هل نشر رسائل حب الذكور (حرام) ورسائل النساء حلال؟

*غادة السمان

أختتم اليوم وقفتي مع أدب الاعتراف ورسائل البوح بلقاء مع رسائل القراء حولها وبعضها على درجة كبيرة من الصحو الأدبي والعصري ويصح أن يتعلم منها بعض النقاد!
الإعلامي الكبير الذي يوقع باسم «سوري» يقول «أدب الرسائل ربما كان من أصدق أصناف الأدب».
رؤوف بدران يقول «لا تمزقي الرسائل ولا تجعلي من بوحها إثماً». أما أسامة كليّه فيقول: «رائع وممتع كلامك عن جدتنا ولادة بنت المستكفي» فجدته هربت مع حبيبها وتزوجا!
سبع رسائل من أنسي وصفتها كاتبة بأنها «عجاف» ونسيت أن قيمة الأدب ليست في العدد بل في الإبداع والعمق.

كمامة لقلب يخفق بالحب

نشري للرسائل لقي تأييداً من الذين تعبوا مثلي من مجتمعات تروج لارتداء الكمامات على خفقات القلوب. وهكذا فالرجل في نظرهم يعيبه الاعتراف بالحب لإمرأة بدلاً من الحاكم مثلاً..!!
نجم الدراجي يكتب «حينما يذكر مصطلح ادب المراسلات فإن رسائل غسان كنفاني تكون في الصدارة مضيفاً «ليس غريباً ان تصدر آراء مختلفة منخفضة الذوق… ويأتي ذلك انعكاساً للتراجع الفكري والادبي.
عمرو من سلطنة عمان ومن الراسخين في الذاكرة العربية، فهو يذكر أن 3 رسائل مني للشاعر ت.ص تم نشرها ولم يعترض احد.. متسائلاً: هل المشكلة في الحب ام النظرة الذكورية التي ترى كل تصرف يصدر من المرأة خطأ؟
وبالتالي أتساءل هل نشر رسائل الذكور الغرامية حرام ورسائل النساء حلال؟ أم أن نشر المرأة لرسائل حب وردتها يشبه التلويح بخرقة حمراء أمام قطيع من ثيران النقد؟؟ وهل نشر الذكور لرسائل حب وردتهم من نساء عادة مقبولة حتى ولو كانت المرأة كالخطيبة السابقة للشهيد ك.ن المتزوجة من آخر، والأم والتي أعلنت رفضها لأي نشر لها أو لرسائله عندها لأنها تريد ان تطوي صفحة الماضي ولم ينحز لها أحد كرأي آخر قبلاً، وتم نشر رسائلها إلى ك.ن. ولم تقم القيامة حول ذلك، بل لم يتنبه للأمر أحد.
ويذكّرنا ذلك أيضاً بنشر العديد من الكتّاب لرسائل جوابية وردتهم من كاتبة معروفة وذلك في إطار مذكراتهم (!) ولم يعترض أحد او يسألهم أحد: أين رسائلكم إليها؟ وحين ينشر الرجل رسائل حب وردته لا يعترض ناقد. وحين تنشر المرأة مثله (بشجاعة) رسائله لها تتم محاكمة النوايا وتهمة: هل هذه الرسائل هي كل ما وصلها وأين الدليل؟ ما من دليل على أنه لم يتم حذف بعض الرسائل ولكن ذلك ينطبق ايضاً على (الذكور) الذين ينشرون رسائل وردتهم من نساء. فهل يحق للرجال ما لا يحق للنساء ومن تجرؤ على كسر القاعدة تواجه بالهياج.

لماذا؟

ثمة حقيقة نعرفها جميعاً اعلنها عمرو بلا مواربة وهي: ان الهياج لا يتعالى إلا حين تنشر المرأة رسائل حب وردتها اما نشر (الذكور) لرسائلهن فلا يثير أي استنكار.. المرهفة الفلسطينية غادة الشاويش لا تشيطن الحب بل تقول: الحب شيء جميل موجود في وجداننا جميعاً مطره الكلمات الدافئة…
سلوى تقول عن نشري للرسائل: لولا جرأتها لضاعت علينا فرصة قراءة أجمل رسائل الحب في التاريخ الادبي العربي الحديث… ويكتب نجم الدراجي ان إصدارات كهذه في الغرب لم تطلق عليها عبارات كراهية وبغضاء.

القيمة الإبداعية لا الفضائحية

عبد العزيز عنانو من المغرب يقول: «عيب أن تكون ردود الفعل (على نشر الرسائل) تدور ليس حول القيمة الإبداعية لتلكم الرسائل، بل التهجم على شخصك»… رسالة د. أثير الشيخلي ـ العراق ـ جرعة مودة حين يقول «ما أشجعك يا سيدتي وما أقوى أعصابك»!

العنف الأبجدي والإرهاب النقدي

لم يسبق إلا نادراً أن استشهد ناقد عربي بما سبق وكتبتُه من زمان تدليلاً على أن سلوكي الحالي برفضي لتمزيق الرسائل هو الامتداد الطبيعي لموقفي الذي عبّرتُ عنه في كتابي الذي عادت إليه افانين كبة (التشكيلية العراقية) وهـــو (تســكع داخل جرح ـ 1988) وجاء فيه كـــــما ذكرت قـــولي: «العمل الفني المبدع يتضمن في داخله سطوة ذاتية وحينما أجد تلك اللمسة السحرية لا أملك إلا طاعتها ورعايتها وإيصالها إلى الجميع»… ما أندر النقاد العرب الذين يبذلون ذلك المجهود الجميل في سبر غور الكاتب قبل أن يقوموا بمهاجمته في ثرثرة مجانية!
منى ـ الجزائر ـ تتساءل: هل رسائل أنسي التي لم تطالعها تشبه رسائل كنفاني؟ لا يا عزيزتي.. فكل كاتب بصمة إصبع مختلفة… بولنوار قويدر الجزائر يقول: علينا ان نعترف: من لم يحب فعالجوه! مضيفاً كعادته: ولله في خلقه شؤون.
الكروي داوود اشتبك مع سلوى في حديثه عن أربع شقق مفروشة في قلبه! ونجحت في العودة إلى التفسير العلمي الذي يساوي بين قلوب البشر… الأخت نوارة ـ سوريا ـ تقول بصورة شاعرية: النقاد تقزموا وأصبحوا بقامة ضفدع ذي نقيق مزعج!!
غاندي حنا ناصر يكتب عن الرسائل الرائعة لكنفاني مؤيداً خطوتي… توفيق عبد الرحمن يكتب بصيغة شعرية مؤكداً: «ما أندر الناقد القادر على وضع رسائل الحب على محك النقد الموضوعي الصرف».
هجيرة سعيد تتمنى عليّ ان أتذكر بعض ما سبق وكتبتُه لغسان. يا عزيزتي نحن لا نستطيع السباحة في النهر ذاته مرتين. أعيدي الزمان إلى أيام غسان لأعد كتابة الرسائل!!
وأختتم بمحمود قائلاً: آه كم نحتاج لبعض من هذا العبير (رسائل الحب) فإننا اختنقنا في هذا الزمان البئيس.

___
*القدس العربي

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *