أنيس منصور في حديثٍ حَصريّ لم يُنشَر من قبل في حياته

 

خاص- ثقافات

  د. محمّد محمّد الخطّابي *

عندما أجريتُ هذا اللقاء مع الكاتب الكبير الرّاحل أنيس منصور فى مكتبه بجريدة ” أخبار اليوم”،كنت حينها فى السنة الرابعة النهائيّة بكلية الآداب بجامعة عين شمس بالقاهرة أوائل السبعينيات من القرن الفارط. بعد تخرّجي عدتُ إلى المغرب، والتحقتُ للعمل خبيراً ومستشاراً بمكتب تنسيق التعريب فى الوطن العربي التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو)،الذي كان مقرّه وما يزال بالعاصمة المغربية الرّباط ،كما كنت أشرف فى ذات الوقت على أبواب ثابتة فى مجلّته الكبرى الشّهيرة” اللسان العربي” التي ما زالت تصدر إلى يومنا هذا.  وكنت إبّانئذٍ بشكلٍ موازٍ لهذا العمل أعدّ برنامجاً ثقافياً للتلفزيون المغربي تحت عنوان ” آفاق فكرية” ، وشاءت الأقدار أن جاء أنيس منصور إلى المغرب للمشاركة فى تظاهرة ثقافية حول ذكرى رحيل المرحوم طه حسين، التي كنت قد شاركتُ فيها ببحثٍ بعنوان ( من مظاهر الطموح فى شخصّية صاحب الأيّام) وكان أنيس منصور نازلاّ فى فندق “حسّان” بالرباط، فشددتُ الرّحالَ إليه، والتقيتُ به فى هذا الفندق الفسيح والأنيق الذي تنبض،وتتألق وتتأنّق فيه مظاهر الحضارة  الأندلسية التي كان للمغرب نصيب كبير ووافر فيها إلى جانب البلدان المغاربية الشقيقة ، بعد إبعاد الموريسكيّين عن ديارهم وأوطانهم فى الأندلس غداة سقوط  غرناطة آخر معاقل الإسلام فيها عام 1492.ضرب لي موعداً فى الحديقة الغنّاء ذات الطابع الأندلسي الأصيل ، وتذكّرَني سريعاً، وبادر إلى القول مازحاً – كما كان يقول لي فى القاهرة كلما التقيتُ به – :

” كيف الحال السّي محمّد.. لاَ بَاسْ..لاَ بَاسْ ” ،وكأنه يحدّثني باللهجة المغربية، وأجريتُ معه – آنذاك – لقاءً تلفزيونياً إستغرق حوالي ساعة من الزّمن، ومن أغرب المفاجآت التي باغتني بها خلال هذا اللقاء أن سألني عن الاستجواب الذي أجريتُه معه فى دار ” أخبار اليوم” فى القاهرة ، وكيف أنه لم يره منشوراً بعد، فشعرتُ بحرجٍ شديد، إلاّ أنني تحجّجتُ بمصادفة ذلك مع تخرجي ولم أتمكّن من نشره بعد، فقال لي عندئذٍ لا عليك ابعثه لي على مجلّة ” أكتوبر ” الذي كان يديرها فينشره لي بكل سرور، فاتفقنا على هذا الأساس ، وعاد أنيس منصور إلى القاهرة، بعد أن عاتبته أن كيف زار العالمَ كلّه فى 200 يوم (!) ولم يزر المغرب (ذيل الطاووس) ضمن جولاته المتعددة فى بلدان الله الواسعة إلاّ بعد أن نشر كتابه المشهور فى هذا القبيل وأعيد طبعه  فى العديد من المرّات.ولم أبعث له بنسخة من الاستجواب إيّاه..فخلته أنه قد ضاع منّي،لأنني لم أعثر له على أثر، وبالفعل بحثتُ عنه فى كلّ الرّزم وأكوام الكتب والأسفار والمجلدات والأوراق ، ومسودات بواكير كتاباتي الأولى التي استقدمتها معي من القاهرة،ولكنني لم أتمكّن من العثور عليه، فشعرتُ بأسىً بالغٍ، وبحزنٍ شديد ، وخجلتُ من نفسي، ومن مدى استهتاري غير المقصود، فالذي كان يشعر بالحسرة والألم هو أنا فى المقام الأوّل ، أمّا بالنسبة له فلابدّ أنه لم يكن يعني شيئاً بالنسبة له ، فهو كان يجري عشرات الاستجوابات واللقاءت الأدبية من هذا القبيل،فكان حتماً عليّ أن أعتذر للرّجل ،وأعبّر له عن أسفي العميق لأنني لم أستطع العثورعلى ضالتي التي كنت وما زلت أعتبرها شيئاً ثميناً بعد أن تهيّأت لي فرصة إجراء لقاء أدبي حصري مع هذا الكاتب الكبير الذي كان يسيطر على مجامعنا بكتاباته،ويأسرنا بأسلوبه الفريد ،والذي كنّا نلتهم كتبَه كالإشفنجات الساخنة المُغمّسة فى شهْدٍ شهيّ.

وشاءت الأقدار أن لا أعثر على هذا الحديث إلاّ  بعد إنتقاله إلى الرفيق الأعلى، وبعد سفرياتٍ ، ورحلاتٍ، وإقاماتٍ طويلة فى العديد من بلدان الله الواسعة فى المشرق العربي، وفى أوربّا ، وبعد تنقلي عبر بلدان  عديدة فى أمريكا اللاّتينية على امتداد مدّة زمنية استغرقت ما يناهز الثلاثين سنة خلال عملي فى السلك الدبلوماسي المغربي سكرتيراً، ومستشاراً، ووزيراً مفوّضاً، وقنصلاً عامّاً ،وأخيراً سفيراً. جاء فى هذا الاستجواب الطريف والمثير بالحرف الواحد ما يلي :

-محمّد-خطّابي

عن البراعم الأدبيّة والأبواب الحديديّة

( فى دردشة سريعة مع أنيس منصور ،قبل ان أسطّر كلمة،أو نصف كلمة،تريثت قليلاً، ظللت أحدّق النظر فى اليراع الذي يريد أن يجري عبر السطور مستعجلاً فى نقل الكلام الذي يمتلئ به صدري عن هذا اللقاء مع رجل له مكانته فى الوسط الثقافي المصري والعربي، وله إهتماماته الواسعة ،ومشاغله كمسؤول على صحيفة يومية كبرى ،واحتراماً ورعياً منّي لوقته الثمين ، كان علىَّ أن أبادر بالسؤال الأوّل،فقلت له :

*أحبّ أن أطرح عليكم سؤالاً أراه من الأهمية بمكان فى الوقت الراهن،وهو يتعلق بمشكة أدبائنا الناشئين الذين هم فى الواقع حلقة متسمرة تربط بعضها بمن سبقها، وبمن يليها، لذا كان لزاماً أن يولي المسؤولون اهتمامهم بمستقبل الأدب فى هذا البلد، وبمشكلة تلك البراعم الشابة الظمأى إلى الكثير من التشجيع والعون..ماذا ترون فى هذا الأمر إذا كانت محنتهم – كما أشرتم ذات مرّة- “..أنهم يكتبون أكثر ممّا يقرأون.. “..؟!

فأطرق قليلاً ، ثم طفق يجيب، فقال:

– من الضروري أن نهتمّ بالناشئين من الأدباء أو الفنانين أو العلماء،أو الرياضيين، لأنّ مهمّة الجيل الأكبر أن يتيح الفرصة للجيل الأصغر وبذلك يصبح قادراً على تحمّل أعباء القيادة والتوجيه فى هذا البلد.

وفي كلّ يوم ألتقي بعدد كبير من الناشئين ويكون بيننا دائماً هذا السؤال: أين ننشر ما نكتبه ؟ هذا السؤال يشير إلى إجابة مألوفة وهي أن هؤلاء الشبان يحلمون أن تنشر الصحف اليومية والمجلات الكبرى إنتاجهم الأدبي وهو لا شك حلم كل كاتب جديد وكل كاتب كبير أيضاً إلّا أن الصحف الكبرى لا تنشر عادة فى مصر أو غيرها من البلاد  الأخرى إنتاج الشبّان لانّ هذه الصحف الكبرى تنشر فقط لكبار الكتّاب المعترف بهم ، ومع ذلك فإن مجال نشر هذه التجارب الادبية ليس الصحف أو المجلات المعروفة،ولذلك نجد صحفاً ومجلات متخصّصة لنشر أحسن الاعمال الأدبية  والفنية  من إنتاج الشبّان لأنه لابدّ أن يشعر هؤلاء الشبّان بشئ من الصعوبة فى النشر وفى التأليف أيضاً وأن يصلوا إلى أحلامهم بالمعاناة وهذا يضطرهم إلى أن يكتبوا كثيراً ويجوّدوا إنتاجهم أو يحسّنوا ما يكتبونه وأن ينشروا أفضلَ ما لديهم.

أمّا الكتب التي يؤلفها الناشئون فقد أعدت الدولة أجهزة مختلفة للحفاوة بها وفى مجلس الفنون مشروع الكتاب الأوّل والقصّة الناجحة،وهناك أيضاً مشروعات للرسائل الجامعية كالماجستير والدكتوراه ومسابقات لأحسن مقال وأحسن قصة قصيرة ،واحسن القصائد،وفى الوزارات المختلفة مسابقات بهذا المعنى،وممّا لا شكّ فيه أن كلّ شاب يتعجّل النشر وهذا طبيعي ولكن يجب أن لا نشجّعه على التعجّل فى النشر،وإنما نشجّعه على النشر المتأنّي،وإذا كان التعجل والإندفاع والسرعة والخصوبة من صفات الشباب فإنّ مهمة الجيل الأكبر أن يلهم هذا الشباب الشئ الكثير من التأنّي والإتقان والتجديد ..وأن يقرأ أكثر ممّا ينشر، وكثيراً ما أسيئ فهم هذا التحفظ  من جانب الجيل الاكبر فاتّهم هذا الجيل بالجمود والرجعية أو الخوف من المنافسة إلى آخر هذه التهم التي لا تخيف لأنها ستظلّ دائماً بين كلّ الأجيال المتعاقبة. وإذا كان هذا الجيل الشاب متسرّعاً فسوف تكون هناك دائماً أجيال شابة من ملامحها السّرعة والتسرّع وإنه من الواجب أن نقول أن هناك فارقاً بين السرعة والتسرّع،والعلم فى العصر الحديث قد حقق سرعات هائلة فى حركة الأجسام الموجّهة فى الفضاء  فقد بلغت 27 ألف ميل فى الساعة ،ولكن هذه السرعة الكونية لم تتحقق إلاّ ببطء شديد فالإنسانية قد إستغرقت مئات السنين من العمل المتواصل المتكامل لتصل بهذه الأجسام لسرعتها وتكون فى نفس الوقت موجّهة فكأنّنا عندما حققنا السرعة حققناها ببطء..وإنه من الممكن مستقبلاً لأيّ أديب ناشئ تحقيق ظهور سريع أو نجاح سريع ولكنّ هذا النجاح لن يتحقّق له إلاّ نتيجة لجهود متواصلة ومتأنية ..وهذه نصيحة.

-فى-200-يوم

الزّمن أعظم المؤلّفين..

*ثمّ قلت له : إذا أردنا أن نوسّع دائرة نقاشنا حول المشكلة السابقة فإن الجامعة،أي جامعة فى بلادنا تقيم عديداً من المسابقات الأدبية وكلنا يعلم أن هناك من ينال إعجاب أساتذة متخصّصين ومن ثمّ يحظون بالفوز،ولكن ماذا بعد فوزهم هذا؟ عل يرى إنتاجهم النور أو يلقى به فى غياهب الظلمات ؟أعتقد أن الأمر الثاني هو الذي يحدث ..هل ترون فى هذا الصّنيع إنصافاً لهؤلاء ؟ حبذا لو علمنا رأي سيادتكم فى هذا القبيل ؟ فقال :

– من الواضح أن جامعاتنا النظرية والعلمية لا تشجّع كثيراً على البحث العلمي المستقل، وكذلك الإجتهادات الفكرية، حتى المجلات التي تصدر من كليات الجامعة هي مجلات خفيفة ،مجلات عائلية تحاول بقدر الإمكان أن تكون شبيهة بالمجلات المنتشرة  الفكاهية التي يجدها الإنسان ،ومعنى ذلك أن المجلات الجامعية قد فقدت المعنى المطلوب فبدلاً من أن تكون شيئاً جديداً إختارت أن تكون نسخة ركيكة للمجلات المنتشرة ، وبدلاً  من ان تكون علمية تحوّلت إلى مجلة كانت حائطية ثم جُمعت صفحاتها فى مجلد واحد، فى حين أنّ المطلوب منها هو شئ آخر وهو أن تكون وثيقة تاريخية لإجتهادات الطلبة والمدرّسين فى مجالات العلم والفكر والادب،لأنه من المطلوب أن تكون هذه المجلة أكثر رعاية لإنتاج أبنائها من المجلات الأخرى غير المتخصّصة والغير متحمّسة أيضاً لأفكار أو شطحات الناشئين.

وربما كانت هناك مجلات علمية أو أدبية فى بعض الكليات الجامعية  ولكن من الملاحظ أنها لا تحفل إلاّ بما يكتبه الاساتذة فقط فهي بذلك مجلات متخصصة خفيفة يكتبها الاساتذة للأساتذة ،ولكن الواجب الضروري هو أن المجلات الجامعية يجب ان تقدّم  أبناء الجامعة لابناء الجامعة وأن يقدّم الأساتذة  ثمرات وأفكاراً ملائمة مع مناقشة أو شرح أو تقييم  للتشجيع فإذا فعلوا ذلك كانت خدمة جليلة تؤدّيها الجامعة لابنائها  ولابناء هذا البلد ولكن الذي يحدث مع الأسف شئ آخر،فكلّ ما هناك من منافسات  أو مباريات لا تتجاوز المدرجات ويصبح بذلك جهود الطلبة النابهين صوتاً ثمّ صدىً مبدّداً ولكن من المؤكّد أن الموهبة إذا لم تظهر فى المباريات أو الكليات أو فى المجلات الجامعية فسوف تظهر حتماً فالزمن أعظم المؤلّفين..

كلّ لسانٍ فى الحقيقة إنسانُ..

*قلتُ له:  كثيراً ما تطالعنا” مواقفكم” بملاحظات دقيقة وذكيّة، أخصّ منها على سبيل المثال لا الحصر ، ضعف روح الوعي عند طلاّبنا الجامعيين،بما فى ذلك ضحالة مستوى إجادة اللغات الأجنية الحيّة التي أضحت فى عصرنا الحاضر سلاحاً ذا حدّين نواجه به أصدقاءنا وأعداءنا على حدّ سواء ،ونحطّم به الغربة التي بيننا وبين الشعوب ..ألم يقل الشاعر :  ( بقدرِ لغاتِ المرءِ يَكثرُ نفعهُ  / وتلك لهُ عند الشدائدِ أعوَانُ … فبادرْ إلى علمِ اللّغاتِ مُسارعاً /  فكلُّ لسانٍ فى الحقيقة إنسانُ ). هل من ملاحظةٍ أو إشارةٍ لسدّ هذه الهوّة ؟..فقال:

–  هذا شعر جميل، ومضمونه أجمل،إلاّ أنّ هذه مشكلة هامة وهي لا تعالج فى الجامعة عادة وإنما يبدأ علاجها فى المراحل الأولى للتعليم ،وإذا كنتَ قد ذكرتَ فى سؤالك اللغات الاجنبية على سبيل المثال فإنني أضيف إليها اللغة العربية أيضاً فليست معلوماتنا نحن العرب المصريين للّغة العربية ما يشرّفها، فإنه من المُخجل حقّاً ألاّ يعرف اللغة العربية أكثر المتحدّثين فى الإذاعة والتلفزيون وفى الأندية وأساتذة الجامعات،وهذا عار قومي لا نسكت عليه فقبل أن نطالب بتعليم اللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو الإسبانية ابادر فاطلب بتعليم اللغة العربية ،والسؤال الآن على نحو آخر:لماذا ضعف مستوى اللغة العربية ..؟ لماذا لا نعرف كيف ننطق حروفَ الهجاء، حروف القاف والثاء والظاء ..وغير ذلك من الكلمات العربية التي تتكسّر وتلتوي وتخرج من أفواهنا مشوّهة ؟ لابدّ أن يكون السبب راجعاً إلى أساليب التعليم فى المدارس الإبتدائية والثانوية وبعد ذلك الجامعة..هناك خطأ مّا يجب ان نبحث عنه فى تدريس وتلقين وإختيار المناهج المناسبة البلاغية والشعرية أو الكتب المقرّرة على المدارس، وهناك خطأ مّا فى مُدرّسي اللغة العربية ،وايضاً فى توزيع الدرجات على علوم اللغة العربية،وهناك خطا أكبر فى النماذج المشهورة المعروفة أمام الناس أعني بذلك حضرات السادة المذيعين وقرّاء نشرات الاخبار فى الإذاعة والتلفزيون ،واكثرهم لا يعرف اللغة العربية ولا يجيد نطقها،هذا فيما يتعلق باللغة العربية،ومع ذلك نحن ندّعي أننا أصحاب الريادة فى اللغة العربية ،وأخطاؤنا فى اللغة العربية والنحوية وغيرها منتشرة من الخليج إلى المحيط بسرعة 86 ألف ميل فى الساعة..!!

وتبقى ملحوظة صغيرة أخيرة لا أستطيع أن أتصوّر أنّ بلداً مثل مصر فى حالة حرب طويلة مع إسرائيل ( لا يمكن ان تنتهي هذه الحالة فى سنة أو عشرين سنة) ومع ذلك لا نجد اللغة العبرية مقرّرة فى كلية واحدة مع أنّ العلماء اليهود قد شاركوا فى إعداد القواميس العربية ودائرة المعارف الإسلامية ،وترجموا بعض مؤلفات توفيق الحكيم وطه حسين ،و” أبا إيبان” مثلاً جاء إلى القاهرة سنة 1945 وألقى محاضرة باللغة العربية  فى نادي الضبّاط يرثي أحدَ المستشرقين الإنجليز وهو ” نكلسون” وقد حضرتُ هذه المحاضرة ،وإستهلّ كلمته بالقرآن الكريم وبأحاديث نبوية ،ولقد قال أكثر من مرّة: لقد إستمعتُ إلى خطاب الرّئيس عبد الناصر باللغة العربية..

وهو الذي ترجم كتاب ” يوميات نائب فى الأرياف” إلى اللغة الإنجليزية بعنوان ” متاهات العدالة” وغيره كثيرون ..وإذا أنت تلفتَ حولك من بين المصريين الذين يعرفون اللغة العبرية لوجدتَ أنهم عدد قليل جدّاً لا يعرفهم أحد، وليست المشكلة هي مشكلة اللغة الاجنبية ولا العربية وإنما هي مشكلة  كلّ ما هو حيوي فى حياتنا ومصالحنا ومصائرنا والسلام.

رجل يقبع فى الذاكرة

تقول الكاتبة سهير حلمي عن هذا الرّجل الذي لا يُنسي يقبع في الذاكرة في قرار مكين :  ” نصوص أنيس منصور لم تعلن وفاتها بموت المؤلف.. وكيف تموت كتابات من تنبأ بنبوغه العقاد، وطه حسين، ومحمود تيمور، وعبد الرّحمن بدوي، وإحسان عبد القدوس؟.. قرّاء كاتبنا الكبير بالملايين.. وبالرغم من شعبيته وفتنتهم بوضوح المقصد وسلاسة اللغة وعمق الفكرة.. إلاّ أنّ قراءه لم يتطرفوا في حبه ولكن ربما أبغضه البعض وتحامل عليه بما ليس فيه.. ومن دلائل نضوجه الإنساني أنه كان يتقبل ذلك دون غضاضة بل ينصح الآخرين بعدم إهدار الطاقة فيما لا طائل منه من مناوشات وتلاسنات كلامية أو حوارات في برج بابل الذي يتحدث فيه الجميع مئات اللغات في وقت واحد كما كان يحلو له أن يطلق من تشبيهات.. إمتلك دوماً زمام نصّ لم يفلت منه قيد أنملة.. سواء أكان مقالاً أو مسرحية أو قصة أو دراسة نفسية أو ترجمات بتصرف.. عبر أجيال تدربت والتحمت بطقس القراءة حين تسدل شراشف الليل ويخفت ضوء النجوم ويصمت صخب النهار.. توالت قراءات أديبنا الكبير بسيل من التراكم المعرفي في كافة المجالات من السيرة الذاتية إلي سطح القمر مروراً بالأحداث الجارية محلياً وعالمياً..” . ( ولد أنيس منصور فى 18 أغسطس (آب) 1925 ، وتوفي فى 21 أكتوبر (تشرين أوّل) 2011).

****************

سفير سابق، وكاتب، وباحث، ومُترجم، وقاصّ من المغرب، عضو الأكاديميّة الإسبانيّة الأمريكيّة للآداب والعلوم – بوغوتا- كولومبيا.

 

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *