ممتاز.. هذه رواية جوائز..!

*هيثم حسين

هناك أوصاف يطلقها الإعلام على بعض الأعمال الأدبيّة تحتمل تأويلها بمفهومين متناقضين ومعنيين متضاربين، يمكن تلقّفها من باب تعظيم العمل أو من باب تقزيمه، وهذا يعتمد على التلقّي والتوجّه، ولا تكون المقاصد بريئة من السير وراء ضجيج مفتعل، أو بريق خاطف يوحي بالاستمراريّة.

من التوصيفات التي راجت وتروّج في عالم الرواية توصيف رواية ما بأنّها “رواية جوائز” أو “رواية الجوائز”. إذا أخذنا الأمر من منطلق الاحتفاء بالعمل فيمكن القول عنه إنّه لافت ومميّز ومحكم ومحبوك فنّيّاً ويعالج مواضيع غير مطروقة أو يعالجها بأسلوب ذكيّ مميّز يؤهّله للتتويج بأرفع الجوائز المخصّصة للرواية. لكن إذا قاربنا المسألة من زاوية مخالفة، مختلفة، ربّما نمضي في تأويل ما بين السطور، وما يكمن وراء التوصيف المدرج الذي يقصد به تقدير العمل وصاحبه، لنقف على عتبة عقد غير مكتوب في ميدان الجوائز، ربّما يعمل عليه بعض الأدباء والناشرين ويشتغلون على أساسه بطريقة غير معلنة، ويتضمّن تدبيج عوالم تكون موضع رضى أو قبول مجتمع القرّاء الذي يتخيّلونه على طريقتهم، ويمارسون نوعاً من الوصاية باسمه، وعليه أيضاً، ومن ثم توجيه الأنظار إلى خرق المحظورات وتجاوز الخطوط الحمر للإيحاء بالتميّز والتغطية على ما يمكن أن يكون موضع تحفّظ ما مفترض.

تشير “رواية الجوائز” إلى حالة من الضبابيّة، قد يفضّل أن تكون مكتوبة بعناية تلامس الخطوط الحمراء من دون الغوص فيها، تلمّح ولا تصرّح، وسيعتبر هذا امتيازاً في حال تتويجها، بأنّها تعتمد التورية والاستعارة في مقارباتها ومعالجاتها، وأنّها تتخفّف من المباشرة والمواجهة، وهذا ما يضمن لها التملّص من رقابات الأنظمة والمرور في معارض الكتاب وأماكن البيع هنا وهناك بسهولة ويسر دون إثارة المشاكل مع السلطات المتحكّمة سواء كانت دينية أو سياسيّة.

ربّما تشكّل الجوائز المخصّصة للاحتفاء بالفنّ الروائيّ خطراً بمعنى ما وبصيغة خفيّة غير مرئيّة وغير واضحة على الرواية نفسها، وذلك حين تنقاد الرواية، بناء على طلب الناشرين والفاعلين في حقل التتويج والمطّلعين على سياساته وآليّاته، إلى التقولب والاستمتاع بتوصيف “رواية جوائز/ الجوائز” لتغرق في بحيرة مغلقة من الكتابة تحت الطلب، والكتابة طلباً للجائزة لا غير.

يكون الروائيّ السائر وراء قولبة عمله وصياغة موضوعات بعينها لأنّها مرغوبة ومطلوبة من الجمهور ودور النشر شريكاً في تسطيح الرواية، متغرّباً عن ذاته لإرضاء آخرين يستمتعون بدور الوصاية الذي يمارسونه، وهذا ما يناقض مفهوم الحرّيّة في الأدب، ويدمّر الرواية تحت زعم تنشيطها وترويجها وتسويقها وتقديمها على أنّها فنّ العصر الحديث الأكثر تأثيراً وحضوراً.

_______
*العرب

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *