نصوص عن عالم الروح للفيلسوف الألماني إريك فروم

بيروت- كتاب “حب الحياة.. نصوص مختارة” لإريك فروم وترجمة واختيار الباحث حميد لشهب، يقدم صورة متنوعة عن فكر الفيلسوف وعالم النفس الألماني الأميركي، الذي يعد من أهم مفكري القرن العشرين، وأكثرهم سلاسة في ما قدمه منتصرا للإنسان أينما كان، ودون انحياز.

ويقول راينر فونك، آخر تلامذة فروم والوارث الشرعي لإرثه الفكري، في تقديمه لهذا الكتاب “كانت لفروم معرفة واسعة في السيكولوجيا والسوسيولوجيا والفلسفة والسياسة والتاريخ والدين والبيولوجيا وعلم السلوك المقارن إلخ… ولشهرته في ميدان علم الاجتماع النفسي ارتباط وثيق بمعهد الدراسات الاجتماعية، ما سمي في ما بعد مدرسة فرانكفورت، وبفكر ماركس”.

ويضيف مترجم الكتاب، الصادر عن دار “جداول للطباعة والنشر والترجمة” ببيروت، “على الرغم من التأثير الكبير الذي مارسه التفكير الماركسي على فروم، وعلى الرغم من أن ماركس قد نعت الدين بـ’أفيون الشعوب’، وحشر الإيمان والاعتقاد في خانة الخرافات، إلا أن فروم أفرد أهمية خاصة لدراسة الجانب الروحي في الإنسان، وأكد على ضرورة فتح عالم الروحانيات على مصراعيه، لأنه العالم الوحيد الذي يعكس الطبيعة الإنسانية كما هي، على اعتبار أن هذا العالم يخول للإنسان أن يكون إنسانا بنجاحاته وإحباطاته، بسعادته وتعاسته، بخوفه وشجاعته إلخ… وقد خصص كتبا مختلفة لهذا الموضوع، إلا أن أهم مؤلفاته في هذا المضمار هو كتابه ‘التحليل النفسي والأخلاق’ الذي صدر عام 1947”.

_14797424865

لا يربط فروم الاعتقاد أو الإيمان الروحي بدين معين ولا بفكرة إله محددة، بقدر ما يعتبره -الإيمان- خاصية إنسانية جد مهمة، يمكن أن تتمظهر في أشكال مختلفة، حيث نجد انفتاح الإنسان على عوالم أخرى. ولا تفترض المعتقدات الروحية للإنسان بالضرورة فكرة المقدس أو الذات المطلقة أو “المحرك الذي لا يتحرك”، وما إلى ذلك من مسميات ميتافيزيقية، بقدر ما تتطلب معاشا نفسيا وتجربة شخصية، يعيش فيها الإنسان كل مرة تجربة روحية فريدة من نوعها، يشعر فيها بإنسانيته مكتملة.

وقد تتمظهر هذه التجربة بطريقة التسامي في أعمال إبداعية كفن الرسم أو الموسيقى أو الكتابة، أو حتى في أعمال اجتماعية خيرية كالاهتمام بالمهمشين في مجتمع ما. كما أنه يميز في الاعتقاد بين الاعتقاد اللاعقلي، قريب من السادية، لأن موضوع الإيمان يكون مؤسسا على الخضوع الأعمى اللاواعي واللاعقلاني لشخص أو لشيء، والاعتقاد العقلي، له علاقة بالاقتناع العقلي والنفسي بمضمون موضوع الإيمان، الذي لا يكون مؤسسا على الخضوع والخوف اللاواعيين، بل على الثقة المنطقية في كفاءة الشخص أو الشيء موضوع الإيمان.

ويُعلِّل حميد لشهب هذه الترجمة، مؤكدا أنه ركز اهتمامه في اختيار النصوص التي ترجمها لإيريك فروم في هذا الكتاب على النصوص النقدية، وبالخصوص تلك التي تهتم بتحليل المجتمع المصنع وثقافة الاستهلاك المرتبطة بالنظام الرأسمالي الليبرالي، بُغية فهم مواطن الخلل التي شخصها فروم والتعرف على الحلول التي اقترحها.

كما اختيرت نصوص لفروم تضم أطروحاته وفهمه للدين وللإشكاليات الوجودية الناتجة عن الإقصاء الشبه التام في المجتمعات المصنعة لهذا الأساس الروحي للإنسان، وما خلفه ذلك من نتائج على الصحة النفسية للكائن البشري.

ولا بد من الإشارة في هذا الإطار إلى أن فروم ظل وفيا لمبدئه المتمثل في الالتزام بالتأليف في المواضيع التي كان يتعمق فيها بالبحث والتحليل. ومن جهة أخرى فقد أغنى مترجم الكتاب النصوص التي اختارها لفروم بأفكار لعالم النفس والفيلسوف الألماني الأميركي المتعلقة بالنزعة الإنسانية، ودفاعه غير المشروط عن هذه النزعة، محاولا بذلك تبيان المركزية الغربية، وهي مركزية تصدى لها بنقد عميق، منبها بأنها تقود إلى غطرسة ونرجسية لا تخدمان بحال من الأحوال الإنسانية، بل تقودانها إلى ويلات الحروب والنزاعات الاقتصادية والسياسية.
_________

*العرب

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *