رحيل مبكر لعبدالقادر عبداللي أهم مترجمي الأدب التركي

*ممدوح فرّاج النّابي

عرفتُ الأدب التركي، قبل أن أذهب إلى تركيا في رحلة عمل، عبر وسيطيْن، الأول هو المترجم السُّوري الأصل عبدالقادر عبداللي المولود في مدينة إدلب عام 1957، الذي رحل عنا، والثاني هو محمد درويش، وهو أيضا سوري الأصل، لكن كان ثمة فارقٌ بين الاثنيْن لم أعرفه إلا بعدما عِشتُ في تركيا وعرفتُ خصوصية الثقافة التركية خاصة ثقافة جنوب شرق تركيا.

هذا ما كان واضحًا في ترجمات عبدالقادر عبداللي، الذي كان يترجم مباشرة عن التركية، بحكم إقامته ودراسته في تركيا في جامعة معمار سنان بإسطنبول، وتخرّجه في كلية الفنون الجميلة، قسم فنون المسرح والمشهد، ثمّ استكمل دراسته العليا في الرسوم المتحركة.

باللغة الأم

من يقرأ للمترجمين القادرين يُدرك الفارق بين ترجمات عزيز نيسين وباموق التي كانت تصدرها دار “المدى” بتوقيع عبدالقادر عبداللي وترجمات إليف شافاق التي كانت تصدرها دار “الآداب” بتوقيع محمد درويش، الذي كان يترجم عن الإنكليزية بحكم كتابة شافاق باللغة الإنكليزية في السنوات الأخيرة.

علاقة عبدالقادر عبداللي مع الأدب التركي والترجمات تعود كما يقول في آخر حوار له “لإقامته في تركيا واطّلاعه على التاريخ العثماني والأدب والفن التركي”، ومن ثم على حد قوله “شعرت بضرورة نقل أدب هذا الجار، الذي ظلمته السياسة كما ظلمتنا. أردت التفريق بين الإمبراطورية العثمانية والدولة التركية، بقصد تعريف القارئ العربي على واقع تركيا الاقتصادي والسياسي والأهم الإبداعي، فبدأت بالكاتب الساخر عزيز نيسين، وقد جاءت بدايات النشر مع صدور جريدة “إدلب الخضراء” عام 1985، وهو ما تبعها النشر في العديد من الصحف السورية الرسمية.

لا تفصح ترجمات عبدالقادر عبداللي عن وعي بالطبيعة التركية فقط، بل هي تكشف عن مترجم حصيف مدرك للتطورات السياسية والاجتماعية التي كان أثرهما ظاهرًا للعيان في التركيبة السكانية وعلى الأخص الهوية التركية المعقدة بعض الشيء، وهي الواضحة للعيان في كتابات أورهان باموق، وهو الأمر الذي جعل من ترجماته أقرب إلى الكتابة باللغة الأم عن الترجمة، كما أن اختياراته للأعمال التي ترجمها بدءًا بعزيز نيسين وانتهاء بباموق، تبرز أيديولوجيته المنحازة دوما للعدالة والحق، وهو ما كشفه موقفه من تأييد الثورة السورية عندما اندلعت.

روافد الترجمة

قدّم عبدالقادر عبداللي ترجمات عديدة لأدباء تركيا، حتى وصلت ترجماته عن التركية إلى 80 كتابا من التركية إلى العربية والعكس بالعكس، فكانت البدايات مع الكاتب الساخر عزيز نيسين، فترجم له قصصًا قصيرة ثم رواية “زوبك: الكلب الملتجي في ظل العربة”، وهي أوّل رواية مترجمة عام 1989 عن دار “الأهالي”، وتبعها بروايات: “الطريق الوحيد” و”ترلي لي لم” و”سرنامة وقائع احتفال رسمي” و”في إحدى الدول”.

بالمثل ترجم عبداللي للكاتب ياشار كمال رواياته “صفيحة” و”الفتوة التشغرجوي” ولإسكندر بالا ترجم “الزنبقة البنفسجية”، وكذلك لأحمد حمدي طانبنار أحد رواد كتابات ما بعد الجمهورية فترجم له: “طمأنينة، ومؤسسة ضبط الساعة” ولرائد الأدب التركي أورهان كمال روايته “جميلة”، ومن الأديبات ترجم لأجه تمل قوران روايتها “أصوات الموز”، ولإليف شافاق رواية وحيدة هي “قصر القمل” كما ترجم رواية “لا موت في الغابة” للطيفة تكين، وهي نموذج من روايات مرحلة ما بعد الحداثة في تركيا.

وبالمثل ترجم أول رواية ممثلة لتيار أدب الريف في تركيا التي ظهرت في أواسط الخميسنات من القرن الماضي بعنوان “ثأر الأفاعي” لفقير بايقورت و”السلطان الفاتح: فتح القسطنطنية” لأوقاي ترياقي أوغلو، ولسرقان أوزبورون ترجم روايته “إسطنبول بيت الخيال”.

علاوة على ترجماته الأعمال الكاملة لأورهان باموق من “جودت بيك وأبناؤه” وصولاً إلى “غرابة في عقلي” التي صدرت مطلع العام الماضي. ومن الترجمات التاريخية ترجمته لكتاب المؤرخ التركي الشهير ايلبر أوطايلي “نحن وتاريخنا”.

لم يقتصر اهتمام عبدالقادر عبداللي بترجمة الأدب التركي فقط، بل كان ثمة اهتمامات أخرى استطاع من خلالها نقل الواقع السياسي والاجتماعي التركي، الرافد الأوّل تمثل في اهتماماته الصحفية حيث المتابعات وكتابات المقالات المتعددة التي كان ينشرها في كثير من الصحف والمواقع، حيث كانت ثمة اهتمامات بمجريات الأحداث في تركيا سواء أجواء الانتخابات، أو الصراعات المعقدة بين الأحزاب السياسية، ثم دور تركيا في الأزمة السورية، وتحليلاته التي كانت بصيرة بخلفيات القرارات السياسية.

فكتب عن مؤتمر الأستانة ودور تركيا في إفشاله، وكان هذا آخر مقالة له ينشرها قبل أن تتدهور حالته الصحية. العجيب أن اهتماماته الصحفية طغت على جانب الفن لديه الذي كان بارعًا فيه وكتب فيه كتابًا عن الكاريكاتير الساخر. الرافد الثاني هو ترجماته للأعمال التلفزيونية والسينما، حيث ترجم أكثر من عشرين عملا دراميا، وكثيرا من الأفلام الوثائقية التي عرضتها بعض القنوات العربية.

آخر الأعمال التركية التي نقلها إلى العربية، رواية أورهان باموق “غرابة في عقلي” وصدرت عن دار “الشروق” المصرية في مطلع 2016، وإن كان أعادت دار الشروق مع مطلع هذا العام ترجماته لروايات “جودت بيك وأبناؤه” و”ثلج” و”متحف البراءة”.

في شهر فبراير من عام 2016 وقّع أورهان باموق روايته الجديدة “المرأة ذات الشعر الأصفر”، وكان عبدالقادر عبداللي حاضرا التوقيع حيث نقل صورة عن أجواء التوقيع، وهي صورة لها أكثر من مغزى حيث كان جمهور القراء يصطف في صف طويل في شارع الاستقلال الثقافي والسياحي وسط إسطنبول، وهو ما يعكس حالة الإقبال القرائية من الجمهور، والأهم هو نِسب توزيع باموق العالية جدا مقارنة بالكتاب العرب. أثرى المترجم القدير عبدالقادر عبداللي المكتبة العربية بالكثير من الروائع، لذا فرحيله سيخلف فجوة كبيرة في ترجمة الأعمال من التركية مباشرة.
___
*العرب

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *