التعليم في عصر نور الدين زنكي [المدرسة النورية الكبرى نموذجًا]

خاص- ثقافات

د . يسري عبد الغني عبد الله

دور ثقافي متميز :

        قبل أن نتكلم عن المدرسة النورية الكبرى كنموذج لاهتمام نور الدين بالتعليم بوجه عام وبإنشاء المدارس والمعاهد التعليمية بوجه خاص ، نحب أن نقول : إن الدور السياسي الضخم الذي قام به نور الدين محمود لخدمة العالم الإسلامي ولتجميع كلمة الإسلام أمام الزحف الصليبي الاستعماري أمر على درجة كبيرة من الأهمية لا يمكن تجاهله في دراسة تاريخ الحضارة الإسلامية ، وهذا الدور المهم يراه كل من يدرس الحروب الصليبية ، ويدرس تاريخ آل زنكي (521 هـ ـ 577هـ) ، وبالذات فترة عماد الدين زنكي (521 هـ ـ 541 هـ) ، وفترة نور الدين محمود زنكي (541 هـ ـ 569 هـ) ، وأيضًا تاريخ الدولة الأيوبية .

        وفي واقع الأمر أن نور الدين لم يكن رجلاً عسكريًا فقط ، بل إنه لعب دورًا ثقافيًا مهمًا للغاية يجب التنبه إليه عند دراسة الحضارة الإسلامية .

        في أواخر القرن الثالث الهجري بدأ الفاطميون يكونون دولة في الشمال الأفريقي ، ثم زحفوا إلى مصر سنة 359 هـ ، وهنا وهناك بدءوا ينشرون مذهب الشيعة ، ويقاومون مذهب أهل السنة ، وفي نفس الفترة كان البويهيون قد حققوا انتصارًا على بقايا الأتراك المماليك وبدءوا سلطانهم على الخلافة العباسية سنة 334 هـ ، وبالتالي عملوا على نشر التشيع ومقاومة المذهب السني      وجاء حكم السلاجقة 447 هـ فبدءوا يعيدون الأمور إلى نصابها ، وقام الوزير السلجوقي الشهير / نظام الملك بدور كبير في إحياء الدراسات                  السنية ، والقضاء على بقايا التشيع ، وإلى هذا الوزير تنسب المدارس النظامية التي جلس الإمام / أبو حامد الغزالي صاحب كتاب (إحياء علوم الدين) يعلم فيه إحداها ، وكان لها نصيب كبير في تنشيط المذهب السني ومقاومة التشيع .

        لقد اقتبس نور الدين محمود زنكي هذا الاتجاه من نظام الملك فنشر في مملكته بحلب ودمشق مدارس كتلك التي أنشأها الوزير السلجوقي / نظام الملك ، فكانت بذلك امتداد له ، كما كان امتدادًا لأبيه البطل / عماد الدين زنكي في الانتصارات العسكرية التي حققها .

        ثم جاء صلاح الدين الأيوبي فورث مملكة نور الدين زنكي في الأمرين جميعًا ، وبمعنى آخر حل محله في مقاومة أدعياء حماية الصليب ، كما نقل اتجاهاته الثقافية إلى مصر فأنشأ بها مدارس لخدمة المذهب السني ، امتدادًا لمدارس نظام الملك السلجوقية في العراق ، ومدارس نور الدين محمود زنكي في الشام .

        ولذلك : فإن الباحث يجد أن نور الدين زنكي فصلاح الدين الأيوبي يمثلان الحلقتين الثانية والثالثة في كل من الصراع العسكري ضد الصليبيين وإحياء الدراسات السنية ، أما الحلقة الأولى في الصراع العسكري فيمثلها عماد الدين زنكي ، وفي إحياء الدراسات السنية يمثلها الوزير / نظام الملك  . (1)

 وعليه فإننا نجد أن أي دراسة عن المدارس الإسلامية كإحدى أماكن التربية والتعلم في الحضارة الإسلامية ، يجب أن تعطى اهتمامًا كبيرًا للدور الذي لعبه كل من : الوزير / نظام الملك ، و البطل / نور الدين محمود  زنكي ، والدولة الأيوبية بوجه عام في إنشاء المدارس والاهتمام بها ورعايتها كأهم مؤسسة للتربية ونشر العلم ، وسوف نكتفي في هذه السطور المتواضعة بالكلام عن المدرسة النورية الكبرى التي أنشأها نور الدين زنكي ، كنموذج أو كمثال لاهتمام نور الدين بالتعليم وإنشاء المعاهد التعليمية .

د.-يسري-عبد-الغني-عبد-الله-1-1

مدارس نور الدين :

        نور الدين محمود زنكي هو أول من أنشأ مدرسة في دمشق                        السورية ، أضف إلى ذلك مدارسه الكثيرة التي كانت منتشرة في مدن سوريه وقراها .

        وقد سجلت كتب التاريخ بعضاً من هذه المدارس ، ففي دمشق أنشأ دار الحديث النورية ، والمدرسة الصلاحية ، ومدرسة الكلاسية ، والمدرسة النورية الصغرى ، ولكن أشهر هذه المدارس المدرسة النورية الكبرى ، وسوف نتحدث عنها كنموذج للمدارس التي أنشأها نور الدين محمود ، وذلك بشيء من التفصيل  (2)

        وفي حلب أنشأ المدرسة الحلوية ، والمدرسة العصرونية ، والمدرسة النورية ، والمدرسة الشبيبية . (3)

        وفي حماة أنشأ نور الدين مدرستين ، وفي حمص أنشأ مدرستين                    أيضاً ، وفي بعلبك اللبنانية أنشأ مدرسة واحدة . (4)

 

مكانة سامية :

        أما المدرسة النورية الكبرى فقد زارها الرحالة ابن جبير المتوفى سنة 614 هـ ، بعد افتتاحها بسنوات قليلة، وقد وصفها في رحلته وصفاً يدل على مكانتها السامية في تلك الأزمان .

        فهي من أحسن مدارس الدنيا مظهراً ، وهي قصر من القصور الأنيقة ينصب فيه الماء في حوض وسط نهر عظيم ، ثم يمتد الماء في ساقية مستطيلة إلى أن يقع في صهريج كبير وسط الدار ، فتحار الأبصار في حسن ذلك المنظر . (5)

        وقد طافت الأحداث والسنون بهذا المعهد العلمي العظيم ، فغيرت منه وقللت من بهائه ، ولكنه لا يزال يحتفظ بطابع الجلال ، ولا يزال يوحي بأنه كان في عهده قريباً إلى الكمال ، شاملاً كل ما يحتاجه معهد علمي للدراسة العليا ، مزوداً بقسم داخلي مكتمل المرافق والالتزامات . (6)

نور الدين هو المنشئ الحقيقي :

        وقد ذكر المؤرخ /  أبو شامة المتوفى سنة 665 هـ ، وابن شداد (محمد بن                  علي ) المتوفى سنة 684 هـ ، أن الذي أنشأ هذا المعهد العلمي (المدرسة النورية الكبرى) هو نور الدين محمود زنكي سنة 563 هـ . (7)

 ولكن ألنعيمي المتوفى سنة 927 هـ ، والذي يعتمد في أغلب ما كتب على ابن شداد ويقتبس منه أكثر مادته ، يختلف معه ، ويقرر أن الذي أنشأ هذه المدرسة هو الصالح إسماعيل ابن نور الدين محمود زنكي . (8)

 ولم يذكر النعيمي لنا سبباً واضحاً حدا به إلى هذا الادعاء ، وكل ما يشير إليه هو أن جثمان نور الدين لم يدفن عقب وفاته مباشرة في ضريحه بالمدرسة ، وإنما دفن في مكان آخر ، ثم تم نقل الجثمان في عهد ابنه إسماعيل إلى مكانه الحالي بالمدرسة النورية .

        وفي الواقع أن هذا لا يستدعي أن تكون المدرسة قد أنشأت في عهد إسماعيل ، إذ من اليسير أن تكون المدرسة قد تمت وافتتحت في عهد نور الدين ، ولكن الضريح لم يكن قد أعد بعد ، إذ أنه شيء يلحق بها ، وليس من مرافقها اللازمة لها .

        ومن أجل هذا كان الضريح دائماً آخر ما يشيد بالمدرسة ، فلما توفي نور الدين في هذه الأثناء دفن في مكان مؤقت حتى أعد الضريح ، ثم نقل إليه الجثمان.

        ومما يؤكد لنا أن نور الدين هو الذي بنى هذه المدرسة ، تلك الكتابة التي نقشت على الحجر الضخم الذي يكون العتبة العليا لمدخل المدرسة ، وهذه الكتابة قديمة تاريخها سنة 567 هـ ، أي كتبت في حياة نور الدين الذي توفي بعد ذلك بسنتين فقط ، وقد ورد في هذه الكتابة أن نور الدين هو منشئها ، ويبدو أن النعيمي لم ير هذه الكتابة . (9)

الموقع والمساحة :

        وتقع هذه المدرسة بخط (حي) الخواصين ، وهو الحي الذي يسميه أهل دمشق السورية في الوقت الحاضر (الخياطين) ، وهي في الجنوب الغربي بالنسبة للجامع الأموي ، وتبعد عنه قرابة نصف ميل تقريبًا .

        وقد أسست المدرسة النورية الكبرى على مساحة مقدارها 1500 متر مربع تقريباً ، ولكن المساحة الحالية تنقص عن ذلك بحوالي 150 متراً سلبها جيرانها من الجهة الغربية ، وقد هدم البناء الأصلي ، وتجدد بناؤه ، ولم يبق من البناء القديم إلا الباب والبهو والقبة ومخطط الصحن . (10)

        ولكن يلاحظ في البناء الحالي للمدرسة أنه كان إلى حد كبير على أساس البناء القديم .

        وتقوم مباني المدرسة في جوانب المساحة ، أما الوسط فصحن مربع مساحته 340 متراً تقريباً ، نمت به بعض الأشجار ، ويقع في وسطه بحيرة طولها 7.8 من الأمتار ، وعرضها 6.8 من الأمتار ، يمدها بالماء مجرى صغير ينساب فيه الماء من صنابير  (حنفيات) ، ونافورة في الجانب المقابل للباب ، وقد بني هذا المجرى موضع قناة صغيرة كانت تجلب الماء لهذه البحيرة من نهر قنوات أحد أنهار دمشق السبعة . (11)

الباب والممر :

        وباب المدرسة الحالي هو نفس بابها القديم ، وهو باب ضخم                        دقيق الصنع ، وعتبته العليا عبارة عن حجر كبير كتب عليه بطريقة الحفر وبخط الثلث اسم منشئ المدرسة (نور الدين محمود زنكي) ، وتاريخ إنشائها (563 هـ)  ويؤدي الباب إلى ممر مستطيل ، وفي منتصف الممر مدخل آخر لا باب له ، وهذا الممر يقود إلى صحن المدرسة.

        والسائر في الممر يجد إلى يمينه ضريح الشيخ / محمد بن دقيق العيد ، المتوفى سنة 702 هـ ، وباب الضريح في الشارع الذي به المدرسة النورية ، وعلى يسار الداخل يقع ضريح نور الدين محمود منشئ المدرسة ، ولهذا الضريح قبة ضخمة عجيبة الصنع ، وهي من نفس طراز القبة الموجودة بالمارستان النوري (المستشفى) الذي أسسه نور الدين لعلاج الناس بالمجان بغض النظر عن الجنس أو العرق أو الديانة ، وليس في العاصمة السورية دمشق قباب أخرى من ذلك الطراز.

مسكن مدرس المدرسة :

        وبعد أن يتجاوز السائر في الممر بمحاذاة ضريح الشيخ / دقيق العيد ، يجد باباً يؤدي إلى حجرة السلم ، ويقوده السلم إلى المسكن الخاص بمدرس                             المدرسة ، أو بمعنى آخر كبير مدرسي المدرسة أو عميدها أو مديرها أو                 ناظرها ، ولهذا السلم فرع آخر يبدأ من منتصفه ، ويتجه اتجاهاً آخر فيدور حول قاعدة ارتفاعها 6 أمتار ، ويبدو أنها قاعدة لمئذنة أو منارة (لم نعثر على مادة عنها) ، وينتهي هذا الفرع بالصاعد به إلى سطح المدرسة .

مرافق المدرسة النورية :

ـ الإيوان (قاعة المحاضرات) :

        وهو أهم مكان في المدرسة ، لأنه يرادف التعبير الحديث (قاعة المحاضرات ) ، وإيوان المدرسة النورية الكبرى يتسع لحلقة كبيرة للدرس ، فطوله 8 أمتار ، وليس لهذا الإيوان باب ، وإنما هو مفتوح على امتداد طوله ، مع سلمين في نهايتي الامتداد يصعد عليهما طلاب المدرسة ، إذ أن الإيوان يرتفع عن الصحن بمتر واحد تقريباً .

ـ المسجد :

        يقع الإيوان يمين الصحن بالنسبة للداخل إلى المدرسة ، ويقابله على اليسار المسجد ، والمسجد هو المكان التالي للإيوان في الأهمية ، ولم يكن المسجد خاصاً بالطلاب فقط ، وإنما كان مفتوحاً لكل الناس ، ومن أجل ذلك وضع في أقصى مكان من الإيوان ، حتى لا يتأثر المصلون والعابدون بما قد يثار في حلقة العلم من ضجيج المناقشات والمحاورات ، ولمسجد النورية محراب قديم ، ويتصل هذا المسجد بالصحن بواسطة فتحات ثلاث ذات عقود ولا أبواب لها ، والفتحة الوسطى هي أكبر هذه الفتحات .

ـ استراحة المدرس :

        يتصل الجانب الشرقي للمسجد بحجرتين صغيرتين ، لكل منهما باب يوصل إلى المسجد ، وهناك باب داخلي يصل كلا الحجرتين بالأخرى ، وهاتان الحجرتان أعدتا كاستراحة لكبير المعلمين بالمدرسة ، أو يمكن اعتبارها بمثابة مكتب خاص له يستريح فيه بين أوقات المحاضرات ، أو يستقبل فيه أهل العلم والأدب من الذين يترددون على المدرسة أو الذين يحاضرون فيها ، ولا تزالان تستعملان حتى الوقت الحاضر لنفس الغرض ، وذلك بخلاف مسكن كبير المعلمين الذي أعد ليعيش فيه .

ـ مساكن الطلاب :

        هذه المساكن مخصصة لطلاب القسم الداخلي ، وهي تنقسم                             إلى وحدات ، كل وحدة عبارة عن حجرتين ، أحداهما فوق الأخرى ، ويصلهما سلم داخلي ، ولا تزال هذه المساكن تستعمل في نفس الغرض الذي بنيت من أجله ، ويعيش الآن بها طلاب جاءوا من شتى أنحاء سورية من أجل أن يلتحقوا بالمعاهد العلمية المختلفة في العاصمة    دمشق .

ـ مسكن خادم المسجد :

        يشمل هذا المسكن عدة حجرات ، كما يشمل المرافق الضرورية التي تلزم المسكن ، ومازال هذا المسكن يستخدم لنفس الغرض .

ـ دورات المياه (المراحيض):  

وهي لا تزال حتى الوقت الحاضر تستعمل لنفس الغرض الذي بنيت من أجله ، والمياه الجارية ممتدة إليها ، وهي مراحيض و حمامات نظيفة جهزت لاستخدام الطلاب ، والعاملين بالمدرسة .

 مساحات مغتصبة :

        المساحة الأولى : ليست تابعة للمدرسة النورية في الوقت الراهن ، إذ اغتصبها الجيران ، ويعتقد أن هذه المساحة كانت مطبخاً ، وقاعة لتناول الطعام .

        المساحة الثانية : اغتصبت في نفس الوقت الذي تم فيه اغتصاب المساحة الأولى ، ويعتقد أنها كانت مخزناً للبقول ، ومواد الطعام (كرارًا) .

        المساحة الثالثة : وكانت مخصصة لتكون مخزناً عاماً                         للمدرسة النورية ، تحفظ فيها أدوات التنظيف ، والمصابيح الزائدة   عن الحاجة ، والفرش ، وما شابه ذلك ، وهذه المساحة نالها شيء    من الإهمال ، مما دفع جيرانها إلى اقتطاعها من المدرسة ، ولكن كبير المعلمين بالنورية تصدى لهم في ذلك الحين ، وحاول منعهم بكل الطرق ، ولكنه فشل في ذلك ، غير أن الرجل لم يفقد الأمل في استرداد هذه المساحة في وقت من الأوقات ، فترك بابي هذا المخزن مكانهما ، على الرغم من الحائط الذي شيد من المغتصبين خلف البابين ، وقد فعل ذلك ليكون البابان دليلاً على أن المساحة الواقعة خلفهما جزء لا يتجزأ من المدرسة النورية الكبرى . (12)

محاضرون في النورية الكبرى :

        كانت المدرسة النورية الكبرى بدمشق مخصصة لدراسة العلوم الشرعية على مذهب الإمام / أبي حنيفة النعمان (رضي الله عنه) ، وعلى هذا خصص للتدريس فيها نخبة ممتازة من علماء الأحناف ، بالإضافة إلى مشاهير أهل الأدب والعلم ، ونذكر من الذين درسوا في النورية ، ما يلي : ـ

        بهاء الدين بن العقادة ، وقد درس بها إلى أن توفي سنة 566 هـ ، وبرهان الدين مسعود ، وقد درس بها إلى أن توفي  سنة 599 هـ .

 والشرف داوود ، وقد عمل بها حتى سنة 623 هـ ، ثم اعتزل العمل ليتولاه عالم مشهور بالدين والعلم ، وحب أهل العلم واحترامهم له ، ونقصد به : جمال الدين محمود ابن أحمد الحضيري ، وقد ظل بها إلى أن توفي سنة 636 هـ .

        ونذكر : صدر الدين إبراهيم الذي درس بالنورية نيابة عن قوام الدين محمد ابن جمال الدين الحضيري ، وقد ظل صدر الدين يعلم فيها حتى شب قوام الدين ، وأصبحت ثقافته تساعده على تأدية هذا العمل فتولاه ، وظل يؤديه حتى توفي سنة 665 هـ .

        ونذكر : نظام الدين الحضيري ، وقد تولى بعد أخيه قوام الدين ، وظل يعمل بالنورية ، حتى توفي سنة 698 هـ .

        ونذكر : صدر الدين البصراوي ، وقد درس بالنورية حتى                            توفي ، سنة 737 هـ .

 وكذلك : عماد الدين بن الطرسوسي ، وقد درس بها حتى توفي                                        سنة 748 هـ . (13)

الأوقاف على النورية الكبرى :

        كان نور الدين محمود مؤمناً كل الإيمان بأن العلم هو أهم الوسائل للنهوض والتقدم ، لذلك أكثر من بناء المدارس والمعاهد العلمية ، ولكي يضمن لها الاستمرار والاستقلال من أجل أن تؤدي وظيفتها كمؤسسات  تربوية تعليمية ، أوقف لها الأوقاف السخية ، كما أنه شجع أهل الثراء على أن يقتدوا به ، ومن أمثلة ذلك الأوقاف التي أوقفها نور الدين محمود على المدرسة النورية الكبرى بدمشق .

        سجلت هذه الأوقاف على الحجر الذي يكون العتبة العليا لباب المدرسة النورية ، والكتابة الموجودة على الباب واضحة تماماً .

        وتقول هذه الوقفية بعد البسملة ، أن الذي أمر بإنشاء هذه المدرسة الملك العادل   الزاهد / نور الدين أبو القاسم محمود بن زنكي بن آق سنقر (ضاعف الله ثوابه ) .

        وأنه أوقفها على أصحاب الإمام سراج الأمة / أبي حنيفة النعمان (رضي الله عنه) ، ووقف عليها وعلى الفقهاء والمتفقهة بها ، جميع الحمام المستجد بسوق القمح ، والحمامين المستجدين بالوراقة خارج باب السلامة ، وكذلك الدار المجاورة لهما .

وكذلك الوراقة بعونية الحمى ، وجنينة (حديقة) الوزير ، والنصف والربع من بستان الجوزة بالأرزة ، والأحد عشر حانوتاً خارج باب الجابية ، والمساحة الملاصقة من الشرق ، وكذلك التسعة حقول بداريا .

        وتختتم الوقفية قائلة : على ما نص وشرط في كتب الوقف رغبة في الأجر والثواب ، ونقدمه بين يديه يوم الحساب ، فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه ، إن الله سميع عليم ، وذلك في مدة أخرها شعبان سنة 567 هـ . (14)

        ومعنى الفقرة الأخيرة من وقفية نور الدين على المدرسة النورية ، هو أن هذه الأوقاف تسلم تامة كاملة إلى المدرسة في خلال مدة أخرها شهر شعبان ،                                       سنة 567 هـ . (15)

                والله تعالى ولي التوفيق ،،،

                          

الهوامش والأسانيد

1 – أحمد شلبي ، موسوعة الحضارة الإسلامية ، دار النهضة المصرية ، القاهرة ، 1974 م ، 5 / 143 ـ 145.

2 – نراجع : النعيمي الدارس فيما في دمشق من المدارس ، دمشق ، 1948 م ، 1 / 99 ، 331 ، 407 ، 447 ، 606 ، 648

3 – شمس الدين الذهبي ، أعلام النبلاء ، مؤسسة الرسالة ، 1982 م ، 2 / 71 ، 75 ، 76 ـ وكذلك : ابن الشحنة ، الدر المنتخب في تاريخ حلب ، بيروت ، 1309 هـ ، الصفحات على التوالي : 115 ، 110 ، 111

4 – ابن واصل ، مفرج الكروب في أخبار بني أيوب ، مخطوطة محفوظة بجامعة كمبريدج ، تحت رقم 1010106 ، ومنها صورة بدار الكتب المصرية ، ص 165 ، وكذلك : النعيمي ، الدارس فيما في دمشق من المدارس ، دمشق ، 1948 م ، ص 401

5 – ابن جبير ، رحلة ابن جبير ، ليدن ، هولندا ، 1907 م ، ص 284

6 – أحمد شلبي ، التربية والتعليم في الفكر الإسلامي ، مرجع سبق ذكره ، ص 129

7 – أبو شامه ، الروضتين ، القاهرة ، 1287 هـ ، 1 / 229 ، وكذلك : ابن شداد ، الأعلاق الخطيرة ، مخطوطة بمكتبة لاهاي ، هولندا ، تحت رقم 1466 ، ومنها صورة محفوظة بمكتبة جامعة الدول العربية بالقاهرة ، ص 44

 8 – النعيمي ، الدارس فيما في دمشق من المدارس ، مرجع سابق ، 1 / 607

9 – أحمد شلبي ، التربية والتعليم في الفكر الإسلامي ، مرجع سابق ، ص 130

10 – أسعد طلس ، ذيل ثمار المقاصد ، الطبعة الأولى ، دمشق ، بدون تاريخ ، ص 158 

11 – صلاح الدين المنجد ، خطط دمشق ، بيروت ، 1946 م ، ص 33 وما بعدها 

12 – أحمد شلبي ، التربية والتعليم في الفكر الإسلامي  ، مرجع سابق  ، ص 132 ـ 137 .

13 – نراجع لمعرفة أهم مدرسي المدرسة النورية الكبرى : محمد بن علي بن شداد ، الأعلاق الخطيرة ، مخطوطة محفوظة بمكتبة لاهاي ، هولندا ، ومنها صورة موجودة بقسم المخطوطات ، بدار الكتب المصرية ، القاهرة ، ص 44 ـ 45 ، وكذلك : النعيمي ، الدارس فيما في دمشق من المدارس ، مرجع سابق ، 1 / 618 ـ 619

14 – يسري عبد الغني عبد الله ، دور الأوقاف الإسلامية في دعم التعليم والثقافة ، القاهرة ، 2009 م

15 – سبق للباحث أن تناول موضوع التعليم في عهد نور الدين زنكي ، وذلك أكثر من مرة ولكن من زوايا مختلفة ، وذلك ضمن اهتمام الباحث بالتعليم في الإسلام بوجه عام ، لذا لزم التنويه
_______

*باحث وخبير في التراث الثقافي

 

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *