مركز السديري ومجلة الجوبة

خاص- ثقافات

*الزبير مهداد

الوقف الإسلامي من أسمى الأنظمة الاقتصادية التي أسهمت في بناء المجتمعات الإسلامية على مر العصور، وأنشطته ذات أبعاد دينية واجتماعية واقتصادية وثقافية وإنسانية، شملت بنفعها سائر أوجه الحياة الاجتماعية وامتدت لتعم المساجد والمرافق التابعة لها، والمدارس ودور العلم والمكتبات، وكفالة الضعفاء والفقراء والمساكين والأرامل، والمؤسسات الصحية. فكان الوقف من أهم وسائل التقدم العلمي والفكري والثقافي للبلاد الإسلامية؛ حيث أسهم بقوة في بناء صروح العلم ونشرها عن طريق المساجد والكتاتيب والمدارس والمعاهد، وتخرج من هذه المؤسسات العلمية الموقوفة عدد من العلماء في شتى فروع المعرفة البشرية.

 وتحفل المملكة العربية السعودية بالمؤسسات الوقفية الخيرية العلمية والإحسانية الاجتماعية، فالوعي بقيمة الوقف العلمية والاقتصادية والاجتماعية، وبقيمة التكافل الاجتماعي، كان حافز لكثير من الأمراء والأعيان ورجال الأعمال المحسنين إلى إحداث مؤسسات وقف، أو دعم مؤسسات قائمة بتحبيس أملاكهم عليها.

  وتعد مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية إحدى المعالم الوقفية الهامة في السعودية، وقد انبثق عنها مركز عبدالرحمن السديري الثقافي وهو مؤسسة علمية هامة ووازنة، تشجع البحث العلمي وتدعم الإبداع وترعى الموهبة. ويحوز فضل تأسيسها للأمير عبدالرحمن بن أحمد السديري (أمير منطقة الجوف في الفترة من 1362-1410هـ) الذي أنشأ أول مكتبة عامة في الجوف عام 1383هـ، أطلق عليها اسم دار العلوم؛ وعيا منه بأهمية التعليم والمعرفة في تقدم المجتمعات. ويواصل المركز إلى اليوم أداء رسالته بتقديم البرامج الثقافية والمعرفية بالتفاعل والمشاركة مع المجتمع المحلي، وتفعيل دور مكتباته العامة وتطويرها من خلال أنظمة المعلومات وأوعيتها المختلفة.

يتوفر المركز على عدد من الوحدات، منها مكتباته العامة في الجوف والغاط، فمكتبة سكاكا العامة ضخمة تضم حوالي 200 ألف وعاء معلومات، ما بين كتاب ووثيقة ودورية وصحيفة وخريطة وتسجيل صوتي وبصري وغيرها، أما فعالياته فتشمل المناشط المنبرية التي يقيمها، وبرنامج النشر ودعم الأبحاث والدراسات التي يرعاها، إلى جانب إصدار مجلتي (الجوبة) و(أدوماتو) الأولى أدبية جامعة، والثانية المتخصصة بآثار الوطن العربي.

مجلة الجوبة: سفيرة ومدرسة

مجلة الجوبة سعودية تنفتح على الأدباء من كافة البلاد العربية، فهي مدرسة أدبية، تسهم بشكل فعال في إبراز الأسماء الأدبية الجديدة الشابة في مجالات الإبداع الشعري والقصصي والنقد الأدبي والمقالة الفكرية.

  ومسيرة مجلة الجوبة حافلة بالأعداد الخاصة الثمينة التي أضحت أعدادا تذكارية، لما تضمنته من محاور موضوعاتية هامة جدا. وأكثر ما يميزها أنها تطرح ملفات ذات ارتباط وثيق ومباشر بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، التي من النادر جدا أن تطرحها المجلات الثقافية السعودية، كملف العدد 19 المخصص لإنتاج الزيتون في السعودية، في منطقة الجوف، حيث تعرفنا ذلك لأول مرة وانبهرنا بما تضمنته مقالات الملف من معلومات؛ ملف حول الإسكان، الواقع والآفاق، العدد 50؛ في حين تضمن العدد الأخير رقم 54 محورا موسعا حول مادة هامة وثمينة جدا وهي قضية المياه في المملكة العربية السعودية، وملفات أدبية أخرى، كأدب الأطفال في العدد 32 والقصة القصيرة في السعودية في العدد 36؛ وشهادات شعرية في العدد 40؛ ملف المجلات الثقافية في العدد 28؛ وملفات عن الأدباء السعوديين عبدالرحمن الدرعان، غرم الله الصقاعي، القصيبي، ملفات عديدة متنوعة يضيق المجال بذكرها وإحصائها.

تتنوع محاور كل عدد، فتضم المقالات، والإبداع القصصي والشعري، والمواجهات الثقافية، والنقد، والدراسات، والنوافذ، إلى جانب الافتتاحية الهامة والنشاطات الثقافية للمؤسسة وتعريفا بالإصدارات الثقافية السعودية، تعالج ذلك بمقاربة حداثية، مع التمسك بالأصالة التي تميز الهوية الثقافية السعودية.

  والفضل في ذلك يحوزه الأستاذ الأديب إبراهيم الحميد، الذي يقود فريق تحرير ماهر: محمود الرمحي، محمد صوانة وعماد المغربي. لا يبخل بجهوده في سبيل الارتقاء بالمجلة، وقد أفلح بحنكته وحسن تدبيره في أن يكسب ثقة وتعاون الكتاب العرب نساء ورجالا، من مشرق البلاد العربية ومغربها، يثرون إصدارات المجلة والمركز بمقالاتهم ودراساتهم ونصوصهم الإبداعية.

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *