فخري صالح يطرح أسئلة الاستشراق في «كراهية الإسلام»

*محمد رفيق طيبي

حين يغوص القارئ في كتاب الناقد الأردني الحائز جائزة النقد الأدبي في فلسطين (1997) والموسوم بـ»كراهية الإسلام» سيجد عوالما تنبلج أمامه وتجرّه إلى ساحة النقاش والحيرة التي لا تتوقف أمام تهاطل الأسئلة المتعلقة بالهوية والذات والدين، وكلّما توغل القارئ أكثر في أغوار الكتاب الذي يقع في 190 صفحة والصادر عن الدار العربية للعلوم ناشرون في بيروت يجد أنّ حالة من العطش تشتد يرافقها نزيف حاد على مستوى اليقينيات التي صنعتها وسائل الإعلام العالمية والمحليّة.
فخري الصالح الذي عُرف كناقد أدبي قدّم مقاربات عميقة شرح من خلالها استراتيجية الدول الكبرى في مواجهة ظاهرة التطرّف وبيّن العلاقات الهلامية التي تجمع الشرق بالغرب من الداخل، مستعينا بجملة من الآراء والاستشهادات التي جُمعت خلال العقدين الأخيرين والصادرة عن شخصيات فكرية وسياسية على غرار كيشور محبوباني وفؤاد عجمي وتحسين بشير وحسن الترابي، وفي المقابل قدّم نظريات وأفكارا نشرت سنوات التسعينيات، يعتقد الكاتب أنّها نقطة الارتكاز التي دفعت إلى حرب أفغانستان (2001) وحرب العراق (2003) كنظرية صدام الحضارات التي صاغها العالم السياسي صمويل هنتنغتون والمنشورة في كتاب سنة 1996. أيضا ما كتبه أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة برنستون برنارد لويس (1916-) من طروحات ونظريات تصب في صالح الحرب ضد المسلمين، متهما مجموعة من الباحثين بالتنظير للكراهية وتبرير مختلف الحروب الأمريكية ضد المسلمين، ونجد صالح فخري لا يكتفي بعرض النظريات وتبيان الحقائق المدسوسة ضمنها، التي يمكن استخلاصها من خلال البحث الصارم، بل ينتقد ما يصفه بخيانة الأمانة العلمية والمعرفية لمهمة المؤرخ والباحث النزيه، حيث يرد على العديد من الآراء بتبيان مدى التصادم بين الالتزام بالحياد المعرفي والدخول في لعبة المصالح السياسية واستراتيجية الصراع.
يتصوّر الكاتب من خلال المقدمة التي استهل بها كتابه، أنّ العرب والمسلمين أصبحوا محط اهتمام وسائل الإعلام في الغرب لأسباب يلخصها بما حدث سنة 1973 حين أوقفت الدول العربية تزويد الدول الغربية بالنفط إثر اندلاع حرب تشرين الأول/أكتوبر، ويذهب إلى القول بأنّ تحولا كبيرا نحو الدراسات التي تهتم بالمنطقة شُرع فيه منذ تلك الحادثة التي رفعت من أهميّة الشرق الأوسط وزادت عدد الأقسام في الجامعات الغربية التي تدرس المساقات الخاصة بالمنطقة، حيث يعتقد الكاتب أنّ الإسلام يحتمل مكانة مرموقة داخل التفكير الغربي، من حيث البحث والاهتمام، خاصة مع بدايات القرن الواحد والعشرين الذي عرف تصاعد الظاهرة الإسلامية بشكل غير مسبوق.
الكاتب يطرح أسئلة الاستشراق ودوره في رسم صورة غير دقيقة للمسلمين ويحاول تفكيــــك الأسباب التاريخية والواقعية لما حدث خلال القرن المنصرم، فيفتح الحوار حول تدخل قوى ثقافية وسياسية في عملية حصر الرؤية حول العالم الإسلامي، وتضييق نطاق الحوار خدمة للسياسة.
ويبيّن كيف يمكن لروائي حائز جائزة نوبل أن ينزلق نحو مسارات لا تخدم السلام العالمي من خلال نصوص روائية تعزز من الطرح المنادي بكراهية الآخر، حيث استعرض أجزاء مهمة من روايات سوراجبراساد نيبول (نوبل للآداب 2001) الروائي البريطاني من أصول هندية الذي عرفه العالم الإسلامي بشكل جليّ بعد أحداث سبتمبر/أيلول 2001.
يمكن القول إنّ للكراهية جانبا واحدا مضيئا يتمثل في جعلنا نبحث أكثر ونتطلع لمعرفة الآخر بكل الأوجه عكس المحبة التي ترتبط بالاستسلام والتماهي، فالكراهية تصنع السؤال والإربـــاك الذي يدفع للبحث بعمق وتدبر في المسائل العلمية والفكرية التي تضع الحدود بيننا وبين الآخر المختلف لذلك كثيرة هي الأعمال الأكاديمية والأدبية التي كتبت أثر كراهية ما لجهة أو لفرد أو لديانة أو مجتمــع، ومن بينها هذا الكتاب الذي قدّمه فخري صــــالح في سياق الرد والتبيين والنقاش لأحداث سببها الأول كان الكراهية ونظرياتها.
_______
*القدس العربي

شاهد أيضاً

فصل من سيرة عبد الجبار الرفاعي

(ثقافات)                       الكاتب إنسان مُتبرع للبشرية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *