فوكو: كتبي هي أنواع من المفرقعات الصغيرة

خاص-ثقافات

ترجمة: عبد الرحيم نور الدين

خلال شهر يونيو 1975 ، كان روجي-بول دروا  Roger-Pol Droit يسجل محادثات مطولة مع ميشيل فوكو، بغرض تأليف كتاب تم التخلي عنه في ما بعد. في هذا المقتطف غير المسبوق، يتحدث فوكو عن اقتناعه وقتها بأنه لن يكون ضمن الكتاب الذين ستنشر “لابلياد” la Pléiade مؤلفاتهم الكاملة.

——————–

“لن تنشر كتبي في “لابلياد”

“أعي تماما أنني لا أُكون مُنجزا، ولن تنشر أعمالي الكاملة، لن يرد اسمي في لائحة منشورات “لابلياد”، الخ. أقول هذا وأنا أمرح، ومن دون أي شعور بالمرارة، ولا أي شعور بالحزن، ولا أي شيء آخر، لكن بالنسبة لي ليست الكتابة شيئا أحبه، أنا لا أحب الكتابة. أن يكون المرء كاتبا، يبدو لي في الحقيقة أمرا تافها…”

“إذا كان يجب أن أُعرف بذاتي، تعريفا دعيا في آخر الأمر، ذلك النوع من صورة الذات التي نحتفظ بها  بالقرب منا، التي تقهقه ثم تقودك رغم كل شيء…أنا صانع تقليدي، أنا من صنف صناع المفرقعات. أنظر إلى كتبي كأنواع من المفرقعات الصغيرة، كعلب سوداء، كقنابل، كحزم متفجرات…- آمل أن تكون كذلك على كل حال- و التي يتوجب أن تنتج مفعولا معينا.

ثم، هنا، لكي يتحقق المفعول، ينبغي تجنيد كل شيء، إذا ما استعملت ألفاظ الشارع، لكن يجب على الكتاب بطبيعة الحال، أن يختفي بمفعوله ذاته و في مفعوله ذاته. بشكل تكون معه إعادة تعديل الكتاب لدمجه في وحدة منجز، لكي يشبهني أو لكي يشبه الكتب المقبلة، فليس لهذا بالنسبة إلي أي معنى يذكر).

…لكني ( أُحِب الأسلوب الجميل)

لحظات بعد ذلك، أكد فوكو مع ذلك على متعة الكتابة وعلى الدور الذي يلعبه عمل الكتابة بالنسبة إلى الكاتب وإلى القراء على حد سواء. ( في اعتقادي ينبغي الوعي الحرفي بهذه الحزمة من الجمل المطبوعة والمقدمة للجمهور، على كل حال أنا أحاول أن أُكَون عنها وعيا حِرفيا. فكما ينبغي صنع قبقاب بشكل جيد، ينبغي أبضا صنع كتاب بشكل جيد. وما الكتابة بالنسبة إلي سوى هذا. ستقولون لي إنني غالبا ما أوظف عددا من الإلتواءات الأسلوبية التي تبدو كأنها دليل على حبي للأسلوب الجميل، سأقول فليكن: أجل، ثمة دوما نوعا من المتعة، متعة شبقية خسيسة شيئا ما، ربما، في العثور على جملة جميلة عندما نشعر بالملل في صبيحة ما، ونحن نكتب أشياء غير شيقة، ننفعل قليلا، من دون سبب، ونحن نستغرق في أحلام اليقظة، وبعد ذلك، فجأة، نعثر على الجملة الجميلة، الأمر ممتع، ثم نجد الحركة لنذهب بعيدا جدا. )

لكن إذا أردنا لكتاب، رغم كل شيء، أن يكون المفرقعة أو على الأقل الأداة التي قد يستعملها آخرون لصنع شيء ما،  فمن الضروري أن يكون ممتعا بالنسبة إلى من سيقرؤونه. يبدو لي أن هذا هو الواجب الأول لمن يقدم هذه البضاعة أو هذا الشيء المصنوع الذي هو الكتاب؛ واجبه أن يجلب المتعة للناس.

وإذن، إذا ما أمتعت اكتشافات ما أو حيل أسلوب،  من كتبها و من قرأها، فإني اعتبر ذلك جيدا جدا، وبمعنى ما، أريد التفوه بلا مراعاة، أنني احرص على ألا تضيع مني ولا واحدة منها، مثلما أنه لا يوجد سبب يجعلني افرض على الناس الذين أتمنى أن يقرؤوا الكتاب، أن يملوا وألا تتوفر لهم هذه الصنوف من سهول  القراءة. إذا… فبلوغ أمر شفاف تماما في مستوى ما قيل، وأن يتمتع مع ذلك بنوع من السطح الإلتماعي الذي يجعل المرء يشعر بلذة ملامسة النص واستعماله وإعادة التفكير فيه وإعادة قراءته، فليكن، هذه هي أخلاق الكِتَاب في نظري.

—————

مجلة لوبوان Le Point الفرنسية عدد 2256 . 3 دجنبر 2015

 

شاهد أيضاً

يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت

(ثقافات) يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت حسن حصاري منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *