكَ كثيرًا / ما سكتَ اللّسانُ عنِ الْهجاءِ / وتموتُ وأنتَ تهزُّ غصنَ الشّمسِ..

لسْتَ وَحْدَكَ.. كَمْ مشرّدٍ..
هنا هائمٍ في هذا الزّمانِ
هلْ يَرجِعُ التّاريخُ حَفْنةً منْ ترابٍ في يدي..
وَيَسكُنُ الْأهلُ ذاتَ الترّابِ؟

قمرٌ
فوقَ الْبحرين.. يُغازلُ غزالةً..
ركضَتْ منْ صحراءِ الْعشقِ إلى الْعرشِ / تاجًا أعادَهُ الْبحرُ مرصَّعًا باللّؤلؤِ / كنْتُ مذهولًا روعةً وسحرًا / وحدَهُ اللهُ يفصلُ../ بينَ الْبحرِ وبحرِ السّماءِ فوقَ الْبحرينِ..

جئْتَ مُتوَّجًا منَ الْغيبِ
بِرَمْلِ الْبحرِ ورملِ الصّحراءِ نبوءةً
والْقمرُ الطّفلُ يَحْبُو يَخطو يمدُّ يدَهُ فوقَ كَتِفي / ويَدنو معي فوقَ بلدٍ أوْ مدينةٍ / وينْحَني حينَ أسكُبُ فرَحي في حضنِ عاشقةٍ /  نامَتْ في قصرٍ منحوتٍ في الصّخرِ /
ويركضُ بفَرَحِ الْغيبِ الْآتي ويخْتفِي / حينَ يسقُطُ منَ السّحابِ ماءٌ يلعبُ على أرجوحَةِ الْخيالِ / يَجْمعُ ماءَ الصّحراءِ في “عيونِ الْعاشقاتِ”

جئْتَ مُتوّجًا منَ الْغيبِ
منفيًا خارجَ الْوقتِ وخارجًا داخلَ الزّمانِ

أُعلِنَ أنَّ الْأرضَ.. لا تستقرُّ في مكانٍ / وأنَّ بابَكَ مغلقٌ.. وطريقَكَ إلى السّماءِ / عاصفةٌ تجرفُ بحرًا..
ما أغربَ الْبحرَ في مرآةِ الْإعصارِ / يتدحرجُ مثلَ الرّيحِ / ويصعدُ في قَبْضَةِ الْفضاءِ / ويسقطُ كأنَّ الْأرضَ تُغيِّرُ جلدَها / ويحدُثُ الزّلزالُ / ها هوَ انفجارُ  “سدِّ مأرِبَ” / يُعلنُ أنّ الْأرضَ واحدةٌ / وأنَّ النّبوءةَ توقيتٌ لزمنٍ آتٍ..

وحدَهُ المْاءُ يُسمِّي الْأشياءَ بأسمائِها
يخلطُ الرّملَ بالْأسماءِ
بالْعُرْفِ بالْعرقِ بالْجذرِ بالانتماءِ / المْاءُ يجمَعُ بينَ الْأيمانِ وبينَ الْكُفرِ / وبينَ الْعربِ الْبائدةِ والْعربِ الْباقيةِ / الْعربِ الْعاربةِ والمْستعربةِ.

قمرٌ
يسقُطُ منْ يدِ الْبحرينِ إلى “الرّبع الْخالي”
تحتَ بصري..
تحتَ بصري تسيرُ “الْيمامةُ” / هيَ الْيمامةُ لا أهذِي / حينَ أمدُّ يدي أبْعدَ منّي تسقطُ في كفّي.. ويسقُطُ رملُ الْخليجِ عنْ جسدي

تحتَ بصَري تسيرُ الْيمامةُ / وتستَوطِنُ برجَ الْحمامِ / تخلعُ قميصَ نومِها وتفرشُ ريشَها / وتنامُ بسلامٍ..

ترتدي “الدّهناءُ”
ثوبَها الْفضفاضَ الطّويلَ وعَصبةَ الْجبينِ / وتنزِلُ في أبهى زينتِها إلى أسواقِ التّجّارِ / تَشترى لبدرِ الْبدورِ عباءَةَ الْعرسِ /  وسيفَ عنترةَ /  وميدانَ فرحٍ وخيولًا منْ نجدٍ ترْقُصُ /  وطبولًا ومزاميرَ
وتَرجعُ إلى قصرِ السّلطانِ / تنتظِرُ قمرَ الزّمانِ أنْ يطلعَ في ليلِ الْغربةِ
وأنا في الرّبعِ الْخالي مكاني.

قمرٌ
فوقَ ربوعِ الرّبع الْخالي
فوقَ الْبراري والْقفارِ
لا يُشبِهُ شكلَ الْأرضِ في التّشبّهِ

قطعةٌ منْ نارٍ سَقَطَتْ ذاتَ زمنٍ مِنْ آلهةِ الشّمسِ.. / جَعَلَتِ الْأخضرَ جسدًا مقتولًا / والْمكانُ.. أمسى رمادًا / نقشَتْ بلغةٍ حمراءَ لونَ الرِّمالِ..

لا يسهرُ في ليلِ الرّبعِ الْخالي / إلا مَنْ هَجرَ في موسمِ المْطرِ إلى خصْبِ المْكانِ /
* أرضٌ لا يمْلكُها أحدٌ في الْجزيرةِ الْعربيّةِ.

أُسْنِدُ رأسي على فراغِ الْفضاءِ..
أعرفُ أسماءَ الرّملِ والْحَصى وأصدافَ الْبحرِ
والْكهفَ ومغارةَ الْجنِّ / وتأبّطَ شرًّا “والْغولَ” / أعرفُ أنَّ إقدَامَك فوقَ الْأرضِ هباءٌ /
وما ملكَتْ يداكَ / وأنَّ كلَّ الْأرضِ وما عليها هيَ الرّبعُ الْخالي..
وأنا وسيّدُ المْكانِ في نفسِ المْكانِ / مكاني / أخاطبُ خمسةً منْ ملائكةِ الرّحمةِ / وسبعةً منْ ملوكِ الْجانِ.. / تيجانٌ تسقطُ، أعمدةٌ تَصعَدُ، أصواتٌ تَنزِلُ / تجلسُ كمثلِ المْلوكِ فوقَ مقاعدِ الرّياحِ

صوتي فوّهةُ بركانٍ يجرَحُ يُخْرِجُ صيحاتِي..
وتركُضُ أمامي أوجاعي وعذاباتُ الرّحيلِ

يأخذُ الرّبعُ الْخالي منْ صلصالِ الطّينِ / طينةً أخرى يتشكّلُ منْها جسدي.. / الْجنُّ الْأوّلُ: ينحتُ صنمًا منْ حجرٍ يعبدُ / اللّاتِ أوِ العزّى أوْ مناةَ / الْجنُّ الثّالثُ  والرّابعُ يناجيانِ جنيّةً على عتبةِ بابِ معبدٍ / تعرّتْ كمثلِ السّيفِ على الرّقبةِ / وحارسانِ أمامَ الْبابِ / كجسدِ الصّحراءِ قامةً
والْجنُّ السّادسُ والسّابعُ
الْأوّلُ: يُشعلُ نارًا
والثّاني: يسرقُ النّارَ ويُبعثرُ الدّخانَ في أرجاءِ المْكانِ
والمْلائكةُ على أجمَلِ غصنِ بانٍ / تهمِسُ للْهوى.. للْهدى / نبيٌّ سيأتي افرشُوا الصّحراءَ بالْوردِ / بالمْسكِ والزّعفرانِ / وتطيرُ المْلائكةُ الْخمسةُ بينَ اللّغةِ والمْعنى / تحطُّ على سُعفِ النّخيلِ..
تشدو ..
لهذا النّغمِ ترانيمُ صدى موسيقى السّماءِ
شئٌ يأتي في فَرَحٍ
يعزِفُ على وترِ الرّيحِ / صحراءُ

يسيرُ الرّبعُ الْخالي على إيقاعِ خطواتي
يقودُني يأخذُني منْ ذراعي ويَعْلو / يَعلو في الْفضاءِ / يَسْبحُ بينَ الْبصرِ والْبصيرةِ / منْ شواطئِ المْحيط الْأطلسيِّ إلى تُخومِ الصّينِ..

أتشبّهُ بما يُشبِهُني منْ جنانِ دنانِ النّفسِ
أتشبّهُ بماءٍ يَمزِجُ روحي / ويشكّلُ تكويني وتكوينَ المْكانِ /
منْ سقراطَ  بالْينابيعِ / من أر سطو بالمْنطقِ والْحكمةِ..

يجلسُ أفلاطونُ بقميصِهِ الْجسمانيِّ / فوقَ عرشِ “الْجمهوريّةِ”  يُهندِسُ الْكونَ / يفتحُ أزرارَ قميصِ الْأرضِ / يتأمّلُ ما صنَعَتْ يداهُ / تدفّقتِ الْينابيعُ حضارةً / ونطقَتْ بالْحكمةِ حتّى جفافِ الْواحاتِ
صحراءُ..

صحراءُ..
وسيّدُ الزّمانِ على كرسيِّ الْعرْشِ / يعرفُ أسرارَ جوهرةِ الذّاتِ النّفسِ

* حضارةٌ ساميّةٌ ازدهرَتْ على ضفافِ الرّافدينِ وفي وادي النّيلِ..
وعلى شواطئِ الْبحرِ المتوسّطِ الشّرقيّةِ

لوِ اجتمعَتْ كلُّ عناصرِ الْكيمياءِ /  في تركيبةِ الزّئبقِ والمْاءِ / لتولّدّت لغةٌ واحدةٌ رَفَعَتِ الدّنيا منَ الْحضيضِ إلى الْقمّةِ.
وغربَ “صنعاءَ” /  جبلٌ يعلنُ حضورَ النّبيِّ شعيبٍ إلى مدينَ

الْآنَ أمزجُ بينَ طباعِ الْخيرِ وفعلِ الشّرِّ
بينَ نوايا ربيعٍ يأتي / وجفافٍ يَغمُرُ نصفَ كوكبِ الْأرضِ..

يمزجُ ما بينَ الْأرضِ الْعتبةِ إلى السّماءِ / وما بينَ الْأرضِ الْحكمةِ / قناديلَ كلامٍ في زمنِ النّبوءاتِ..

تعلو في الْفضاءِ خطَواتي /  وسيّدُ المْكانِ أمامي / أصعَدُ قليلًا — أوْ  كثيرًا /  كيْ تراني فوقَ مدينَ / حاملًا الْعمودَ الْفقريَّ للْجسدِ الْأرضِ / تلكَ صَحْرائي.. تلكَ صَحْرائي..

* وسلسلةٌ منْ جبالٍ امتدّتْ تحتَ قدميَّ محاذيةً
للسّاحلِ تسيرُ إلى الْغربِ في شرايينِ الصّحراءِ
_________
*شاعر فلسطيني

شاهد أيضاً

طه درويش: أَتكونُ الكِتابَة فِردَوْسَاً مِنَ الأَوْهامْ؟!

(ثقافات) طه درويش: أَتكونُ الكِتابَة فِردَوْسَاً مِنَ الأَوْهامْ؟! إلى يحيى القيسي لَمْ نَلْتَقِ في “لندن”.. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *