نيللي هاربر.. رواية واحدة تصنع مجداً

*نصر عبد الرحمن

نشرت الروائية الأمريكية نيللي هاربر لي روايتها الوحيدة «لا تقتل عصفوراً ساخراً» عام 1960، ونالت عنها جائزة بولتزر الأمريكية المرموقة في العام التالي، كما أصبحت الرواية إحدى كلاسيكيات الأدب الأمريكي المُعاصر. تصدرت نيللي المشهد الإبداعي الأمريكي لسنوات، ونالت عدداً من درجات الدكتوراه الفخرية من عدة جامعات كبيرة، كما حصلت على ميدالية الحرية من الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش عام 2007 لإسهامها في إثراء الأدب الأمريكي، ومنحها الرئيس الأمريكي باراك أوباما ميدالية الآداب القومية عام 2010.

ولدت نيللي عام 1926 في ولاية ألاباما لأب يعمل مُحامياً ومُحرراً صحفياً.

التحقت بالجامعة عام 1944 لدراسة الحقوق لكنها لم تكمل دراستها وانشغلت بالكتابة للصحف. التحقت بجامعة أكسفورد في بريطانيا عام 1948 لدراسة القانون في محاولة منها لإرضاء والدها، لكنها لم تكمل الدراسة كذلك، وعادت إلى نيويورك لتعمل موظفة حجز في شركة طيران. بدأت كتابة القصة القصيرة في أوقات فراغها، وفي نهاية عام 1956، منحها عدد من الأصدقاء هدية الكريسماس؛ أجر عام كامل لكي تتوقف عن العمل وتتفرغ للكتابة.
أنجزت نيللي مسودة الرواية وكان عنوانها «اذهب واستأجر حارساً»، وقدمتها إلى وكيل أعمالها، الذي شرع في البحث عن ناشر. رفض الناشر تاي هوهوف نشر الرواية رغم أنه اعتبرها دليلاً على موهبة روائية حقيقية، وطلب من نيللي إجراء بعض التعديلات. كان عليها أن تلتزم بنصائح وكيل أعمالها وتوجيهات ناشرها، وظلت تعمل على تعديل الرواية عدة مرات، وأصابها اليأس أكثر من مرة لدرجة أنها ألقت بمسودة الرواية من النافذة ذات ليلة. وبعد ثلاث سنوات من التعديلات، نشرت الرواية بعنوانها الجديد «لا تقتل عصفوراً ساخراً» ، ورفضت نيللي كتابة اسمها الأول على الرواية، لذلك أصبحت معروفة باسم هاربر لي.
تعالج الرواية قضية العنصرية في ولايات الجنوب الأمريكي، عن طريق سرد واقعة حقيقية عايشتها نيللي وهي في العاشرة من عمرها. تسرد الطفلة سكوت أحداث الرواية التي تدور في الثلاثينات، أثناء فترة الكساد العظيم في بلدة صغيرة. بطل الرواية هو أتيكس، والد سكوت الذي يعمل مُحامياً، ويقبل الدفاع عن رجل أسود البشرة بعد اتهامه باغتصاب سيدة بيضاء. يغضب جميع سكان البلدة من أتيكس، إلا أنه يرفض التراجع عن موقفه. يتمكن أتيكس من إثبات براءة موكله، لكن القضاة يصدرون حكمهم بإدانته، فتنهار منظومة العدالة أمام عيني الطفلة سكوت.

تصدرت الرواية، فور نشرها، قائمة الأعلى مبيعاً، وظلت في صدارة القائمة لسنوات طويلة وباعت أكثر من ثلاثين مليون نُسخة.
حصلت نيللي على جائزة بولتزر في العام التالي لإصدار الرواية، كما تحول بطلها؛ المحامي أتيكس، إلى رمز للصمود والتمسك بالمبادئ في الوعي الأمريكي. وأصدر الرئيس الأمريكي ليندون جونسون قراراً بتعيين نيللي عضواً في المجلس القومي للآداب عام 1966. وفي نفس العام، تحولت الرواية إلى فيلم سينمائي من بطولة النجم الشهير جريجوري بيك، الذي حصل على جائزة أوسكار عن دوره في الفيلم. توطدت أواصر الصداقة بينه وبين نيللي بعد ذلك واستمرت حتى وفاته.
يبدو أن نجاح الرواية إلى هذا الحد باغت نيللي وجعلها تشعر بالمسؤولية وتتردد طويلاً في كتابة رواية أخرى، وربما كانت المُعاناة التي مرت بها في كتابة الرواية سبباً في توقفها عن الكتابة. لكن روايتها الوحيدة صنعت لها مجداً لم يُحققه عشرات الكتاب الذين أصدروا مئات الروايات.
__________
*الخليج الثقافي

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *