المفارقة في المجموعة القصصية ”حب فايس بوكي” للكاتب محمد بنلحسن

خاص- ثقافات

 

*محمود بنطاطة

 

 ألف الكاتب المغربي محمد بلحسن مجموعة قصصية موسومة بعنوان ”حب فايس بوكي”، قبل قراءة المُؤَلف ومحاورة مضامينه لابد من الإشارة إلى  أن الكاتب مولع بفضاء التواصل الاجتماعي  وبالمعلوميات عامة، يعيش وفق ما يمليه زمن السرعة والتكنولوجيا، فتراه مرتبطا أشد الارتباط بفضاءات التواصل الاجتماعية  ومتفاعلا داخلها بشكل إيجابي محاولا تحليل الواقع الحقيقي وإيجاد أجوبة لبعض الظواهر من خلال استقصاء وقائع العالم الافتراضي. هذا بالإضافة إلى إنشائه العديد من المواقع الإلكترونية المفتوحة للجميع أو الخاصة بطلبته تماشيا مع عصر السرعة والاستفادة عن بعد، فكان شديد الصرامة في توجيه طلابه إلى معرفة وسائل التكنولوجيا الحديثة وحسن استعمالها، تجنبا للمواقف المحرجة التي قد يسقط فيها المدرس أمام تلامذته.

أما بخصوص المجموعة القصصية ”حب فايس بوكي ” فإن أول ما يلفت انتباهك وأنت تمسك بالكتاب بين يديك صورة الغلاف، هذه الصورة وكأنها صفحة خاصة بكل قارئ  في العالم الأزرق تنتظر منه إدخال المعلومات الشخصية والضغط على الزر لولوج عالم ”مارك زوكربورغ”، ذلك أن مستعمل فضاء التواصل الاجتماعي فايس بوك وهو يقرأ هذا العمل  يحس وكأنه أمام شاشة حاسوبه وليس في حضرة كتاب ورقي.

أولى المفارقات التي تضمنها العمل نلمسها على مستوى الغلاف، مفارقة المكان أو الفضاء، تتجسد عندما يطل القارئ للوهلة الأولى على هذا الكتاب الورقي الملموس والمدرك بالحواس  والذي يمثل أمرا ماديا واقعيا وحقيقيا، هو نفسه الذي يشتت تركيزه المادي فيحيله على واجهة العالم الافتراضي، أو بالتحديد على حسابه الخاص ضمن عالم التواصل الافتراضي facebook.

يتضمن الغلاف أيضا  شخصين يختلفان من حيث الجنس (ذكر وأنثى) وكل منهما يقعد أمام شاشة حاسوبه،  يتوسط المكان الفاصل بينهما لون أحمر تتناثر فوقه رموز الحب، مما يحيلنا على أن الشاب والفتاة في لحظة رومانسية رابطها حمرة الحب، والرموز التي تشكلت قلوبا متناثرة في الفضاء تحاول القناة جمعها في رسالة، كي يعيد أحد الطرفين إعادة فك شفراتها.

هذا الحب الذي يجمع بينهما جعل له الكاتب عنوانا يتماشى والسياق الذي أفرزه ”حب فايس بوكي”، فإذا كانت كلمة “فايس بوك” تعني ذلك الكتاب الذي يضم أو يحتفظ بصور الأصدقاء في فترة البعد وغياب إمكانية التلاقي، فإن الكاتب ذيل هذه الكلمة بعبارة حب، ليحيلانا على علاقة عاطفية خلقت عن بعد واستلهمت شعورها وإحساسها  من صورة الطرف الآخر دون اقتراب الذوات والتقائها.

ولن نطيل الوقوف عند العنوان والغلاف لأن الأمر يستلزم مقالا خاصا بهما لما يحتويه هذان العنصران من مفارقات كبيرة، أهمها مفارقة المكان بين العالم الواقعي والعالم الافتراضي، وأيضا مفارقة العلاقات والأحاسيس داخل الفضاء الواقعي والافتراضي.

تتضمن المجموعة القصصية تسعة وثلاثين قصة صغيرة، وكل قصة تحتوي مفارقة أو مجموعة من المفارقات، تمثل الصراع بين معنيين داخل البنية السردية، فالأول ظاهريتجسد وكأنه يصف ويمثل الحقيقة، لكن حينما يتجلى سياقه سواء من حيث الزمان أو المكان أو الشخصيات أو الأحداث… يكشف المستور ويصفح عن معنى آخر يتصارع معه، وغالبا ما يكون مراد وغاية الكاتب هو المعنى الثاني الدفين. فإذا كانت بنية الكتاب اللفظية تبدو سهلة يسيرة، فإن تركيبها وطبيعة العلاقات التي يخلقها الكاتب تجعل بنيته المعنوية أحيانا صعبة وتحتاج إلى قراءة دقيقة تستدعي إطلاق العنان للتفكير خارج البنية المغلقة.

وكي تكون أحكامنا النقدية ذات مصداقية علمية ،وننصف المؤلَف حقه من الدراسة كان لزاما علينا ركوب قارب الحب الفايس بوكي والتجديف داخل أمواجه العاتية لعلنا نضفر منه بصيد وفير. اعتمدنا في هذه الدراسة على استقصاء بعض القصص القصيرة محاولين كشف بعض أسراره وأساليبه السردية.

لقد ارتكزت المجموعة القصصية من بدايتها إلى نهايتها على المفارقة كأسلوب سردي أساس في المتن القصصي نظرا لقدرته على إشفاء غليل الأديب الواقعي، الذي يرمي انتقاد الأحداث اليومية والواقعية المحيطة به، وهذا لسان حال الكاتب محمد بنلحسن.

استهل الكاتب مجموعته القصصية بقصة تحمل نفس عنوان الكتاب ”حب فايس بوكي”، مما يشكل نوعا من الانزياح الأسلوبي في الكتابة. ويدور فحواها عن طبيعة العلاقة التي يعيشها الأفراد داخل العالم الافتراضي، وتلك التصورات الخاطئة التي يحملها كل طرف عن شريكه في العلاقة الرومانسية التي تنسج خيوطها داخل العالم الأزرق بصور وأسماء مستعارة. يهدف المؤلف بسرد أحداث هذه القصة انتقاد طبيعة الرؤية التي يتعامل بها الأفراد داخل مواقع التواصل الاجتماعية، وبخاصة علاقات الحب التي تنبني على الوهم وتزييف الحقائق التي لا يستطيع بعض الأفراد الإفصاح عنها داخل الواقع نتيجة الفراغ العاطي الذي يعيشه المجتمع، واندفاع الأفراد للبحث عن إشباع لغرائزهم المكبوثة في العالم الافتراضي،ومن تم نلاحظ أن الكاتب عمد إلى توظيف مفارقة الموقف للتعبير عن التناقض والتنافر في الشخصيات بين عوالم واقعية وأخرى افتراضية.

نوع آخر من المفارقة يمكن أن نستخلصه من المتن السردي الذي جاء بعنوان ”وهم النزاهة” وهي المفارقة الواقعية التي ينتقد من خلالها الكاتب طبيعة تسيير بعض مؤسسات الدولة،  حيث اعتبر النزاهة في ولوج التدريس الجامعي ضربا من الوهم، وهي حالة يمكن تعميمها على مجموعة من المؤسسات والمرافق التي تجعل شعارها الأول هو النزاهة، غير أن واقع الحال يبين عكس الشعارات الرنانة الزائفة التي تصدح بها حناجرهم. من هنا يتضح حجم المفارقة الواقعية التي تحاول من خلال المتن السردي ”وهم النزاهة” إبراز الفساد المتفشي في بعض هياكل الدولة وضرب شعار النزاهة عرض الحائط.

”العربة والنار” ثنائية لفظية احتوت قصة مؤلمة شكلت حدثا محركا في مسارمجموعة من الشعوب، خاصة تلك التواقة للحرية والديموقراطية، إذ تحكي حدثا تاريخيا في العالم عامة والوطن العربيي خاصة. اعتمد الكاتب على أسلوب التخفي وعدم الإفصاح بشكل مباشر عن الشخصية الرئيسة وتعريفها، ذلك أن المعرف لا يعرف، ومن تم كان لأسلوب التخفي تحث مظهر الشائع والمألوف لدى العامة أثرا بليغا في إيصال دلالات الحدث وأبعاده السياسية والاجتماعية. إنها قصة الفتى التونسي الذي غير مجرى تاريخ بعض الحكام وأعاد البعض الآخر إلى السكة الصحيحة إلى حد ما، أزاح منهم من أزاح وقتل منهم من ظل متمسكا بخيمته.

إن المفارقة التي نحن بصدد رصدها في هذا المؤلف والتي تبدو في ظاهرها سخرية أحيانا إنما يتوخي من خلالها الكاتب تقديم قراءة نقدية للواقع مستقصيا بعض مظاهره الحساسة داخل المجتمع، كواقع المستوى العلمي الذي يمثل عجلة التقدم والازدهار. وكمثال على ذلك القصة المعنونة ب ”الإعراب” التي تجسد رؤية نقدية تشتمل تناقضا كبيرا بين الذات والموضوع في ظل غياب الآليات والوسائل، ذلك أن المترشحة لمهمة تدريس اللغة العربية بالسلك الثانوي  لا تحبذ أن تمتحن في مجال النحو (علم الإعراب)، لسان حال المؤلف في هذا الحادث أن فاقد الشيء لا يعطيه.

التضاد والتنافر بين الحقيقة والمظهر من تجليات المفارقة  داخل المتن القصصي ”نبأ الزيادة”، استندت الذات داخل عوالم هذه القصة إلى معطيات المظهر فتوهمت الزيادة في الأجر قبل أن تصعق بخبر الزيادة في ثمن المحروقات. تمثل هذه الشخصية الموظف البسيط داخل الدولة الذي همه الأكبر الزيادة في الأجر في ظل تغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية عامة في البلاد. وقد اعتمد المؤلف أسلوب التنافر بين الحقيقة والمظهر للإفصاح عن واقع اجتماعي واقتصادي تعيشه شريحة من المجتمع، واقع يعرف تناقضا بين أسعار المواد الاستهلاكية المرتفعة –المحروقات مثلا- مع تصلب أجر الموظف في مكانه.

في ظل هذا الوضع العصيب الذي يمر به الأجير والعامل كان من الطبيعي أن نجد حراكا نقابيا يحتويهموم الشغيلة ويناضل من أجل مطالبها، والشكل النضالي المتوقع دائما هو خوض الإضرابات. وغير بعيد عن سياق الإضرابات نسج الكاتب قصة بعنوان ”الإضراب عن الإضراب في يوم الإضراب”، وبقراءتنا الخاصة الامتناع عن الاحتفال بالعيد الأممي للطبقة العاملة في الفاتح من شهر ماي 2016. تتضمن القصة مفارقة على مستوى الموقف، فالامتناع عن تخليد ذكرى العيد الأممي للطبقة العاملة من قبل النقابات إعلان غير مباشر بغياب الوسائل النضالية للطبقة الشغيلة. ومن تم فالقصة قراءة نقدية في مظهر متخفي للمواقف النضالية للنقابات، وواقع الفعل النضالي للطبقة العاملة من خلال ممثلها القانوني.

خلاصة القول أن المجموعة القصصية ”حب فايس بوكي” للدكتور محمد بنلحسن اختزال لمجموعة من التناقضات التي يعيشها المجتمع من خلال أحداث واقعية أو تلامس الواقع، حاول المؤلف الإفصاح عنها وانتقادها عن طريق السخرية أحيانا أي، السخرية من الأحداث التي تجسد إلى حد ما واقع الحياة اليومية داخل المجتمع، وأحيانا أخرى عن طريق التخفي في الأحداث البارزة التي تكشف وتفصح عن نفسها، أو عن طريق اقتباس التناقض والتباين بين الحقيقة والمظهر وتقديمها في قوالب سردية ممتعة.

 

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *