كتاب الرافد .. الْجوَائزُ الْعَرَبِيَّةُ

خاص- ثقافات

*إسراء المنسي

قال العالم اللغوي والفقيه ابن منظور في كتابه لسان العرب: “إن الجائزة في اللغة: العطية، يُقال: أجازه أي: أعطاه (جائزة)، والجمع (جوائز)، وأصلها أن أميرًا واقف عدوًا وبينهما نهر، فقال: من جاز هذا النهر له كذا، فكلما جاز منهم واحد أخذ جائزة”. والحق أن “الجائزة” في حد ذاتها أداة معنوية تُقدَّمُ لصاحبها الحقيقي المنتج الفعال في أي مجال من مجالات العلم والمعرفة، والإبداع في الفن والأدب، أي في جميع المجالات التي تسهم في تقديم المنفعة والخدمة للإنسانية. لقد عرفت الحضارات القديمة الجوائز التنافسية، إلا أنها لم توثق لها بقدر معتبر في أثارها، ولعل أقدم الحضارات التي عرفت الجوائز في المسابقات ووثقت تاريخها هي الحضارة الإغريقية، حيث كان قدماء الإغريق يكرمون العظماء منهم والمبدعين الحقيقيين بمنحهم الجوائز التي ستبقى شاهدة على تلك الإبداعات التي قدموها للبشرية.

إن للجوائز العامة أو المتخصصة قيمة لا ينكرها أحد في بناء المجتمع، لأن المجتمع المتقدم أو النامي يحتاج إلى التركيز على النجاح والتميز وإبرازهما، ويحتاج إلى محفزات وأليات لتحقيق ذلك، والجوائز هي إحداها. كثير من الجوائز أسهمت في تطوير قطاعات بعينها، فكما أسهمت جائزة بوليتزر في تطوير الصحافة، وأسهمت جائزة أوسكار في تطوير الصناعة السينمائية، فإن جوائز أخرى أقل شهرة وأكثر تخصصًا، أو أكثر محلية صنعت الأمر نفسه. عندما يطمح الإنسان أو تسعى المؤسسة جاهدة إلى تحقيق جائزة ما، ثم يُعطي المجتمع المؤسسة أو الفرد الأولوية بسبب الجائزة ويجعل طريقه ممهدًا، فهذا يعني تحول الجائزة إلى مُرشح أو “فلتر” لتحديد أولئك الذين يعبرون من ضفة الاجتهادات إلى ضفة التميز.

من الواضح أن الجوائز عمومًا بالمضمون والشكل المعاصر غربية المنشأ، لم يهتم بها الوطن العربي إلا من وقت قريب، بل وفجأة حيث تكاثرت وازدحمت ساحة الإبداع بالعديد منها في صحوة بعد جدب طويل غاب فيه الاحتفاء بالإبداع والمبدعين. فقد ظهرت في السنوات الأخيرة العديد من الجوائز المتخصصة ذات السمعة العالية في عديد من البلدان العربية، كرمز جميل يكرم بها المكدون والمجتهدون في البحث عن ألق الإبداع والابتكار والتفرد.

لذا يرصد هذا الكتاب (الصادر عن دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، 2016) الجوائز العربية المتخصصة في الوطن العربي في محاولة أولية لحصر ذلك العدد الضخم من الجوائز التي ربما يصعب على البعض تتبع أخبارها ومعرفة مواعيد دوراتها وأوقات الترشح لها وكيفية التواصل مع القائمين عليها. وابتغاءً لتحقيق الفائدة المرجوة من هذا الكتاب اعتمد الباحثان الدكتور أشرف صالح (جامعة ابن رشد)، والدكتور أنور زناتي (جامعة عين شمس) تصنيفين الأول؛ جوائز وفق المستوى الإقليمي (العربي)، والثاني جوائز وفق المستوى القُطْري (المحلي)، مع توزيع الجوائز على القسمين موضوعيًا حسب مجال التخصص، مما أدى بدوره في النهاية إلى محتوى معتبرًا لراغبي المشاركة والتنافس في الجوائز العربية.

الواقع أنَّ؛ للجوائز بعدان الأول منهما مادي ويتمثل في المبالغ التي يحصل عليها الفائز، والآخر إنساني معنوي، وهو الذي يخلد صاحبها ويرفع من رصيده عند زملائه ورؤساءه في العمل وأصدقائه. ويغلب على الجوائز حاليًا تكريم الانجازات المتحققة، ومَن قاموا بها أكثر من حث المبدعين على انجاز مشروعاتهم الإبداعية عن طريق تقديم جوائز لمشروعات أعمال تثبت أهمية مجالاتها والأهداف التي تسعى إليها، والنتائج التي يُرجى الوصول إليها، وبالتالي يمكن تحقيق التوازن بين التحفيز المباشر للإبداع المستقبلي، وبين التحفيز غير المباشر بتكريم الإبداع الذي تحقق بالفعل. الأمر الآخر الذي قد يكون جديرًا بالملاحظة؛ هو تعدد الجوائز ذات المنشأ العربي في المجال نفسه وللأهداف نفسها في المجتمع نفسه سواءً كان قطري أو إقليمي المستوى، وعليه فإن هذا التوازي في الفكر والأداء قد لا يؤدي إلى النتائج الأفضل والتي يمكن أن يحققها التضافر والتعاون فيما بينها.

والحق أن الجائزة أيًا كان نوعها ما هي إلا صدى لعملٍ مميز، وفي الوقت ذاته يجب أن تمنحها جهة قادرة على تمييز العمل من خلال معايير علمية دقيقة، تمكنها من القدرة على الحكم الحيادي والموضوعي، بحيث تكون الجائزة في النهاية شهادة للجهة الممنوحة لها على تميز الأداء في مجالها، وبرهانًا للجهة المانحة يؤكد قدرتها على الحكم والتفريق بين مَنْ يستحق ومَنْ لا يستحق.

__________

*كاتبة وأكاديمية من مصر

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *