الإخبار في العصر الرقمي

خاص-ثقافات

*أجرى الحوار هوبير آرتيس/ ترجمة: عبدالرحيم نورالدين

تقديم:

طرح إريك فطورينو Eric Fottorino  في سوق الصحف، خلال شهر مارس 2014 ،  أسبوعية جديدة “أل 1 ” [  Le 1] شعارها:<< كل أسبوع سؤال أحداث جديد، عدة وجهات نظر >>، موضوع مفرد، ما دام الأمر يتعلق بورقة كبيرة مطوية، تعلن عن أرقام مبيعات مشرفة جدا: 30000 نسخة في المعدل، لهذه الصحيفة المكتوبة…من طرف كُتاب.

بهذا الشكل يحاول مدير لوموند السابق التوصل إلى سرد جديد للخبر. وهو طموح يتشبث به أيضا فردريك  مارتيل  Frédéric Martel ، رجل كتابة وراديو؛ صدر  له كتاب: “ذكي”Smart” يعتبره << لا –خيال مجسد>>: وهو بحث في 50 بلدا التقى خلاله برجال سياسة ( أنجيلا ميركل) وأرباب أعمال ومبدعين وأيضا مدونين وأصحاب مقاولات ومواطنين، للوقوف على كيفيات استعمال كل شبكات الإنترنيت. رجلان، طريقتان في النظر إلى كيفية الكتابة والنشر.

– إريك فطورينو ، صحافي، مراسل كبير ثم مدير لجريدة لوموند إلى حدود 2010 . روائي ومؤلف كتب. منحت له جائزة فرنسوا مورياك من طرف الأكاديمية الفرنسية سنة 2004 ، عن كتابه ” لمسة أحمر” ( نشر غاليمار). كما حظي كتابه “قبلات سينما” بجائزة فيمينا عام 2007 . من بين كتبه أيضا : ” مشاء فاس” و “أسئلة إلى أبي”.

– فردريك مارتيل، بعد  تقلبه في العديد من الوظائف المؤسساتية ( مستشار لميشيل روكار و لمارتين أوبري ؛ مكلف بمهمة وأيضا ملحق ثقافي لسفارة فرنسا في الولايات المتحدة الأمريكية ) ، أصبح باحثا وصحافيا في الراديو ، متخصص في التكنولوجيات الجديدة وفي الولايات المتحدة الأمريكية. منشط برنامج على راديو ” فرانس كولتور “. من كتبه ” الثقافة في أمريكا”(2005).

Éric_Fottorino_2011

Frédéric Martel

الحوار:

مجلة لير:

حدثنا عن رغبة الانطلاق التي كانت في أصل  جريدة ” أل1″؟

إريك فطورينو:

كانت معاينة أكثر منها رغبة: القول بعدم وجود أزمة صحافة مكتوبة بوصفها ذاك، بل هناك قبل كل شيء أزمة عرض، أزمة مضامين. وأنه ينبغي حتما إعادة اختراع الصحف، والتخلي عن الرغبة في جعل هذه الأخيرة مشابهة لموقع انترنيت. يلزم على من يقول بصحافة مكتوبة أن يقول أيضا بصحافة جيدة من ناحية كتابتها. النص المكتوب بشكل جيد يمنح دائما متعة. من المهم جدا إذن دمج الخبر بالمتعة. كان لدي أيضا ولدى لوران غريلساميرLaurent Greilsamer [ المساعد السابق لفطورينو على رأس جريدة لوموند]رفض صنع جريدة تؤكد آرائها، وتقول للقارئ كيف ينبغي له أن يفكر. كان المقصد، ومهما اختلف الموضوع، هو إفساح المجال لتدخل عدة وجهات نظر. سواء على مستوى الآراء أو على مستوى الأحجام ( قصائد، منابر، صور): الجمع بين العقلي والمحسوس. إن للكاتب أو الشاعر أو الفنان كلمته، مثله في ذلك كمثل أي مؤرخ أو عالم أنتربولوجيا. وهكذا فتقاطع وجهات نظرهم كل الأسابيع، كان يعطي موضوعا جديدا. بالإضافة إلى هذا كنت أريد اختراع جريدة لا يشعر المرء برغبة في رميها، كما يحصل لكل تلك اليوميات المجانية التي تطؤها الأقدام منذ الثامنة صباحا، في ممرات الميترو الباريسي. بخصوص هذا أيضا، فإن الخبر المجاني مجرد احتيال: وهو ما ساعد في تمرير  فكرة أن الخبر عديم القيمة  نظرا لعدم أداء ثمنه. علما أننا في الواقع نستمر في دفع الثمن من وقتنا ! دوس جريدة …لم أر قط نسخة كتاب من “لا بليياد”Pléiade  La ملقاة أسفل الرصيف…الحامل هو أيضا حامل قيمة. إذا أعطيتم من جديد قيمة للحامل، فأنتم ستعطونها للمحتوى أيضا. لم أكن أرغب إذن في صحيفة ترمى. لهذا اختير الورق الجميل. ولهذا جاءت هذه الجريدة بشكل ورقة كبيرة مطوية. يرغب المرء في الاحتفاظ بها …

مجلة لير:

بماذا توحي لك هذه الجريدة، فردريك مارتيل أنت من يشتغل على تحرير الوثائق من مادية الحامل   (Dématérialisation)؟

فردريك مارتيل :

شهدنا و نشهد حركة باطنية كبرى، صحيح أنها لن تمنع اختراع صحف جديدة، لكنها مع ذلك حاضرة هنا: زوال مادية الورق، حقا. لأن الإنترنيت أصبح متحركا، لأن الهاتف أصبح متحركا، لأن الخوارزميات وانسياب المعطيات والمحتويات أصبحت هي المركز السطحي للعناية بالبيانات، في الإعلام والثقافة. إذا بحثتم حاليا عن خبر في الإنترنيت ( غوغل للأنباء ، مثلا) ستجدون أنفسكم وسط مائة برقية إخبارية …هي عينها حول نفس الواقعة، في العديد من المواقع. الأمر الذي يطرح مشكلا مركزيا: ينبغي إضافة ما هو إنساني، وبلوغ ما أسميه الوصفة العلاجية الذكية (smarte curation).

maq138le1-vignette_1484591021

مجلة لير:  

ما نوع سرد الخبر الذي يجب أن يكون اليوم: <<حكاية>>أم الوقائع وفقط الوقائع؟

إريك فطورينو:

لقد تجاوزنا في معالجة الخبر ومنذ زمن طويل مرحلة الواقعة الخالصة والبسيطة. إن تأخر الصحافة مرتبط خاصة بكونها بدأت تبحث عن المعنى في الفوضى اليومية. لكن ما وقع هو أن الخبر الرديء كان من نصيبنا مثلما كان الأكل الرديء من نصيبنا. أصبحنا نعيش باستمرار داخل فضاء نسخ/لصق واسع. إن ما يشكل العبء الأكبر اليوم هو تعميم التجانس. وهو ما تحدث فردريك عنه قبل قليل. نفس الشيء يحكى تقريبا بنفس الطريقة وفي نفس الوقت. إنها تمتمة وسائط الإعلام. إذا كانت الصحافة المكتوبة لا تستطيع السير بمثل سرعة الأدوات الرقمية، فإن دورها يجب أن يكون هو الحفر عميقا، والبحث عن الأوجه المختلفة لنفس الواقع.  تكمن المقاربة الأكثر أهمية إذن في استعمال سرد سيقول شيئا آخر. بشكل مختلف. مثلا ، عندما يروي عالم أنتربولوجيا حملة انتخابية، فإنه يقول شيئا آخر عن الواقع. ليس الأحسن بالضرورة، لكن بشكل مختلف. يجب أن يكون الحكي اليوم تكعيبيا: في لوحة تكعيبية توجد أشياء قليلة، فنجان فقط، على سبيل المثال. لكنها لوحة مكونة على نحو يجعلك في ما بعد لا تنظر إلى فنجان بنفس الطريقة. تغيير النظرة، إزاحتها، هو ذا مفتاح سرد أكثر ثراء وأكثر إفادة.

فردريك مارتيل :

يتم النظر إلى إنترنيت كما لو كان إجباريا  ذا حجم قصير و تكراري. لكن، في الواقع، ليس هناك ما يرغمه على أن يكون كذلك. هو 140 علامة تويتر، و قد يكون رسالة أطروحة أو فقط رابطا يوجه إليها. بإمكان الإنترنيت أن يقود إلى البطيء، كما إلى الطويل و إلى ما يسمح بخطوة إلى الوراء. من الأكيد أن هناك تأثيرات الدعامات ( شاشة صغيرة، نص قصير )، لكن ليس علينا أن نهمل كل إمكانات الولوج إلى أحجام أخرى وأيضا إلى مضامين أخرى. وبالتالي إلى الكم  المدهش للمعطيات التي يمكن ربطها و إعادة ربطها …و تغييرها. لقد ولى عهد النص << المنتهي>> للمقال << المنتهي>> طالما أنه بالإمكان إعادة تحيينهما. و ربما قد انتهى حتى زمن…الكتاب المكتمل، المنتهي، النهائي. اعتقد أن الناس سيخترعون أشياء أخرى كثيرة.

إريك فطورينو:

فعلا. إلا أن تركيب المصاعد في عمارة لا ينهي استعمال الدرج. بنفس الطريقة، سيقرأ الناس في شاشة ولو كانت صغيرة ، لأنهم رُحل أيضا مثل الأشياء المرافقة لنا، لكن كثيرين، في لحظات استقرار وهدوء، سيقرؤون في الورق! دائما. لسبب بديهي: منذ 1454 ومنذ اختراع المطبعة، أضحى فكرنا مُبنينا بالصفحة وبالورق، بحسب عيار معين. لقد بُني تعلمنا على الورق. أما الشاشة فهي لن تترك أبدا نفس الأثر في الذاكرة. ومع ذلك فالسؤال الذي يطرح مع الرقمي هو سؤال تحديد وزن المعارف والتجميع، لا سؤال الفهم. لذلك فإن الورق والشاشة متكاملان. إن الناس يستهدفون من وراء القراءة تعلم التفكير أكثر من استهدافهم التعلم.

فردريك مارتيل :

 مرة أخرى، علينا أن لا ننسى أن الإنترنيت البطيء موجود أيضا.  الأمر لا يتعلق فقط بالتسريع. علينا أن لا ننسى أننا بصدد انقلاب حقل الثقافة. ننتقل من مفهوم المنتجات الثقافية والخدمات الثقافية إلى تدفق المحتويات، وإلى اشتراكات لامحدودة. سيكون للأدب شركة “نيتفليكس”Netflix خاصة به.. هذا الأمر لا مفر منه.

مجلة لير :

هل ستؤثر هذه الهزات أيضا على طريقتنا في القراءة وفي كتابة الأدب القصصي؟

إريك فطورينو:  

لا أشعر،بخصوص الأدب القصصي، بأن الكُتاب قد غيروا طريقة كتابتهم، كأن يتخيلوا مثلا امتدادات لروايتهم على شبكة الإنترنيت. على الأقل إلى يومنا هذا. خصوصية الرواية، في هذا القرن 21 م، ستكون إذن بأن تبقى هي الرواية. الرواية الخالصة، كما كُتبت دوما. إن تماسك القصة يبقى دائما هو تماسك القصة. أتذكر أن مارغريت دوراس في كتابها Ecrire،  كانت تعتبر أن من واجب الكاتب دوما أن << يسمح لليل بالدخول إلى كتبه>>. وأن  لا يشرح كل شيء، وأن لا يقول كل شيء، وأن يترك للقارئ إمكانية تكوين فكرته، وأن يتركه يملأ البياض بين الكلمات. إن فن الرواية وفن التلقين والخيال، ليس مهددا من طرف الرقمي. وإذن فلا تغيير في وظيفته.

فردريك مارتيل :

 لننظر إلى ما يجري في اليابان أو في الولايات المتحدة الأمريكية: القراءة على الهواتف الذكية و الألواح الإلكترونية معممة . طريقة القراءة تتغير، أما متعة الرواية فلا. لنسجل مع ذلك أن روايات عديدة تتعرض باستمرار للقرصنة. أنا  أظن أن الوسيلة الوحيدة لمنع ذلك ستكون هي تخفيض ثمن الكتاب.

_______________

Hubert Artus

المصدر: مجلة ” لير”  Lire  الفرنسية، عدد يونيو 2014.

 

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *