“راوي مراكش” الهندي

خاص- ثقافات

*الحبيب الدائم ربي

     شكّلت ساحة “جامع الفنا” بمدينة مراكش المغربية مرجعا مكانيا يلتقي فيه الواقعي بالأسطوري، التاريخي بالراهن، في تناغم بديع، بالنظر إلى ما يطبعها من حركية سياحية وتجارية وما يُعرض فيها من فرجة على مدار الأيام في الهواء الطلق، من قبل حكواتيين وبهلوانات وموسيقين ومروضي أفاع وقرّادين وما لا يخطر على البال. مما جعلها، حسب تصنيف مؤسسة “أديوزو” لسنة 2014 ،   تحتل المرتبة الثانية من بين  أحسن عشر وجهات سياحية عالمية،  ، نظرا لتفردها ورمزيتها التاريخية والراهنة، إذ يعود تاريخها إلى القرن الحادي عشر، مع ميلاد مدينة مراكش الحمراء. وهو تاريخ حافل بالمفارقات والتحولات. فمن ساحة لحشد الجيوش والإعدامات إلى “ركح” للفرجة الباذخة. وكونها في مركز المدينة جعلها محجا لكل زائر ومصدر إلهام لعدد غير قليل من الكتاب والمبدعين العالميين،  الذين اتخذوا منها  مجالا خصيبا تم استثماره في نصوصهم الإبداعية(الروائية). إذ يكفي مثلا أن نشير إلى ماقاله أو كتبه  لويس بورخيس الأرجنتيني و إلياس كانيتي الألماني وخوان غويتسيلو الإسباني. من ثم فليس غريبا أن ينبهر بفرادتها كاتب هندي كجويديب روي باتاجاريا، هو المولع بمحكيات الأسفار، ليخصها برواية تحمل عنوان “حكواتي مراكش” The Storyteller of Marrakesh. التي ستتم ترجمتها للغة العربية على يد الكاتب الروائي العراقي علي عبد الأمير صالح بوسم “راوي مراكش” بمراجعة الدكتور أحمد من مصر. ضمن العدد 415 لشهر أكتوبر 2016 من سلسلة “إبداعات عالمية”، التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت.

22

      وبغض النظر عن القيمة الفعلية لهذه الرواية الإثنوغرافية الواقعة في أكثر من أربع مائة صفحة من القطع المتوسط، التي حاولت تجميع أكبر قدر ممكن المعلومات عن المغرب وثقافته، وعن “ساحة جامع الفنا” بالخصوص، سيما وأنها جرّبت سردية محاكية لفعل رواة حلقات هذه الساحة، وهي سردية شبيهة بتلك المعتمدة في ألف ليلة وليلة  التي تتناسل فيها الحكايا من بعضها. بل وبغض النظر عن مدى أمانة نقل هذه الرواية إلى لغة الضاد على مستوى الإخلاص لروح النص الأصلي لغة وأسلوبا. إلا أننا، وحتى دونما اطلاع على الأصل الإنجليزي، نستطيع الخروج، مع ذلك، بانطباع مفاده أن الأهم في هذا العمل الأدبي قد تم تضييعه نتيجة غياب ما يكفي من  ثقافة تاريخية وجغرافية واجتماعية حول المغرب، للمترجم والمراجع على السواء. والدليل ما تعرضت إليه كثير من خصوصيات هذا البلد من تحوير طمس معالمه جزئيا أو كليا. مما  أخل بروح الرواية إخلالا كبيرا. وكان بالوسع، بقليل من التريث  وبالاعتماد على هوامش النص الأصلي، تفادي هذه “الخيانة” المضاعفة التي لم تُبق من أثر مراكش إلا عنوان الرواية، والحال أنه من المفترض أن الرواية تحتفي بالفضاء المراكشي وبفضاء المغرب ككل. وللتمثيل على ما نقول  سنقتصر هنا على عرض عينة من  التحريفات التي طاولت “الأسماء” في ترجمة هذه الرواية، ولربما ما لحق غيرها أفظع:

فـ”سوق الزرابي” صارت “سوق زرابيا”، ومدينة طان طان أضحت “تان تان”، وتافراوت تحولت إلى تافروتة، فيما درب دباشي(أو ضباشي) غدا “درب دباجي”، أما مدينة سلا فقد صارت تسمى “سالي” ، وعلى هذا المنوال أصبح درب السمارين “درب سمارين”، و شفشاون “جفجوان”، و قلعة مكونة “قلعة ماغونة”، وإيميلشيل “إيميلتشيل”،و وادي درعة “وادي دراع”، وجامع المواسين”جامع مواسين”، وصنهاجة”سنهاجة”، والساقية الحمراء”ساقية الحمرا”، وآسفي “صفي”، وأمزميز”أميزميز”، وكولمين”غوليمين”، وفندق المامونية”فندق لامامونية”،   وجبل توبقال جبل توبكال”، ومليلية”مليلة”،  وأكدال”الأغدال”، والسمارة”سمارة”، والخطارة”الخيتارة”، والخطارات”الخيتارات”،   وأزرو “عزرو” ، والأمثلة لا تعد ولا تحصى.

11

     ومثل هذه  التصحيفات مست ما لاحصر له من الأسماء المرتبطة بهذا الفضاء. فأكلة البسطيلة، الشهيرة بالمغرب،  تحولت في الترجمة إلى “البستلة”، مرة،  ومرة أخرى  إلى  “الباستيللا”، أما شراب الخودنجال المعروف في ساحة جامع الفنا، فقد صار”خيدنجال”، ناهيك عن كون الآت الموسيقية كالطر والطعريجة والكدرة والكَنبري والقرقابات ترجمت، على التوالي، هكذا: التار، التاريجا، الكديرة، الجمبري، الكركبات…بل إن كلمات قريبة من الفصحى تم تشويهها من قبيل الزواق( أي الزخرفة) التي أضحت”زواك”، والمكحلة(أي البندقية التقليدية) انقلبت إلى “الموكالها”، وتاشلحيت(أي اللغة الأمازيغية) تحوّلت، تارة،  إلى ” التاشيلهايت”، وتارة أخرى، إلى “تاشيللهيت”. بينما غدت تدلاكت(وهي تقنية في تبليط الأسوار) “تيدلكات”أو “تاديلكت” حسب مزاج المترجم.. وفوق هذا صار باشا مراكش القديم  التهامي الكلاوي يحمل اسما غريبا هو “غلاوي باشا”.

51Wq69YK0pL

     لا نريد أن نسترسل في تبيان مواطن الخلل في ترجمة هذه الرواية، وإنما نريد أن نؤكد على أن الترجمة ليست مجرد تحويل لغوي تقني وإنما هي، وبالأساس، تشرّب لفحوى ما تحمله هذه اللغة من قيم  ثقافية وحضارية . لهذا فإذا كان النص  الإنجليزي لـ”راوي مراكش”يتحدث عن مراكش وحكواتييها، وعن المغرب وثقافته، فإن النسخة العربية كانت تتحدث، ربما، عن مكان آخر بلغة أخرى.

 

 

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *