الكتابة والتدريب

أمير تاج السر*

في الأسبوع الماضي، اختتمنا ورشة للتدريب على الكتابة بدعم من مؤسسة الحي الثقافي القطري “كتارا”، شارك فيها عدد من الكتاب، أو الذين يطمحون ليصبحوا كتابا في المستقبل، وكانت نتائجها جيدة للغاية، حيث حصلنا على اثني عشر نصا مبهرا ستنشر لاحقا في كتاب، وربما ستترجم النصوص إلى اللغة الإنجليزية أيضا.

هذه الورشة بدأت بعدد كبير من المشاركين الذين بدوا متحمسين للفكرة، وطرح أفكارهم والاستماع لطرق معالجتها وتطبيق ذلك عمليا، ثم أخذوا يتناقصون لسبب أو لآخر، وأرجح أن حماسهم قل، أو انشغلوا بأمور حياتية أخرى، وخاصة أن مثل هذا النشاط يعتبر حديثا في الوطن العربي، مقارنة بالغرب الذي يمارسه منذ زمن بعيد.

شاركتُ في هذه الورشة وورش كتابية أخرى مشرفا، وهي تدل بوضوح على أن الكتابة ليست شيئا يستحيل اكتساب خصائصه كما كان يعرف سابقا، وتلك المقولات المحبطة في شأن كل من لديه رغبة حتى وهو في سن متقدم ليكتب، وتلك السدود التي توضع أمامه، والعقبات المعنوية، صعبة التخطي، كل ذلك ليس صحيحا.

 

أمير تاج السر

موهبة الكتابة
والصحيح هو أن الموهبة التي يولد بها الشخص ككاتب أو رسام أو موسيقي، لا تمنع مطلقا أن يأتي آخرون ألموا بقواعد الكتابة وفوضاها المنظمة، وأخذوا الخلاصة من كتّاب سبقوهم بزمن، ليكتبوا هم أيضا أعمالا ربما تنافس أعمال الموهوبين.

وأنا أومن شخصيا بأن هناك موهوبين انشغلوا في زخم الحياة ودروبها الصعبة ونسوا أنهم موهوبون، ثم استيقظوا فجأة بعد سنوات طويلة، قد كبروا فيها، ليمسكوا بمواهبهم ويكتبوا أو يرسموا أو يؤلفوا الموسيقى، وأظن أن العالم الواسع مليء بأمثال هؤلاء، ومنهم جوزيه ساراماغو البرتغالي الذي لم يبدأ الكتابة صبيا ولا شابا، ولكن بعد أن اكتهل، وفي الوطن العربي يوجد أيضا كتّاب دخلوا المجال كبارا ونجحوا كثيرا.

في هذا الزمن بالتحديد، نتحدث كثيرا عن غزو الكتابة لأدمغة الناس ورغبة كل من تعلم أو امتلك معرفة في أي مجال أن يكتب تجربته، وتحدثنا كثيرا عن صعوبة العثور على مادة شيقة أو مميزة، وحتى عدم القدرة على الوصول لأي منتج مختلف وسط ذلك الضجيج.

هؤلاء الكتاب يندفعون بهذه الطريقة، مدفوعين بالرغبة الكبيرة، وقطعا هم بحاجة لمن يهذب إنتاجهم، ويجعل تلك الرغبة منضبطة بحيث تصبح الأفكار قابلة للإمساك بها وتنظيمها في نصوص قد تصبح ثرية لتلفت النظر.

ورش الكتابة بالقطع تفعل ذلك وأكثر، خاصة إن ارتبطت بالحماس ورغبة المشاركين في الاستفادة من خبرات بعضهم وخبرات المشرفين، لا التعالي عليها، وأعتقد أن التعالي عن الانضمام لورش تعلم أي حرفة سواء أكان ذلك كتابة أو رسما أو نحتا أو نسيجا لا يمنح المشترك أي عطاء.

لنتحدث عن اثني عشر نصا، أو فصلا من رواية، خرجنا بها من ورشة الحي الثقافي لمشاركين بدؤوا متحمسين، ولم يتغيبوا قط، وانشغلوا بأفكارهم وأفكار غيرهم، واستجابوا للتعليمات جيدا: كيف تكون البداية؟ ماذا بعد البداية؟ متى تأتي الحروف الجازمة والعاطفة؟ متى تنضبط اللغة ومتى يتغير مزاجها؟ وهكذا.

نشاط حيوي
تلقينا أفكارا كثيرة وعظيمة، وكل نص من تلك النصوص له فكرته الخاصة وأسلوب كتابته، وأغلب النصوص رويت بطريقة الأنا، وبدت لي مقاطع من سير ذاتية، لكن الموضوعات كانت مختلفة في كل نص.

توجد موضوعات اجتماعية وسياسية وتاريخية وفنتازيا، ولا يوجد أي تشابه، وهذا ما يؤكد أن من شاركوا فعلوا ذلك بوعي، ولم يتأثروا بأفكار بعضهم البعض، وكان كل يحمل ما يريد كتابته في ذهنه، وساعده التدريب على البوح بطريقة جيدة، أو طريقة يمكن لأي قارئ استيعابها والاستمتاع بها.

الورش بالطبع تمنح نصوصا قصيرة.. قصصا قصيرة أو فصلا واحدا من الروايات سيكملها المشترك فيما بعد، ومن المفترض أن تكون بالقواعد التي اكتسبها نفسها أثناء وجوده في ورشة الكتابة، لكن هل هذا صحيح؟

هل بإمكان كاتب غير متمرس شارك في ورشة، ونجح في إكمال روايته بلا ترنحات كثيرة، أن ينشرها بعد ذلك كنص كامل؟

بالطبع، لا يمكن اعتبار الأمر هينا، أي أن تكون الرواية كاملة بجودة الفصل الأول نفسها، تلك التي شارك في ثرائها عدد من زملاء الكاتب، وأقرها مشرف، كانت مهمة تصحيح المسار هي كبرى مهماته.

ما يحدث عند معظم من كتبوا هو أنهم ينسون ما اكتسبوه، ويكتبون بشيء من الإهمال، وإن تذكروا سيعودون ويحاولون تطبيق ما تذكروه، وتخرج الرواية في النهاية وهي قليلة الحيلة، وبحاجة لتدخل آخر من محترفين لضبطها.

وفي مقابل ذلك، هناك من يستمر بصورة جيدة ويصدر رواية فيها قليل من الهزات، ويمكنها أن تنافس في القراءة ويتعرض لها النقاد بكتابات منصفة.

خلاصة الأمر، وبناء على ما حدث في ورشة “كتارا” والورش التي سبقتها ويشرف عليها كتّاب غيري في أماكن كثيرة، يمكنني القول إن ورش الكتابة نشاط حيوي ومن الواجب أن يكون مرادفا لعملية الإبداع، وتفرد له مساحة أكبر في أذهاننا وأنشطتنا على حد سواء.
_________________

* الجزيرة

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *