أكثر تواضعاً من الغبار

*المهاتما غاندي/ إعداد وتقديم: عبير زيتون

في ظل كلِّ هذا العنف الذي يكتنف حياتنا، ويضرب في عمق ذواتنا، يبدو الكلام عن لغة «اللاعنف»حاجة إنسانية عالمية ننشدها اليوم كأفضل وسيلة حضارية يمكن لها أن تكون بناءة، وفاعلة في الدفاع عن مصير الإنسانية ضد رغبتها في الهلاك والإبادة. إنها ذاتها رسالة الزعيم الهندي المهاتما غاندي « أحد الوجوه البارزة في مسيرة «أهيمسا» أو اللاعنف، وصاحب «النفس العظيمة» كما لقبه الشاعر «رابندراناث طاغور»، وأحد السياسييّن الحكماء القلائل الذين تستحضرهم الذّاكرة الإنسانيّة بحيوية فاعلية اليوم أكثر من أي وقت مضى عبر آرائه ومواقفه في نضاله السلمي الأسطوري بصبره، وعمقه الفكري الأخلاقي ضد الاستعمار، والحروب، ولغة العنف والقوة، نحو المحبة والسلام كلغة عالمية إنسانية مشتركة آمنة للبشرية جمعاء. امتدَّ عمَلُ «موهنداس كرمشاند غاندي «النضالي -اللاعنفي من (1869-1948) على مدى أربع وخمسين سنة، أولاً في جنوب أفريقيا، ثم في الهند حتى رحيله اغتيالاً في نيودلهي العام «1948»على يد هندوسي متطرف، تاركاً في ذاكرة البشرية كنوزاً فكرية لاتحصى من الأقوال، والمقالات، أو الخطابات، أو الرسائل أو المقابلات في مفهوم اللاعنف، والمقاومة السلمية ضد القوة، والظلم، نُشِرَتْ بالإنجليزية بعد جمعها في تسعين مجلَّدًا. رفض المناضل الروحي اللاعنفي «غاندي» وفي كافة أعماله التسليم بفكرة أن العنف قضاء محتوم، وإن كان يظهر لنا بأنه كذلك. فلأن العنف من صنع البشر فنحن قادرون على تفكيك هذا القضاء. عندئذٍ فقط نستطيع أن نقدم لأطفالنا حقَّ الحلم بعالم تملؤه الحرية والكرامة. داعياً إلى تحقيق المصالحة بين فلسفة الحكمة، والسياسة كاستراتيجية عمل وسياسة لحلِّ النزاعات. هذه الشذريات مستمدة من كتاب «قصة تجاربي مع الحقيقة، سيرة المهاتما غاندي بقلمه»، ترجمة منير البعلبكي، ومن كتاب «كتابات وأقوال للمهاتما م. ك. غاندي»ترجمة أكرم أنطاكي.

– أبقى متفائلاً، ليس لأنّ في وسعي تقديم أي دليل على أن الحقّ سيزدهر، إنما بسبب إيماني الذي لا يتزعزع بأن الحقّ سينتصر في نهاية المطاف.لأن أساس وحينا هو فقط الإيمان بأن الحق سينتصر حتماً.

***

– جلب حبّ الناس مشكلة المنبوذين مبكِّراً إلى حياتي. مرّةً قالت لي أمي: «عليك ألا تلمس هذا الصبي لأنه منبوذ.» فسألتها: «لم لا؟» وكان هذا هو اليوم الذي بدأت فيه ثورتي.

***

– أعلن أني مجرد إنسان بسيط معرّض للخطأ كسواي من الفانين. وأقرّ، رغم هذا، بأن لدي ما يكفي من التواضع لأعترف بأخطائي وأصححّ خطئي. أقرّ بأن عندي إيمان لا يتزعزع بالله وطيبته، وشغفه اللامتناهي للحب والحقيقة، ولكن: ألا يحمل كل إنسان هذا في نفسه؟
*********

– أقول إنّي إنسان متوسط ذو إمكانات أقل من الوسط. كما أنني لا أنسب لنفسي أي فضل في ما وصلتُ إليه بعد جهدٍ جهيد في مجال اللاعنف وضبط النفس. لأنني لا يتملكني أدنى شك، أن بوسع أي رجل أو امرأة تحقيق ذلك إن بذل نفس الجهد، وحمل نفس الأمل ونفس الإيمان.

***

– لا ينبغي لاختلاف الآراء أن يكون سبباً للعداوة، لأنه لو كانت هذه هي الحال، لكان يجب أن نكون – زوجتي وأنا – ألدَّ عدوين. لا أعرف شخصين في هذا العالم لا يختلفان في الرأي، وكأحد أتباع الغيتا، فقد حاولت دائماً النظر إلى من يختلف معي بنفس الودّ الذي أكنّه لأعز وأقرب الأشخاص إلي.

***

– لستُ سوى باحثٍ عن الحقيقة. وأدّعي أنّي وجدت طريقاً إليها. وأدعي أني ثابرتُ كي أجدها، لكني أقرّ بأني لم أجدها حتى الآن. إذ لكي نجد الحقيقة بشكل كامل يجب أن نحقِّق ذواتنا ونحقق مصيرنا بمعنى أن نصبح كاملين. وأنا واعٍ – بألم – لنواقصي، لكن قوتي كلّها تكمن في هذا الوعي لأنه من النادر أن يعي الإنسان محدويته.

***

– أرفض أن أكون عبداً للماضي، أو أن أمارس شيئاً ليس في وسعي تفهمه أو الدفاع عنه استناداً إلى قاعدة أخلاقية.

***

– حياة الإنسان عبارة عن سلسلات من التسويات، ما يعني أنْ ليس من السهل أن ننجز على أرض الواقع ما كنا نعتقد أنه صحيح من الناحية النظرية.

***

– لأن الجميع يدّعي، في اللحظة الراهنة، أحقية الضمير من دون الاستناد إلى أية قاعدة على الإطلاق، ولأن الكثير جداً من الكذب يُقدَّم لعالمنا المشوش، فإن كل ما بوسعي تقديمه لكم، وبمنتهى التواضع، هو أنه لا يجب البحث عن الحقيقة لدى أي شخص لا يتمتع بأقصى درجات التواضع، لأن من الواجب عليك أن تغدو صفراً إن كان عليك عبور محيط الحقيقة.

***

– يجب أن يكون الساعي إلى الحقيقة أكثر تواضعاً من الغبار. العالم يسحق الغبار تحت أقدامه، أما الساعي إلى الحقيقة فعليه أن يكون أكثر تواضعاً بحيث يكون في وسع حتى الغبار أن يسحقه. عندئذ فقط، وليس قبل ذلك، يكون في وسعنا إلقاء نظرة خاطفة على الحقيقة.

***

– تكمن الحقيقة في قلب كل إنسان، وعلى المرء أن يبحث عنها هناك، وأن تقوده الحقيقة كما يراها. لكن لا يحق لأحد إرغام الآخرين على العمل وفق رؤيته الخاصة للحقيقة.

***

– حين أحاكم نفسي يتوجب علي أن أكون قاسياً كالحقيقة، وأن أرغب في أن يكون الآخرون كذلك. لأني حين أقيس نفسي وفق هذا المعيار أصرخ مع سورداس (شاعر هندي أعمى عاش في القرن السادس عشر):

هل من تعيس،

مؤذٍ وكريه مثلي؟

لقد تخلى الخالق عنّي،

بقدر ما كنت ضعيف الإيمان؟

***

– عدم الخوف لا يعني التبجح أو العدوانية، فهذه المظاهر هي بحد ذاتها من علامات الخوف، لأن عدم الخوف يفترض الهدوء وراحة البال. لذا من الضروري أن تكمن حياتنا في مخافة الله.

***

– يجب أن يبقى إيمان الإنسان في الحقيقة راسخاً، حتى وإن بدا أن العالم كله قد تبنّى الضلال.

***

– الشرط الأول للروحانية هو عدم الخوف، إذ ليس في مقدور الجبناء أن يكونوا أخلاقيين.

***

– اليوم، في الغرب، ترى الناس يتحدثون عن المسيح، لكنّ الحقيقة هي إنّ المهيمن الذي يتحكم بحياتهم هو نقيض المسيح. والأمر نفسه في الإسلام، فهناك أناس يتحدثون عن الإسلام، لكنهم في الحقيقة يتّبعون طريق الشيطان. لو اتَّبع الناس طريق الله، لما كان هناك في هذا العالم أيّ فساد، ولا أيّ استغلال، حيث يزداد الأغنياء غناً والفقراء فقراً، وحيث الجوع والعري والموت يصفع المرء على وجهه. لا يوجد – ههنا – ما يشير إلى مملكة الله، وإنما إلى مملكة إبليس، مملكة رافانا أو نقيض المسيح. لا يمكننا تحقيق ملكوت الله في عالمنا بمجرد النطق باسم الله، برؤوس شفاهنا، لأن سلوكنا يجب أن يتوافق مع طرائقه، وليس مع طرائق الشيطان.

***

– الأفضل، حين تصلي، أن يكون لديك قلب بلا كلمات من أن تكون لديك كلمات بلا قلب.

***

– أنظر إلى الإسلام كدين سلام تماماً كالمسيحية والبوذية والهندوسية. لا شك في أنه توجد خلافات من حيث الدرجة، لكن غاية هذه الديانات هي السلام.

***

– أجسادنا هي المعابد، وليس الأبنية الجحرية. وأفضل مكان للعبادة الجماعية يكون في الفلاء مع السماء من فوقنا كمظلة، وأمنا الأرض من تحتنا كمرتكز.

***

– علينا النظر إلى أنفسنا ليس كمُلاّك بل كمؤتمنين على ثروتنا، وأن نستعملها لمصلحة المجتمع، فلا نأخذ منها ما هو أكثر من أجر عادل للخدمة التي نؤديها. في نظام كهذا لن يبقى هناك فقير وغني، وستكون كل الديانات متساوية، وستكفّ كل النزاعات الناجمة عن الدين والطبقة والفارق الاقتصادي عن تهديد السلم في العالم.

***

– اللا عنف هو شريعة الجنس البشري. وهو أكبر وأسمى بما لا يقاس من شريعة القوة الغاشمة. وفي نهاية المطاف، هو لا يليق بأولئك الذين لا يملكون إيماناً حياً بألوهية المحبة.

***

– اللا عنف قوة يمكن أن يستخدمها الأطفال والشباب والنساء والبالغون، شريطة أن يمتلكوا إيماناً حياً بألوهة المحبة، وحباً متساوياً للجنس البشري. لذلك عندما نقبل باللاعنف كقانون للحياة فمن الواجب أن يشمل (هذا القانون) الكائن بكليته، لا أن يكون مجرد أفعال منعزلة. ومن الخطأ الكبير الاعتقاد بأنّ القانون يصحُّ على الأفراد، ولا يصحُّ على الجنس البشري ككل.

***

* اللا عنف هو أكبر قوة في متناول الجنس البشري. إنه أقوى من أقوى سلاح تدمير اخترعه البشر. فالدمار ليس قانون البشر. والإنسان يحيا حرّاً ومستعداً للموت حتى على يد شقيقه، إن اقتضت الحاجة، ولكنه ليس مستعداً البتة أن يقتله هو. لأن أي قتل أو أي ضرر يرتكب بحق الآخر أو يمارس عليه، مهما كان سببه، جريمة بحق الإنسانية.

***

– «إكره الخطيئة لكن لا تكره الخاطئ» – هذا كلام مفهوم، وعلى الرغم من سهولة فهمه نادراً ما يطبق. لهذا السبب ينتشر سُمُّ الحقد في عالمنا.

***

– الردّ على الوحشية بوحشية إقرارٌ بإفلاسنا الأخلاقي والفكري، ويمكن لهذا أن يكون بداية حلقة مفرغة.

***

– مهما بلغت ضآلة الأمة أو المجموعة، فبوسعها، شريطة امتلاك العقل والرغبة والإرادة، الدفاع عن شرفها في وجه كل العالم المدجج بالسلاح. وهذا ما يصنع القوة التي لا تضارع و(يصنع) جمال الأعزل من السلاح. لأن هذا هو الدفاع اللاعنفي الذي لا يعرف الهزيمة ولا يقبلها أبداً. لذا فإن الأمة أو المجموعة التي جعلت من اللاعنف سياستها النهائية لا يمكن أن تُستَعبَد حتى وإن استعملت ضدها القنبلة الذريّة.

***

– طريق السلام هو طريق الحقيقة. والصدق أكثر أهمية من المسالمة. وبالفعل، فإن الكذب هو السبب الأول للعنف، فالإنسان الصادق ليس بوسعه أن يبقى عنيفاً. وسيتأكد خلال مسار بحثه أنه لا يحتاج لأن يكون عنيفاً، وسيكتشف لاحقاً أنه طالما بقي أثر للحقيقة في داخله، فسوف يفشل في الوصول إلى الحقيقة التي يبحث عنها.

***

– أنا متأكد تماماً من أنّ بوسع المقاومة السلبية تليين أكثر القلوب تحجراً، فهي دواءٌ ملكي فعّال إلى أقصى حد، وسلاحٌ من أطهر الأسلحة. إنه ليس سلاح الضعيف، لأن المقاومة السلبية تتطلب شجاعة أكبر مما تتطلبه الشجاعة الجسدية: إنها شجاعة الذين بوسعهم السير بهدوء لمواجهة العذاب والموت، وهي شجاعة تولستوي الذي تجرأ وتحدّى قيصر روسيا. إنها الشجاعة الأعظم فعلاً، لأنه يكفي فعلاً مقاوم سلبي حقيقي واحد كي نربح معركة الخير ضد الشرّ.

***

– تعتمد حضارتنا وثقافتنا وجنّتنا، على هذه الأرض، ليس على مضاعفة احتياجاتنا الخاصة، بمعنى التساهل مع الذات، وإنما على الحدِّ من هذه الاحتياجات، بمعنى نكران الذات.

***

– خلق الله الإنسان لكي يعمل من أجل قوت يومه، وقال: الذين يأكلون ولا يعملون لصوص.

***

– يجب أن نشعر بالخجل حين نستريح أو نتناول وجبة دسمة، طالما بقي هناك أي رجل قادر أو امرأة بلا عمل أو طعام.

***

– أنا متواضع إلى حد يكفي لأعترف بأنّ هنالك الكثير الذي بوسعنا أن نتعلمه لصالحنا من الغرب. فالحكمة ليست حكراً على قارة معينة، ولا على عرق محدد. لكن مقاومتي للحضارة الغربية هي في الحقيقة مقاومة لتقليدها بشكل أعمى، وبلا تفكير من منطلق أننا كآسيويين ليس بوسعنا أن نفعل سوى تقليد كل ما يأتينا من الغرب.

***

– ما أعترض عليه هو جنون الآلة، وليس الآلة بحد ذاتها. هذا الجنون الذي سببه ما يدعونه توفير العمل والمال، فالناس يستمرون في «توفير العمل» بحيث يصبح الآلاف بلا عمل، فيرمون بهم في الشارع حيث يموتون جوعاً. وأنا أيضاً أريد الاقتصاد بالوقت والعمل، لكن ليس من أجل حفنة من الناس، وإنما من أجل الإنسانية ككل. يجب أن تكون الغاية توفير عمل الفرد، لا أن يكون الجشع الإنساني هو الدافع.

***

– ما هو سبب هذه الفوضى الحالية؟ إنه الاستغلال. لا أقصد هنا استغلال الأمم القوية لتلك الأضعف منها، إنما الأمم الشقيقة لبعضها بعضاً. واعتراضي الرئيسي على المكننة مردّه أنّ هذه المكننة هي التي مكّنت الأمم من استغلال بعضها بعضاً. لأنها في النهاية مثل الأشياء الخشبية التي من الممكن أن يحسن أو يُساء استعمالها، لكنها، بسهولة وكما نعلم، يساء استعمالها.

***

– «لا تستطيع الدول أن تكون متحدة حقاً وتسهم أعمالها في تحقيق الخير المشترك للإنسانية إذا لم تعترف وتقبل بقانون الحب في العلاقات الوطنية والدولية، أي في النظام السياسي. لا يمكن لأي دولة أن تصف نفسها بأنها متمدنة أو متحضرة إلا بقدر اتباعها لهذا القانون».

***

– أتفق مع أولئك الذين يعتقدون أن الله هو الحب. في أعماق نفسي، هو الحب والحقيقة».

_____
*الاتحاد الثقافي

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *