يقول الإعلان: محرر جاهز

خاص- ثقافات

*تأليف : دي .اس .سوليتس/ ترجمة : د. محمد عبد الحليم غنيم

  يقول الإعلان : محرر خبير متفرع للنقد والبحوث الخاصة.

     في شقة داخل مبنى صغير بالقرية الشرقية يعيش المحرر الحر ، رجل قصير فى أواخر الستينات يرتدي دائما قميصا أسود أو أبيض مع بنطلون جينز من النوع الواسع ، البنطلون طويل جدا ومكرمش مثل آلة الأكرديون . يسير حافيا فتبرز أصابع قدميه قبيحة مع أظفار طويلة ، يحيي الكتاب بابتسامة عريضة مثل سكير شديد السكر مع أنه لم يسكر.

     كانت كريستينا قد اتصلت به ورتبت للقائه . طلب منها مائة دولار أجرا لكل ساعة تحرير ، وقال لها عبر التليفون أن تحضر معها قصة قصيرة والمبلغ نقدا وليس بشيك . سألها أن تتهجى اسمها وانتظرت حتى دونه . قال : “دونت اسمك” وعندئذ سألها إذا ما كانت سويدية، قالت لا .. لست سويدية ، ولكنها لم تقل شيئا آخر.

     سارت وراء المحرر عبر طرقة طويلة وممر ضيق جدا إلى غرفة مزودة بحوض غسيل ، المكان كئيب وتفوح منه رائحة حساء مغلية ، يذكرها بالشوارع القديمة لفيلنيوس . الحوائط عارية ، نظرت كريستينا حولها ، ثمة كراتين مكدسة فى كل مكان ، قال لها أنها مليئة بالكتب أما هو فكان أقصر منها وبالكاد يصل إلى مستوى كتفيها ، قال لها ” يمكن لنا أن نجلس فى المكتب” وقادها إلى حجرة صغيرة أخرى ، بها مكتب طفل وسرير ومقعدان متجاوران، جلست كريستينا على واحد منهما ، أخرجت قصة من حقيبة المراسلين ، ثم وضعتها بينهما فوق المكتب الخالي.

     شرع يعمل بقلم حبر أحمر وآخر من الرصاص ويقرأ ، وفى بعض الأوقات كان يبتسم ، يضحك وفي الغالب كان يضع علامات أو خطوطا طويلة أو علامات استفهام . مرت ساعة كاملة دون أن يتحدثا فى شيء . لم تتحرك كريستينا ولم تجرؤ أن تطلب منه كوب ماء أو حتى تستخدم الحمام ، شعرت وكأنها قد عادت إلى ليتوانيا فى حجرة الدراسة أيام الاحتلال السوفيتي ، صمدت تراقب يديه والعلامات التى يضعها . انتهى .. قال :

لديك مشكلة .

– ما المشكلة ؟

أنت لا تستطيعين الكتابة .. استعمالك للإنجليزية مضطرب تماما مثل (ESL)

ماذا ؟

الإنجليزية كلغة ثانية .

لكن القصة ؟

القصة جيدة .. ليس ذلك هو المهم .. إنها جملك ! .. تحتاج إلى عمل . إلى كثير من العمل .

    إنها تعرف ذلك ، وذلك هو سبب وجودها هنا .

    قبل الرحيل ، وبينما كانا يقفان عند الحوض ، أخرجت محفظتها ودفعت إليه المبلغ الذى حدده نقدا، قال :

    – لا تنسي أن تدفعي لى .

    أخرج دفتر المواعيد وقرر فى حزم أنه يجب أن تراه خلال أسبوعين بالضبط ، وعليها أن تعمل فى القصة وتعيدها إليه من أجل المزيد من التنقيح ، وقال : “إنها ستحتاج إلى تنقيح ، حتى الآن فعلت كل ما فى وسعى “

     دون اسمها فى جزء من دفتر المواعيد ، ثم قادها عبر الردهة الضيقة إلى الباب الذي فتحته بنفسها ، واستدارت لتواجهه قائلة :

” مع السلامة ” .

     ردت على مكالمات من جمعية للآداب وكان لديها درجة جامعية ولكنها لم تهتم بتسجيل رقم التليفون وإعلان اسم الجمعية  مرارا وتكرارا ، دقيقة بعد دقيقة . كان الصوت ميكانيكيا ولكنه أعطاها الوقت لتفكر فى قصصها ، لديها الكثير من المساعدين معظمهم فنانون ولكنها لم تتحدث مع أي منهم . فهي تفضل أن تحتفظ بأفكارها لنفسها ، أكلت غدائها وحدها ، ثم تركت المكتب فى الساعة الخامسة تماما .

     كانت المائة دولار تعني الكثير من المال بالنسبة لكريستينا التى كانت فى الأربعين وانتقلت إلى نيويورك منذ عدة سنوات ، لتختار الحياة فى شمال منهاتن . حيث هناك الإيجارات غير مرتفعة ، ولكنها تحب الأشجار والحدائق والسماء الواسعة ورؤية مدينة هودسون ، لديها شقة تمليك ، والذى يعد ، لم يكن متوفرا أبدا فى لتوانيا ، لقد نمت فى مدينة مشهورة بقلعتها فى عمق الغابة وبفحول النتاج البيضاء التى تتجول فى الحقول أثناء الليل ، حتى بعد سنوات فى جامعة فيلنيوس استطاعت فقط أن تحجز شقة صغيرة ، حشرت فيها مع اثنين آخرين ، عاشت فى ركن عُزل بستارة وحيدة ، وهكذا كان يعيش الناس فى فيلنيوس ، مدينة ماري الذهبية ، من أمد طويل احتل السوفيت فضاءها ، كل إنسان فيها تعلم الخوف ، وتعلم أن يظل محتفظا بالهدوء .

     وكريستينا هنا من أجل الكتابة والعمل ، ولكن نظراتها غالبا ما تجعل الناس يتساءلون “هل أنت موديل ؟ ” فهي طويلة ونحيفة ، وشقراء بعيون زرقاء بلطيقية ، أما إجابتها فكانت “لا” ولم تقل أبدا أكثر من ذلك ، خلف الستار الحديدي لم يكن لديهم موديلات .

     فى المرة الثانية التي تقابلا فيها كانت السماء تمطر ، وصلت كريستينا شقة المحرر وهي منقوعة فى الماء ، سألها :

 أين مظلتك ؟

– لقد أمطرت الآن فقط .

    – أنت مبتلة تماما

    – أنت مبتلة .. أنت جافة

     ثم أضافت فى استهجان :

    – دعنا نبدأ العمل .

أخبرت المحرر بمجرد أن جلسا إلى المكتب ، أنها أرسلت القصة التى كانت معها فى آخر جلسة ، أرسلتها إلى مجلة أدبية فى الساحل الغربي ، لثوان قليلة أخذ يحدق فيها ، ثم رمى قلمه الأحمر ، والتقط القلم الرصاص ورماه أيضا ، ثم بدأ يصيح ، أخذ صوته يرتفع عاليا جدا ، مثل امرأة عجوز مجنونة ، صرخ :

  –  قصتك زفت .. إنها تحتاج إلى كثير من العمل لا أحد سينشر لك . لا أحد .. أنتم أيها كتاب ، كلكم واحد .. ذوات متضخمة .. أنت لا تسمعين النصيحة، أليس كذلك ؟

   أوقفت كريستينا تحديقها ، بيد أن جسدها ظل ثابتا فى موضعه وراء المكتب الصغير ، لكنها أدارت رأسها لتحدق عبر النافذة المؤمنة ، يقف على عتبتها الحمام ، على حين يظهر الحائط بطوبه القذر خلفها .

     بعد زوال الغضب ، أخذ المحرر نفسا عميقا ، عقد ذراعيه على صدره المستدير الشاذ ، واتكأ على ظهر المقعد ، دون أن يعتذر ، استعاد رباطة جأشه ، وقام ليأتي بقلم الحبر والقلم الرصاص ، ثم جلس ، أخرجت كريستينا قصتها الجديدة ، فانحنى فوقها وبدأ فى العمل مباشرة .

     عند ذلك ، قررت كريستينا ألا تراه مرة ثانية ، فحتى الآن كانت قد تحملت ساعة من العذاب ، حتى أنها تود لو أخذت قصتها ومشت ، شربت من زجاجة مياه أحضرتها معها ، لأنه فى المرة السابقة لم يقدم لها أي شيء ، فى بلدها الضيف ضيف ، يجب أن تقدم له القهوة والكيك ولابد أن تكون كريما معه ولطيفا أيضا .

     أراد المحرر أن يأتي بدفتر المواعيد ، بعد أن انتهى من العمل . وعندما رفع ذراعه لإحضار الدفتر من الرف الذى فوق الحوض لاحظت كريستينا مزقة فى إبط قميصه الأسود ، فأشفقت عليه .

    فوق الرف ، بجوار المكان الذي عليه دفتر المواعيد ، كانت هناك صورة لشخص مخنث ، إنها امرأة ، تأكدت كريستينا ، ربما كانت صديقته أو زوجته .

     حددت كريستينا للمحرر موعدا وهي تعلم أنها لن تفي به ، فى اليوم التالي أرسلت إليه رسالة عبر البريد الإلكتروني ، كتبت ” أنا لا أستحق أن يصرخ بي” .

     مرت عدة أيام قبل أن يكتب ردا علي رسالتها ، قال أنها سوف تدفع مقابل إلغائها للموعد مبلغا قيمته خمسين دولار وأنه توقع رؤيتها حسب جدول المواعيد ، لم ترد عليه وحذفت الرسالة واستمرت فى الكتابة وإرسال القصص إلى المجلات .

     ذات ليلة فى مكتبة سانت مارك لبيع الكتب ، كانت كريستينا عند الخزينة تدفع ثمن شراء كتاب ورقي الغلاف ، اسمه ” أنا أتذكر” عندما رأت المحرر يدخل المكتبة .

 كريستينا

     ابتسم لها ابتسامة ترحيب ودودة ، فأعرضت بوجهها، وعادت إلى المحاسب لكي تدفع ثمن الكتاب .

أنت مدينة لي .

     قال ذلك بصوت مرتفع قليلا ، مما جعل المحاسب يهتم ويستمع  إلى ما يقول ، قالت :

لست مدينة لك بأى شيء .. مع السلامة .

انتظري

     قال ذلك بينما كانت كريستينا تغادر المكان، فتبعها إلى الخارج ، أمسك بذراعها ، كانت ذراعه صغيرة كذراع طفل ، أظفار طويلة وجلد شاحب مع شعر طويل جدا ، تشكل فى موجات ، كما لو كان قد مشط بمشط ، ظل ممسكا بها إلى أن أرخى قبضته ، تاركا يده تنزلق فوق ذراعها الطويل ، ثم قال :

أنت طويلة جدا .

وأنت قصير جدا

 أتكتبين كثيرا ؟

 أكتب كل يوم .

     لم يقل شيئا ، يبدو أنه كان يبحث عن كلمات .. قال :

 من المضحك أن يرى كل منا الآخر صدفة .

 ليس مضحكا .

 صدفة مضحكة .

 أظن .

     وعندئذ أخذت خطوة أبعد ، وأضافت :

 أنا ذاهبة إلى المنزل .

 لماذا تعيشين فى أقصى الطريق هناك ؟ أين بالضبط ؟

 فى مانهاتن الشمالية . أحبها .

     كان يمشي بجوارها الآن ، يتطلع إليها بينما كانت هي تتطلع إلى الأمام ، متجاهلة ذلك الرجل الصغير الذي يسير بجوارها .. وكان تقريبا يجري خلفها محاولا أن يجاري خطواتها الواسعة . سار فى الشارع الثالث عشر بأقصى سرعة ، ثم أبطأ وتوقف عند المدخل الشمالي ،حيث كان هذا شارعه ، على الرغم من أنه يسكن فى الاتجاه الشرقي ، قال : “هذا شارعى ” .

     تطلعت إليه ، وقررت أن عينيه السوداوين هما الشيء الوحيد الذي يثير الاهتمام فى ملامحه ، ليس ثمة ألق فيهما ، ولا يعكسان شيئا على الإطلاق ، إنهما تبدوان كما لو كانتا فتحتين صغيرتين ، قال لها :

 ما رأيك فى شرب شيء ما ؟

 نعم ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍.

     عندما كانا فى مترو الأنفاق تساءلت فى نفسها لماذا وافقت ، إنها تكرهه ، لقد كان يصدها ومع ذلك انزلقت الـ “نعم” خارجة بسهولة كما لو كانت تنتظر منه أن يسألها .

     فى الجمعة التالية ، بعد العمل ، تقابلا فى البار ، كان البار ضيقا ومزودا بمرايا بطول الحائط ، قال لها أن أحدا ما قد  قتل هناك ، وذلك الذي جعله يختاره ، لم تفهم شيئا ، قصصها مهتمة قليلا بفكرة الموت ، وهذا فى الواقع هو عالمها الداخلي ، لكنها لم تكن تتصور أن يفكر المحرر فى أن يكون هذا المكان الدموي مكانا مفضلا للشراب .

    شربت .

    تحدث هو ، قال لها أن لديه حلما معها هنا ، استمعت إليه ، لقد توقعت ذلك ، الرجال دائما يتجاهلون عقلها ، وبشكل خيالي يتجهون مباشرة إلى جسدها ، ويجذبونها إلى أحلامهم ، ولم يختلف المحرر عنهم ، هى تلميذته ، وهو مهتم بها ، والتلاميذ ربما كانوا أساس حياته ، قال لها أنه لا يخرج أبدا طوال اليوم ، وأحيانا لا يغادر شقته إلا مرة واحدة فى الأسبوع ، وأن الطلاب يحضرون إليه : الطعام والشراب والصودا وشرائط الفيديو .

 شقتك مزبلة .. أكاد أجن

 لكن لدي طلاب يحضرون إلى هنا .. أنا محرر عظيم .. لا أعتقد أنك أدركت ذلك

     انتهت من مشروبها ونهضت لتأخذ مشروبا آخر ، أحست أنه يراقبها من الخلف على طريقة الكلب الذي يراقب سيده ، عندما عادت ، بدا أنه منزعج ، قال :

 أنت فى حاجة إلىً .

     قالت :

 لا أعتقد .

 لديك مشكلات  فى اللغة .. لا أحد سينشر قصصك .. أنت تحتاجين إلى محرر .

     شربت ونظرت حولها فى البار ، دون أن تنظر إليه ، كان بوجهه ثقوب من أثر إصابته بحب الشباب القديم ، فجأة شعرت بالاكتفاء ، وأرادت أن تنهي الأمسية ، قالت :

 –  ينبغي أن أذهب .

     فقال :

سأسجل اسمك فى البرنامج للجمعة القادمة .

     لم تجب عليه ، وارتدت قبعتها المحبوكة وزررت سترتها التي تشبه بزة عسكرية ثم غادرت البار وانطلقت إلى الشارع .

      مرت شهور قليلة ، وقبلت قصتها للنشر فى مجلة الساحل الشرقي ، أرسلت رسالة إلكترونية إلي المحرر لتعلن له هذه الأخبار الجيدة ، كتب ردا ” أي قصة ” مع أنها أخبرته في الرسالة باسم القصة .

      عندما يدق جرس التليفون في المكتب , يكون في الغالب ثمة شخص ما يتصل وهو مصاب في رأسه . يقولون أشياء مثل ” أنا كنت في حادث , و أصبت رأسي . والآن أريد أن أكون فنانا”  أو يقولون ” أنا خرجت حالا من المستشفي وقد أصبت في رأسي ” أو ” أنا عندي ورم في المخ ” .

     قررت كريستينا أن لدى  المحرر مشاكل فى الرأس ، إنه لم يستطع حتى أن يتذكر اسم قصتها “بيرساس” أي الخنزير فى اللغة الليتوانية .

     المرة التالية التى يلتقيان فيها ستكون فى الربيع ، تواصلا عبر الايميل واتفقا على اللقاء والشرب فى “بار المعبد” الذي كان مظلما جدا فى الداخل ، عندما وصلت إلى هناك كان المحرر قد سبقها ، ينتظر مسترخيا فوق المقعد الطويل ، كان يبدو مثل فطر الغراب الصغير فى الركن وراء منضدة ارتفعت تقريبا حتى ذقنه .

     شرب المحرر نبيذ “ماري الدموي” واشتكى من سوء مذاقه ، كان يرتدي قميصه السود ، وكان الخرق فيه قد خيط الآن ، فعندما وضع ذراعه أعلى ظهر المقعد ، لاحظت على الفور مكان الترقيع . سألها عما أرسلته من قصص إلى المجلات ، وأخبرته إن هناك قصة أخرى قد تم قبولها للنشر . قال :

  – التى حررتها لك ؟

   قالت :

لا ، قصة غيرها .

  هز كتفيه استهجانا ، وعندئذ حدثها عن الطالبة التى ينام معها ، قال :

– إنها مثلك .. صغيرة

– لا يعنيني

– إذن لماذا تقابلينني إذا كنت لا تحبيني ؟

– لأنك محرر قدير

– هل يمكن أن أرى عملك الجديد ..

ثم أضاف قبل أن تجيب :

– سأعمل بنصف الأجر ، خمسون دولار . لن تجدي واحدا أرخص من هذا ‍. أنا محرر قدير .. محرر ذو خبرة .

     عادا إلى العمل على مكتب الطفل فى المزبلة ذات الرائحة الكريهة . أخذ يقرأ فى قصة كريستينا الجديدة التى كتبتها عن الأشياء . قرأ لفترة قصيرة ، ثم توقف ، نظر فى وجهها ثم وضع يده على ركبتها، ابتعدت بالكاد قليلا .

     لقد أثار نفورها واهتمامها معا ، أحست أنها هنا ليس فقط من أجل كتابتها ، ولكن من أجل شيء ما لا تستطيع تحديده بالضبط ، ففى كل مرة تراه يرتفع الغضب فى صدرها ، ربما كان مثل أبيها – مهين ، لذلك تحاول على نحو ما أن تكون لطيفة ، ربما كان ثمة دور مألوف عليها أن تقوم به .

    بعد أن انتهيا من العمل ، رتب أوراق القصة بنظام ، وفرد يديه فوقها ، ثم سألها :

  – مقعد .. منضدة .. فازة .. مشهد للحقل أو الغابة .. هذه القصة ليست عملا أدبيا .. أنت تحتاجين إلى شخصيات فى القصة .. ألا تريدين أن تكتبي عن شيء آخر بدلا من ليتوانيا ؟

   قالت :

لا

إن ذلك هو كل ما تعرفه .. هذا والبشر الذين يتصلون ورؤوسهم مصابة .

   سألها :

أتحبين أن أقول .. أتشاهدين فيلما ؟

أي فيلم ؟

فيلم فرنسي

أحب الأفلام الفرنسية

حسنا إذن

موافقة

     قالت ذلك وهي تتساءل أين يجلسان ؟ لا توجد كنبة ، فقط المقعدان الصغيران والمرتبة الرفيعة ، ذات الملاءة الرثة الرمادية ، التلفزيون فى مقابل السرير ، رتب المحرر الوسائد الصغيرة ، وطلب منها أن تخلع حذاءها وتجلس عليها ، قرب مقعد المكتب من السرير ، فبدا مثل الدكتور بجوار المريض فى السرير ، شعرت كريستينا بالغربة ولم تخلع حذاءها .

     أدار المحرر جهاز الفيديو ، وعندئذ أطفأ المصباح الذي يعلوه ، ثم بدأا المشاهدة ، كان فيلما عن امرأة وحيدة تعيش على شاطئ البحر ، أخذها شخص غريب ثم قتلت فى النهاية داخل خيمة هذا الغريب ، خلال مشهد العنف وعندما تعرى جسد المرأة ، ظهر فرجها وهو مخيط ، عندئذ تحرك المحرر فى السرير ومع نهاية الفيلم خلع قميصه .

     نظرت كريستينا إلى صدره الذي كان منتفخا مثل دمية نزلت الماء، فبدا مترهلا وغير جذاب ، مد يده تحت سترتها، وأدارها، أمسك صدرها وعصره بقوة ، واصل عمله بيده وقبل أن تفيق كان قد خلع بنطلونه وصار فوقها ،على الرغم أنها لم تخلع ملابسها، شعرت بحرارة جسده ، حاولت أن تتحرك بيد أنه كان ثقيلا ، ثقيل بالفعل بالنسبة لرجل قصير مثله ، وفى ظلام الحجرة بدا أصفر مثل قزم قصير، مثل شيء أتى إليها من الغابة فى أرض الوطن ، بالقرب من بلدة فحول النتاج البيضاء . كانت عيناه السوداون مغلقتين وفمه مفتوح ، وهو يتحرك ويهز نفسه فوقها .

     عادت بها أفكارها إلى مكان ما فى الغابة يخلو من الأشجار، بقعة نظيفة ونصب تذكاري لأولئك الذين  أعدموا فى تلك البقعة ، إطلاق النار ثم تركهم وسط الأشجار .

     قبلها ، ثم عضها فى رقبتها ، وقد جعلها تتألم ، بالكاد كانت ترى فقط تلك الوجوه التى أطلقت عليها النار، أوقفته ، رفعت يدها تجاه صدره ودفعته ، كانت ما تزال تفكر فى تلك الأجساد الميتة وتلك البقعة فى الغابة ، وقد نجحت فى الأخير أن تزحزح هذا الجسم القصير السمين بعيدا عنها .

     فيما بعد وقفا بجوار الحوض ، كانت قد ارتدت سترتها ومستعدة للرحيل ، سألته عن الصورة داخل الإطار ، أشارت قائلة :

لمن هذه ؟

زوجتي .. تعيش فى كاليفورنيا .

إنها تشبه الرجل .. رجل صغير

كل إنسان أحبها .. إنها عظيمة

واضح

أوه .. لقد نسيت تماما .. لابد أن نحدد موعدا .

     كان المحرر قد ارتدى روبا أبيض خشنا ، وكبيرا جدا كما لو كان قد سرقه من فندق أو مستشفى فى بلدة الفحول البيضاء ، فى الغابة الكبيرة ثمة قلعة مسكونة الآن بالمجانين ، المرضى يلبسون فى أوربا مثل ذلك الروب بزنار عريض ، وقد التف بشدة حول خصورهم بينما يجلسون على الدكك الصغيرة خارج القلعة الخربة .

     لمست كريستينا بيدها آثار حب الشباب فى خد المحرر ، لمستها برفق وعناية معا ، فابتسم وقال :

أوه .. لا تنسي أن تدفعي لي .

     لدقيقة أحست أنها مشوشة ، تألمت وعندئذ تذكرت القصة بالطبع ، لقد أتم لها تحرير قصتها عن الأشياء .

     دفعت له النقود وشقت طريقها إلى الباب ، خرجت ونزلت أمام بسطة السلم الواسعة ، نزلت فوق القلبات الست فوق السلالم الرمادية ، ذكرها الدرابزين بشبابها وبالمدرسة ، أثناء نزولها تبين لها أن بدايتها مع المحرر كانت مثل بداية دخولها مدرسة التعليم الأساسي السوفيتية ، كان يتوجب عليها أن تتحدث اللغة الروسية وتكتب بها، فقط لأنهم يحتلون بلدها ولكنها لم تكن تهتم بالروسية وكانت تكرههم كراهية شديدة، ضاق صدرها بهذه الأفكار فبدأت تأخذ خطوتين أو ثلاثة فى المرة الواحدة . وأثناء هذا كله كانت تفكر فى المحرر وعلاماته الحمراء والاتجاه الذي يشدد عليها فيه أن تتبعه فى الكتابة .

     عندما استقرت كريستينا فى القطار أخرجت كراستها واستأنفت كتابة قصتها حول الأشياء : المقعد والمنضدة والفازة ، كان سوفيتيا قصيرا ، وكان برأسه رصاصة ، رأت أنه ينبغي أن يكون أقل قذارة واشمئزازا من المحرر الصغير الذي عضها فى رقبتها ، ودفع يديه نحو فخذيها محاولا أن يصل إلى أماكن لا تحق له .

     فى تلك الليلة فى شقتها بمنهاتن الشمالية ، التى ترفع فوق فناء صغير عبارة عن حديقة من الأشجار والأدغال وقفت كريستينا ونظرت إلى السماء المظلمة ، ثم ذهبت لتنام فى السرير ، وهي تفكر فى صديقها فى الأسفل ، لطيف أن يكون لك مكانك السري ، ذلك المكان الذي لا يصل إليه أحد .

     بدأت تذهب فى النوم ، وبينما هي كذلك ، فكرت فى قصصها الصغيرة ، وبلدتها فى الغابة الكبيرة ، وحجر الطاحون ، والبحيرة والبجع يسبح فيها ، والجسر يمر فوقها ، وكيف أن الجسر يقود إلى المقابر ومحل التوابيت ، ويستوي أن ترى المحرر أو لا تراه مرة أخرى ، لم تكن متأكدة ، لقد حاولت ذلك ، لم تكن فى حاجة إلى رجل ، وهى ليس لديه شوق لدخول ذلك المكان المظلم ، المظلم والأسود ، مثل أثر رصاصة.
_________________

 نبذه عن المؤلفة :D.S.Sulaitis

     دي . إس سوليتس : حاصلة على زمالة في القص من مؤسسة الفنون في نيويورك . نشرت قصصها في مجلات أدبية متعددة ، مثل العروس الملونة painted brid quartery) ) والفصلية The Quarterly  وأخبار نيويورك (New York Story ) وهي الآن تعيش في مدينة نيويورك حيث تعمل الاًن علي الانتهاء من كتابة رواية ومجموعة من القصص القصيرة.           

 

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *