لغو الحياة

خاص- ثقافات

*ريشة وكلمات د. سمر الشامسي

قيل عن اللغو إنه التكلم بما لا يعني، أو رفَث التّكلّم، أو أنه الذي لا يحمل أي معنى أو مضمون ، وقيل أيضاً ما لا يعتدّ به لقلّته أو لخروجه على غير جهة الاعتماد من فاعله. كما يفهم اللغو على أنه ما تسبق إليه الألسنة من القول على غير قصد ، وقد يسمّى كلّ الكلام القبيح لغوا.
وإذا كانت الأيادي والأكفف في لوحتنا محل الحديث تبدو للوهلة الأولى في حالة «إمساك»، فإنما تترجم حالة اللغط واللغو والازدحام والعشوائية السائدة في التعاملات اليومية والحياتية المستمرة بين الناس، وهي أيضا حالة من حالات استخدام إحدى اليدين في عدم تفويت أوتضييع ما تمسك به.

نحن نمسك الأشياء لأننا نحتاجها، أو كي نمتلكها ونطوعها لحاجاتنا ورغباتنا، وأحياناً كي لا نفقدها أو لا تطير منا. ونقبض على الأشياء المهمة حتى لا تطير إلى غير رجعة، ولا نعرف أين ذهبت. أما الثانية فإننا نمسك بالأشياء بيدينا كي لا تسقط بفعل الجاذبية.ومنا كثيرين أسقطو قلوبهم التي كانوا يحملونها بأيديهم، فتحطمت بسبب اهمالهم أوتقصيرهم ، أو لجهلهم بقيمتها، وندموا في وقت لا ينفع فيه الندم.

hands4higres

أما الحالة الثالثة، فنحن نمسك بالأشياء كي لا تهرب منا، وكثيراً ما هربت الأشياء القيمة والغالية أوالمتواضعة والتافهة، ولم ندرك قيمتها مهما كانت تافهة إلا بعد أن طارت وفقدناها للأبد وسط لهو الحياة ولغوها.
« اتفقنا على ألا نتفق » جملة تقال في خضم العمل السياسي، ويعتبرها البعض أنها تخص المجال السياسي وحده، بينما اللوحة  تعبر عن هذا المعنى  بطريقة قد تبدو «رومانسية» وأحيانا أسرية أو اجتماعية، لكنها من المؤكد أنها تنطوي على معنىً فضفاض أومطاطي أو هلامي كما وصفها البعض ، بينما عبرت عنها اللوحة بطريقة رومانسية وحميمية. فعندما يختلف الأحبة ويفقدوا «بوصلة» نقطة الالتقاء أو الاتفاق تكون النتيجة  التباين أو التنافر أو اختلاف وجهات النظر .
فالامساك بالأشياء مهما كانت قيمتها قد تبدو فلسفة أنانية أو نفعية، لكن هل يبدو تشابك الأيدي وهي حالة من أجمل الظواهرالانسانية، تعبير حي عن هذه الفلسفة؟
هل هذا التشابك العنكبوتي للأيدي يعكس طبيعة الاتصال البشري؟ هل تشابك الأيدي يؤدي إلى تشابك القلوب؟
طبيعة الأمور تؤدي إلى الإجابة بـ«نعم»، لكن الحياة تشكو ضغوطها، ولغطها، ولغو أحاسيس الناس وسط الصراعات والنزاعات والحروب والمصالح والازدحام والعشوائية في تعاملاتنا اليومية، شعوب مهما اختلفت ألوان أيديهم وأكفهم وبشرتهم، وأصبحت عوامل الفرقة والانقسام أكثر وأقوى، وفرضت هيمنتها على مفاصل الحياة ومظاهرها، وأصبح الكلام عن العودة إلى قيم وثقافة التواصل والتماسك لغو في لغو إلى ما لا نهاية!
ومع ذلك.. لن نتراجع عن لغة التفاؤل .. ودمتم في تشابك وتماسك.. لكن ليس بالأيدي فقط، إنما بالقلوب الصافية مهما كان لونها.

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *