موراكامي.. ماراثون وعزلة

*لطفية الدليمي

خيّب هاروكي موراكامي  آمال قرائه في مهرجان القراءة الذي أقيم قبل عامين في أوكلاند بنيوزيلندا ؛ فقد تجمعت أعداد كبيرة من القراء المعجبين  منذ الصباح  عند أبواب  قاعة دار النشر التي تطبع كتبه على أمل أن يحظوا بلقائه والتقاط صور تذكارية معه وهو يوقع لهم كتبه ، وكان قد أصدر روايته ( 1084) التي تحيل على نحو رمزي الى رواية (1984) لجورج اورويل . تزاحمت  الحشود لرؤية كاتبها المفضل لكنه اختفى ولم يظهر في قاعة  بيع الكتب لأنه استبق الأمور ووقّع  نحو مائتي نسخة من  كتبه  قبل ليلة  لتقوم دار النشر  بعرضها على منصة مخصصة لكتبه فيشتريها قراؤه دون ان ينخرط في تمثيلية حفلات التوقيع ، وعندما اعتلى هاروكي المسرح في الندوة النقاشية وتم توجيه الاسئلة له عن موضوع عدم مشاركته في حفلات التوقيع  ، أجاب  :

–  لا أتحمل أن أتصرف ببلاهة وأجلس مثل بائع جوال والآخرون يلتقطون معي  صور السيلفي  كأني من نجوم السينما، هذا ليس عمل الكاتب، لقد وقعت كتبي مسبقا وحصلوا عليها وانتهى الأمر .
يستغرب موراكامي  كيف يتصرف بعض الكتاب على هذا النحو من الاستخفاف بالنفس ؛ فيجلسون على منصات البيع مثل باعة الساندوتشات : “هذا ليس عمل  الكاتب بل مهمة دار النشر ومكتبات البيع ” .

لطالما شاهدنا في معارض الكتب العربية كتاباً مغمورين في حفلات توقيع ملفقة لايأبه بها أحد ، وكم  رثى رواد المعارض لحال الكتّاب  الذين ورطتهم دور النشر بحفل توقيع في معرض دولي فجلسوا منسيين لم يقدم على شراء كتبهم إلا بضعة قراء.
هاروكي موراكامي الرافض لتحويل الكاتب إلى مروج لبيع كتبه لايختلط بالغرباء ، ويفضل تمضية الوقت منصرفا لعالمه الخاص في منزله مع زوجته وقطته، وهو روائي ماراثوني بالمعنى الحرفي للكلمة، يقول عن نفسه : أنا عاشق لركض المسافات الطويلة وهي رياضة تحقق لي العزلة المنشودة لفترة طويلة استجمع فيها أفكاري بعيدا عن الناس وقد أصدرت كتابا عما تمنحه لي رياضة الجري  التي تحقق لي تعويضا نفسيا كافيا يغنيني عن صحبة الآخرين ؛ فقد  عرف عنه انه لايعقد صداقات مع الأدباء ولاينتمي لتجمعاتهم ولايظهر في مقاهيهم  كما يحصل في طوكيو مع الكتاب والأدباء المعروفين بل يكتفي بصحبة كتبه وقطته وزوجته التي يعدها قارئته الاولى  وناقدته.

يعترف هاروكي بأنه  لطالما  نفر من الأدب الياباني لأن والديه كانا يعملان أستاذين للأدب ومن عادة الأولاد أن يخالفوا والديهم في اختيار مايفضلونه ؛ فكان عليه إعلان كراهيته لكل ما يهتم به والداه  ولينصرف بعدها الى قراءة الأدب الانكليزي والفرنسي ،  وذات يوم  خطر له  أن يشرع بالكتابة بعد أن تمتع بمشاهدة مباراة للبيسبول واحتسى زجاجة بيرة ، لكنه وقف حائرا أمام الكلمات والفكرة التي سيختارها : (  كانت لدي وفرة من الكلمات والمزيد من التعابير وهذا أمر في غاية التعقيد ، ولم أعرف ماذا  اختار  فعمدت إلى ترجمة بعض الكلمات الى اللغة الانكليزية  ثم أعدت ترجمتها الى اليابانية ) وبهذه الطريقة استطاع  هاروكي  اكتشاف  اسلوبه  الواضح والبسيط  في الكتابة الادبية ، وعندما سئل  كيف يصف نفسه  قال بسخريته المعروفة : أنا  مولع بالخاسرين ، وعن علاقته المتينة بالقطط  يقول: نشأت طفلا وحيدا بلا اخوة ولاصديق لي سوى قطتي التي تؤنس وحدتي،  فيباغته مدير الندوة : اذا نشب حريق في بيتك فمن تنقذ أولا، زوجتك أم القطة ؟ فيقول بلا تردد : القطة.

______
*المدى

 

شاهد أيضاً

طه درويش: أَتكونُ الكِتابَة فِردَوْسَاً مِنَ الأَوْهامْ؟!

(ثقافات) طه درويش: أَتكونُ الكِتابَة فِردَوْسَاً مِنَ الأَوْهامْ؟! إلى يحيى القيسي لَمْ نَلْتَقِ في “لندن”.. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *