لن أحرق سطراً مبدعاً

*غادة السمان

د. فايز رشيد الزميل في «القدس العربي» طرح عليّ وسواه السؤال ذاته، وهو: لماذا لم أنشر رسائلي إلى غسان كنفاني وأنسي الحاج حين نشرت رسائلهما؟
والإجابة ببساطة: لم أنشر رسائلي إلى أنسي التي قمت بنشرها مؤخراً، لأنني كما جاء في الصفحة 6 من كتاب الرسائل: «لم أكتب لأنسي الحاج أي رسالة». وشرحت في الصفحة ذاتها لماذا لم أكتب له.
الناقد الشاعر عبده وازن الذي قرأ كتاب رسائل أنسي بإمعان علق على ذلك قائلاً: «غادة كانت صادقة عندما قالت إنها لم ترد على رسائل أنسي ولم تكتب له».
ومن طرفي قلت» لم أكتب لأنسي أي رسالة فقد كنا نلتقي كل يوم تقريباً في مقهى «الهورس شو» ـ (الحمرا ـ بيروت) ـ مقهى «المثقفين» لكنني عجزت عن تمزيق هذه الرسائل الرائعة أدبياً منه.. واياً يكن الثمن.
وقلت: لعل أنسي كان يكتب لي لأننا لم نكن نلتقي على انفراد كما جاء في رسالته ص 16 من كتاب الرسائل ولا مفر للناقد المحترف الذي يرغب في الكتابة عن الرسائل من قراءتها.
وكما جاء في هامش في ص 43 من كتاب رسائل أنسي «الجلوس على انفراد كان شبه متعذر في مقاهي المثقفين هذه».
د. فايز رشيد ليس ناقداً أدبياً محترفاً وبالتالي استقبلت ملاحظته واستفساراته (اللاعدوانية) بإيجابية، فهو لم ينتقل منها إلى «محاكمة النوايا» كما يفعل سواه أحياناً. وأحب التذكير باستمرار بأن من واجب «الناقد المحترف» قراءة ما يُكتبُ عنه من كتب.
ففي إسبانيا قانون لمحاكمة الناقد الذي كتب عن كتاب دون مطالعته وتبلغ عقوبته أحياناً السجن. وقد اقترحت يوم قرأت عن ذلك إضافة عقوبة «الأشغال الشاقة» إلى السجن وأعني بذلك إرغامه على مطالعة الكتب التي انتقدها دون أن يطالعها!!

لا أستطيع نشر ما ليس بحوزتي

رسائل غسان كنفاني لي، لم أنشرها مباشرة بعد استشهاده بل بعد مرور عقدين على ذلك. ولم أنشرها كمن يحيك مؤامرة بل أعلنت عن اعتزامي ذلك بتاريخ 9/1/1990 في حوار مع نديم نحاس رئيس تحرير مجلة «الشرق الأوسط» التي كانت تصدر يومئذ أي قبل صدور «الرسائل» بعامين ونصف عام ولم يعترض أحد على ذلك. ولم يُنشر ذلك الخبر في ركن سري من المجلة بل على غلافها مع صورتي كما نشرتُ قبلها نداء بتاريخ 21/4/1989 في مجلة «الحوادي» على من بحوزتهم رسائلي لإرسال نسخة عنها لي لنشرها مع رسائله ولم يستجب أحد لندائي لا سلباً ولا إيجاباً.
وفي تقديمي لكتاب الرسائل نشرت تلك المعلومات في ص 8 وبالتالي فمن قرأ الكتاب لن يسألني أين رسائلي كما فعل بعض النقاد الذين لم يكلفوا انفسهم عناء قراءة الكتاب وجاء في ندائي في الكتاب الصادر عام 1992: «أوجه النداء إلى من رسائلي بحوزته (أو بحوزتها)..
نداء أشاركهم فيه محبة غسان وأرجوهم جعل حلم نشر رسائلنا معاً ممكناً كي لا تصدر رسائل غسان وحدها حاملة أحد وجهي الحقيقة فقط».. ولم يستجب أحد لندائي. ونشرت رسائله وحدها…

«هاتي فضيحتك أيضاً»!

من التعليقات الاستثنائية حول مطالبتي بنشر رسائلي إلى غسان كتب الشاعر عباس بيضون: «نشرت غادة رسائل غسان كنفاني فقال من أغضبهم الأمر: أين رسائلك؟ كأنهم يقولون: أين فضيحتك ايضاً؟ وضعوا فضيحة في إزاء فضيحة. هذان هما طرفا الحب في نظرهم. رسائل غسان إلى غادة جميلة. أنا شخصياً، بدأت بعدها أفكر في أن أعيد قراءة رواياته».
هذه شهادة استثنائية، تلمس جوهر الموضوع وتدين ثعابين الكراهية كلها التي تنطلق من نشر رسائل حب!!
وانطلاقاً من تلك النظرة (حبه فضيحة فهاتي فضيحتك) فتشتْ إحدى دور النشر على (فضيحة حب) لي. اتصلت الدار بأخ صديق وزميل لي جاء ذكره مراراً في رسائل غسان كرفيق لسهراتنا، وعرضوا على ع.س. (الصديق) مبلغ عشرة آلاف دولار مقابل شراء رسائلي إليه ـ وكنت قد كتبت له حقاً من باريس ولندن وجنيف فهو أخ زميل وصديق لغسان ولي. وحين أخبرني بذلك قلت له: لماذا لم تعطهم الرسائل مقابل هذا المبلغ وانت بحاجة اليه؟ انفجرت زوجته ف.س. ضاحكة وهي أديبة صديقة لي، وقال لي: الرسائل لم تعد موجودة، فحينما احتلوا بيتنا في الحرب اللبنانية رموا بها ككل أوراق البيت وحملوا ما يمكن بيعه!
قلت له ضاحكةً: حسناً. سأكتب الآن بعض الرسائل لك وتعطيهم إياها وتحصل على عشرة آلاف دولار، وبعد نشرها نعلن لهم فعلتنا!! ولم نفعل. لكن روح الدعابة تعجز عن مفارقتي اياً يكن الهجوم عليّ.
وقد صدرت يومئذ 110 مقالات نقدية ضدي ولم تهز قناعتي وموقفي الثابت: لن أحرق سطراً مبدعاً او يكتبه مبدع كبير في حقله.

بروين حبيب: «مثقفة فوق العادة»

ستكون وقفتي في الأسبوع المقبل مع بروين حبيب ومع القراء في هذه الحلبة الساخنة.. واكتشفت عبرها ان بعض كبار الإعلاميين يخطونها لي دون التوقيع بأسمائهم الحقيقية كالقارئ الذي يوقع باسم «سوري» كما أن بعض القراء يكتبون باطلاع ووعي وحس مرهف يفوق بعض النقاد المحترفين ويظل ما كتبه الشاعر عبده وازن حول رسائل أنسي الحاج التي نشرتها مؤخراً من المفاتيح لقراءتها حين يقول عنها: «لا تقل بتاتاً فرادة وجمالاً عن قصائد الشاعر ومنثوراته» كما ما سطرته الشاعرة بروين حبيب.
وأختم بعبارة للدكتورة فاطمة موسى محمود: «لا نكاد نعرف أديباً كبيراً في الغرب لم تجمع رسائله بعد مماته وتنشر…».
___
*القدس العربي

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *