جين ريز: إخفاقات العشق وبطولة الفرد الهامشي (2)

*لطفية الدليمي

تنتهي معظم بطلات جين ريز الزئبقيات العاشقات الى الاخفاق والعزلة ويفقدن الإحساس بالزمان والمكان مثلها تماما حيث لا يظهر الماضي ولا يُدرك الحاضر بل يُعاش الزمن كحالة حلميةوتوهمات ذهنية وكوابيس  منفلتة وسقطات متتابعة دون مبالاة بما يحدث وبما سيأتي ، وهذه إحدى أهم السمات البارزة في اعمال  جين ريز التي  تنقب في أعماق النساء المستوحدات العاشقات  المهمشات  الطافيات  في الامكنة  والوقت ممن  لا يمتلكن الإرادة الحرة لاتخاذ القرارات ،وذلك أمر منطقي في زمن تعاظمت فيه  سطوة المادة  وجنون المتع وصعود النزعات الفردية بعد ان سقطت الأهداف الكبرى وتهاوت القيم  مابين الحربين العالميتين وبعدهما فقد ادركت ريز  أن  الفرد  المهمش  المهجور ، هو الجدير ببطولة تختلف معاييرها عن المقاييس الكلاسيكية للبطل ، الفرد يقف وحيدا  إزاء صعود الايدلوجيات  ودموية الحروب والتشكلات الجماعية التي تمحق ملامح الانسان وتسحق روحه وأحلامه،  فتكشف  لنا في أعمالهاعن المناطق المعتمة في نفوس شخصياتها  ومشاعر نسائهاو تعرّي أعماقهن الممزقة وفي روايتها ” بحر ساركاسو الواسع ”  تعمد  الى  إعادة سرد  رواية  ( جين آير ) من منظور زوجة روشستر الأولى  المجنونة بيرثا  المحتجزة في غرفة القصر – و تغيّر الحبكة  والأحداث  بأسلوب حداثي  لتنال  الرواية اهتماما نقديا واسعا  لدى صدورها سنة 1966.

14907215_1435778993117596_21815188218378866_n

توفرت رواية ” صباح الخير …”  على قدر كبير من  الفكاهة و السخرية  وسط  أجوائها  القاتمة فالبطلة ساشا حادة الذكاء حاضرة  البديهة ،تمتلك بصيرة نفاذة وتحافظ على مرحها  وسخريتها حتى في اصعب مراحل حياتها وتكشف مجادلات  ساشا الذهنية عن حقيقة الشخصيات الاخرى وفتنتها  ومرحها بمعزل عن أحكامنا على  سلوك الشخصيات وانحدارها .

3547046490_85343a3b87_z
بالرغم من إخفاقات حياتها  وفشل زيجاتها ، لم يثنها الإحباط الشخصي عن العمل الأدبي ومواصلة الكفاح في مشهد  يضم  كتابا  بارزين وكاتبات  كبيرات في العقود الاولى من القرن العشرين  فظهرت رواياتها المهمة :كوارتيت ، رحلة في الظلام ،النمور افضل حالا -ونجحت  ريز بمثابرة خارقة لتثبت إسمها  بقوة في المشهد الادبي  البريطاني  المتزمت  في أحكامه النقدية  بفضل جرأتها وحيوية نصوصها ولغتها الساحرة وعدم اعتدادها بالحبكات التقليدية  للرواية،بل انها  حطمت  المعايير السائدة للرواية فبهرت قراءها  بمفاجآت  حبكاتها ومباغتات سردها الممتع وبناء اعمالها كمقطوعات موسيقية تتردد فيها ثيمات متقاربة  بتنويعات لحنية  مختلفة.

14955944_1435779069784255_5360936616263956153_n

تقول ساشا في رواية “صباح الخير، منتصف الليل:” أجل  حزينة أنا ، حزينة  كمثل لبوه في السيرك  ، حزينة مثل  نسر  بلا   جناحين ، حزينة مثل كمان بوتر واحد معطوب ، حزينة كامرأة تنحدر نحو الشيخوخة ، حزينة ، حزينة ، حزينة “

تزوجت جين الصحفي وكاتب الاغاني والجاسوس وليام جوهان ماريه سنة 1919  وتجولا مابين لندن وباريس  وفيينا  وانفصلا 1933ثم  التقتالناشر والكاتب “فورد مادوكس فورد”  فكتب لها مقدمة أول مجموعة قصصيةونشرها ثم تزوجت  “لسلي تيلدن” وهو وكيل ادبي كان مؤمنا بابداعها وقام بدور مدير أعمالها  وعندما توفي سنة 1945 تزوجت بعد عامين وهي في السابعة والخمسين زوجها الثالث ” ماكس هامر”وعاشا في شقة رطبة بائسة حياة فقر مدقع فانهمكت ريز بالكتابة على نحو جنوني لتعوض بؤس حياتهما وإفلاسهما بينما انحدر ماكس الى الجريمة و سجن بتهمة سرقة صكوك وغادر السجن وهو مصاب بمرض عضال فلبثت ريز ترعاه وتنفق عليه  بينما كانت  هي الأجدر بالرعاية والحنان.

يتبع
__________
*المدى

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *