«جند الله» أو خلية «داعش» الفرنسيّة

*فجر يعقوب

يقول معد الفيلم الوثائقي الفرنسي «جند الله» مارك أرموني، أنه تمكن من خلال اقتناء هوية مزوّرة، من اختراق خلية «محلية فرنسية» لتنظيم «داعش» قبل أن يصل الى معسكر تدريب خاص بها ليصور من خلال كاميرا خفية على مدى ستة شهور نشاطاتها الإرهابية. وقد استطاع خلال هذه الفترة، التقرّب من أميرها وكسب ثقته لمعرفة الطرق التي تتم من خلالها صناعة الشيفرات الخاصة بتجنيد مزيد من الشبان من طريق مواقع التواصل الاجتماعي، بخاصة «فايسبوك».

الفيلم الذي عرض على التلفزيون السويدي (57 دقيقة) في الذكرى الأولى لهجمات باريس، يقدّم تلك الصورة التي عرف بها مقاتلو هذا التنظيم الإرهابي بعدما شاعت عبر وسائل الإعلام، لكن من زاوية قد تبدو هامشية قليلاً، أمكن من خلالها معرفة بعض الميول النفسية لشخصيات مثل أسامة، أبو حمزة، أبو شهيد.

ليس بعيداً من هذا التعليب الوثائقي الذي يميل الفيلم الى تكديسه في رسم صورة المسلم الراديكالي الجديد، اقتحام شيفرات بعض العمليات الإرهابية التي كانت تحدث في أماكن متفرقة، ومعرفة أخبار منفذيها عبر حذق المعد المتخفي ومعه كاميرا قلقة ساعدت على خلق توتر إضافي في اللقاءات التي يجريها مع عناصر هذه الخلية في بعض الضواحي الفرنسية، حيث يزيد التهميش من سخونة في تطرفها وشذوذها النفسي والاجتماعي بغية خلق «المسلم الأعلى» كما يرى المحلل النفسي التونسي فتحي بن سلامة، صاحب الكتاب الشهير «الإسلام والتحليل النفسي»، في ظهوره لدقائق قليلة في الفيلم معلقاً على مجزرة باتكلان.

قدرة هذه العناصر الراديكالية على الاحتفاء بكل خبر جديد عن تفجير هنا، أو ارتكاب مجزرة هناك، تفسح المجال للتأمل من زوايا أقل حيادية بهذا الجيل الذي يكسب خبرات الإرهاب بسهولة تعاطيه المخدرات والكحول عبر مواقع التواصل الاجتماعي. لم يعد صعباً الوصول الى «المعلومة صفر» الخاصة بكل شيء، وفي الوقت ذاته ليست خاصة بأي شيء، وهذه خاصية خطرة لم يعد ممكناً السيطرة عليها. ما بين المجزرة الأخرى التي يصفّق لها أسامة والآخر الذي ينحني، ثمة مساحة تضيق على صناعة فهم خطر يهدد بشمولية وتفشٍّ قد لا يمكن السيطرة عليهما، وهذا ما يستفيد منه تنظيم «داعش» في إعادة إنتاج الإرهاب الافتراضي ليصبح ماكينة تفريخ واقعية في نفوس هؤلاء الشبان الضائعين.

بدا سهلاً أمام المخرج أرموني، أن يكسب ثقة فتاة فرنسية مسلمة لدرجة أنها سلمته كما يظهر في الفيلم مخطط عملية تفجير في أحد الأماكن، لكن الأمن الفرنسي الذي لم يكن غائباً عن الظهور في الفيلم من خلال شخصية استخباراتية غامضة، تمكّن من إفشالها بسهولة. يمكن التعرف بسهولة الى شخصية أسامة. شاب عشريني متردد ومهزوز، فشل في الانتساب الى الجيش الفرنسي بسبب تعاطيه الكحول والمخدرات ليصبح على بعد أمتار قليلة من تفكير التنظيم الإرهابي، ويحاول الذهاب الى سورية للقتال فيها، لكن السلطات الأمنية الفرنسية تعتقله وتلقي به في السجن، وبعد خروجه يؤسس خلية ويصبح أميراً لها.

ليس من اهتمام الفيلم الوثائقي التخفيف من جرعات صادمة في متابعته شباناً فرنسيين من أصول عربية يحرّضون على القتل في كل كلمة ينطقون بها، حتى وإن ظهر قائلها مختلاً، بخاصة في لحظات التهليل بمجزرة باتكلان والضحايا الـ130 الذين سقطوا فيها. يمكن أي مشاهد عادي أن يكتشف سلوكاً غير طبيعي يقدم عليه هؤلاء الشبان، بتأثير المخدرات ربما، أو أشياء أخرى في أحاديثهم عن الشهادة والجنة وما ينتظرهم فيها من نساء وقصور.

عمليات مسح الدماغ التي يتعرضون لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي تصبح أشد خطراً وقسوة حين يمرون في امتحانات تدعو «المحتفى» بهم الى تبني الأفكار الأشد تطرفاً في زرع الموت في كل شيء كعقوبة قصوى للكفار.

يقول أسامة في معرض تعريفه لنفسه في بداية الفيلم: أنا مسلم وأنتمي الى القتلة في باتكلان.

كل شيء في فيلم «جند الله» قابل لأن يصبح جزءاً من واقع جهنمي. التواصل بين الجهاديين من خلال شبكات اجتماعية آمنة. حوارات مكثفة مع سجين فرنسي ونقل رسائل مشفرة في أكثر من اتجاه للتعمية على الهدف الرئيسي، إذ ينشغل الفيلم بمحاولات تفسير مفهوم «التقية» عند «داعش» والحركات الجهادية.

انتقال بعض الشبان الى مدينة الرقة السورية لتنفيذ عمليات انتحارية وإرسال الصور لتشجيع الآخرين على السير في الطريق ذاته. وكل شيء قابل للتغيير في آخر لحظة: الرسائل تكتب بخط اليد وتسلم باليد حتى لا يتم تعقبها، حتى عبر الشبكات الآمنة، والأسلحة تصل الى أي مكان يريده «أمير» التنظيم.
_____
*الحياة

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *