اللاجئون العرب وسؤال القيم الإنسانية في عدد خاص (30) من مجلة ذوات

خاص- ثقافات

*سعيدة شريف

أفردت مجلة “ذوات” الثقافية الإلكترونية العربية الشهرية، الصادرة عن مؤسسة “مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث”، عددها الثلاثين (شهر نوفمبر/ تشرين الثاني) بالكامل لموضوع اللاجئين العرب، وذلك لأهمية الموضوع وحساسيته، ولما تعرفه قضية اللاجئين العرب من جدل واسع على المستوى السياسي والقانوني والاجتماعي، خاصة مع تزايد أفواج اللاجئين السوريين الفارين إلى أوروبا، بحثا عن ملاذ آمن.

يشكل اللجوء قضية إنسانية تستوجب الاهتمام من طرف كل الفاعلين في العالم، لأنها دليل على خلل كبير في المجتمعات، وناقوس خطر للأوضاع الإنسانية الكارثية، الناتجة عن الحروب والاضطهادات، والتي تدفع بالإنسان إلى هجرة وطنه والبحث عن ملجأ آخر آمن له في هذه الأرض.

اللجوء ليس وليد اليوم، بل عرف منذ بداية التاريخ، وتفاقم مع الحربين العالميتين الأولى والثانية، وازداد فظاعة مع الأوضاع التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، والتي دفعت بملايين من السوريين إلى الفرار من جحيم الأوضاع في بلدهم بسبب الحرب والتنظيمات الإسلامية المتشددة، وعلى رأسها “داعش“، وركوب البحر بحثا عن ملجأ آمن بأوروبا يحفظ إنسانيتهم، ويقيهم شر الحروب والمآسي، لكن إقدام العديد من الدول على إغلاق حدودها أمام اللاجئين فاقم الأزمة وزاد من حدتها، ما دفع بالعديد من الجهات الحقوقية وغيرها إلى المطالبة بسن سياسة متناسقة وفعالة لحل مشكل اللاجئين، خاصة أن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين لم تتمكن من معالجة هذه المعضلة المستفحلة، كما أن البلدان العربية التي أصبحت تحتل الصدارة اليوم في عدد اللاجئين، لا يتوفر أغلبها على مؤسسات خاصة تعنى باللاجئين، بل منها من لا يعترف بهم، ويغلق حدوده في وجههم، لاعتبارات سياسية، ما يتنافى مع أبسط المعايير المعتمدة دولياً.

jpg
ولأن مؤسسة “مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث”، لم يكن لها أن تسكت عن هذا الوضع، فقد ألغت مؤتمرها السنوي الرابع، تضامنا مع اللاجئين السوريين، ورصدت مخصصاته المالية لدعمهم، وبما أنها مؤسسة بحثية، فقد كان من الواجب الاهتمام بهذا الموضوع في أحد مطبوعاتها، ولهذه الغاية بادرت مجلة “ذوات” الثقافية الإلكترونية العربية الشهرية، الصادرة عن المؤسسة، إلى تخصيص عدد خاص لموضوع اللاجئين وإشكالية اللجوء عبر العالم، متسائلة عن مصير “نظام الحماية الدولي”، الذي صاغه المجتمع الدولي خلال العقود الأربعة الأخيرة من القرن العشرين، وما مدى مواءمته مع اللجوء العربي المستفحل في السنوات الأخيرة.

وفي افتتاحية هذا العدد الخاص، يقول الأستاذ محمد العاني، المدير العام لمؤسسة “مؤمنون بلا حدود”، إن “رحلة اللجوء ليست خيارا، وإنما سلسلة من الإكراهات والصدمات، بداية من مآسي الحرب نحو النزوح، ثم اللجوء من خلال طرق محفوفة بالأخطار والاستغلال، وغالباً ما يُمنع من الدخول للبلدان الأخرى، أو يُرفض طلب لجوئه ناهيك عن الإجراءات التي تتطلب وقتاً طويلاً والظروف السيئة التي يعيشون فيها، لاسيما في بلدان اللجوء الضعيفة اقتصادياً. وإن تحصل على بعض الحقوق والعمل، فإنه يعاني من مشكلة الاندماج والتأقلم مع البيئة الجديدة في ظل أجواء الرفض أو التمييز، وإن استعاد شيئاً من حياته المادية، فإن كرامته تبقى منقوصة وهويته مفقودة”.

ويضيف العاني بأن النظام العالمي السياسي والقانوني والاقتصادي يتسبب في مآسٍ وصراعات أكثر مما يقدمه من أمن وسلام عالميين، فهو مرتهن لمصالح فئة قليلة ودول معدودة، موضحا أنه بالنظر إلى “الصورة الشاملة لقضية اللاجئين بعيداً عن التفاصيل الدقيقة والإشكالات القانونية والاقتصادية، نجد أنها قضية من ضمن القضايا السياسية التي يتم التعاطي معها بناء على المصالح والمساومات والاستراتيجيات السياسية، ولا نجد للبعد الإنساني وجوداً يُذكر كهدف أعلى إلا على أوراق الاتفاقيات والمعاهدات”.

وفي كلمة العدد، توضح الإعلامية المغربية سعيدة شريف، رئيسة تحرير المجلة،  أن قضية اللجوء أضحت مأساة القرن الحالي، وهي مأساة عابرة للقارات، وآثارها لم تعد محصورة على الدول مصدر النزوح الجماعي؛ مثل سوريا، ولا حتى الدول المجاورة لها؛ مثل تركيا، بل تجاوزتها إلى دول أوروبية بعيدة عن الحروب؛ مثل ألمانيا، حيث فاق عدد اللاجئين رقم (60) مليون لاجئ، حسب تقارير لعام 2015، وكانت الحرب هي السبب الرئيس لنزوحهم خارج بلدانهم، وعبَر ما يقارب المليون شخص عباب البحر الأبيض المتوسط في اتجاه أوروبا، وشكلت حالاتهم مادة إعلامية دسمة، اختلط فيها الإنساني بالسياسي، وورقة ضغط لبعض البلدان (تركيا) من أجل الاستفادة من امتيازات كانت بعيدة المنال.

يسعى العدد (30)، وهو عدد خاص يقع في حوالي 300 صفحة، إلى تسليط الضوء على اللجوء من زوايا معرفية مختلفة، يتقاطع فيها الاجتماعي، مع الفكري، والثقافي، والسياسي، والإعلامي، والتربوي، والأدبي، محاولا الإجابة عن عدة تساؤلات مركزية، تتعلق بقضية اللجوء بشكل عام، واللجوء العربي بشكل خاص.

ويضم ملف العدد الخاص، الذي يحمل عنوان “اللاجئون العرب.. أية قيم لإنسانية العصر الجديد؟!”، والذي أعده الباحث والإعلامي اليمني المقيم بتركيا، محمد اللطيفي، مقالا تقديميا له بعنوان “اللجوء .. أزمة سوداء في عالمٍ متقدم!”، وسبع مقاربات للموضوع أنجزها باحثون عرب يقيمون خارج ديارهم، وهي: المقاربة الإعلامية للباحث والإعلامي التونسي المقيم بألمانيا، منصف السليمي، بعنوان “أزمة اللاجئين في مرآة الإعلام الأوروبي: الإعلام الألماني أنموذجا”، والمقاربة الاجتماعية للباحثة المغربية المقيمة بألمانيا، ناديا يقين، بعنوان “اللاجئون؛ بين آثار الحرب ومشكلات الاندماج!”، والمقاربة التاريخية للباحث والكاتب الليبي نزار كريكش، بعنوان “جغرافيا الهجرة وتاريخ اللجوء”، والمقاربة النفسية للكاتب والباحث السوري سامر عساف، بعنوان “الآثار النفسية للهجرة واللجوء..درب شائك مليء بالصدمات!”، والمقاربة الفكرية للباحثة السورية يسرى السعيد، بعنوان “الأبعاد الفكرية لظاهرة اللجوء الإنساني”، والمقاربة المقارنة للباحث السوري عزت السيد أحمد، المعنونة بـ “بين حاجة الغرب ومخاوفه؛ أزمة اللجوء قبل الربيع العربي وبعده”، ثم المقاربة الإحصائية للباحثة السورية بمركز سبر للدراسات الإحصائية والسياسات العامة، ميس صاري، التي تقدم فيها أحدث الأرقام المتعلقة باللجوء. أما حوار هذا الملف، فهو مع الباحث السوري المتخصص في شؤون الهجرة، مازن شيخاني.

وبالإضافة إلى الملف، يتضمن هذا العدد الخاص من مجلة “ذوات”، والمتعلق بقضية اللجوء، أبوابا أخرى يسلط من خلالها مجموعة من الباحثين العرب الضوء على جوانب مهمة من قضية اللجوء في الأدب، والفن التشكيلي، والسينما، والتربية والتعليم. وجاء باب “رأي ذوات” غنيا بآراء الباحثين: السوري طارق عزيزة المقيم بألمانيا، الذي كتب “عن “الدياسبورا” السورية”، والشاعر والكاتب من الأردن، عمر شبانة، بمقاله عن “اللجوء والهجرات إلى الأردن عبر 150 عاما”، والشاعرة السورية، فرات إسبر، المقيمة بنيوزيلاندا، بمقاله “السوريّ اللّاجئُ طائرٌ الفنيق”، والكاتبة الفلسطينية ثورة حوامدة، بمقالها “اللجوء من فلسطين إليها.. عذابٌ على مقربة من ذات الأرض”، ثم الكاتب السوري جمال الشوفي، بمقاله “عمران أنا… فلتغرقوا في صمتي الأبدي”.

ويضم باب “ثقافة وفنون” مجموعة من المقالات هي: “أثر الأزمة السورية في الأدب..الرواية بين التخييل والتوثيقّ للكاتبة والشاعرة السورية أنجيل الشاعر، و”بعض تجليات الهجرة واللجوء في الفن التشكيلي السوري الراهن” للفنان التشكيلي والناقد المغربي بنيونس عميروش، و”اللجوء- التبشير – تيمة كتابية في الرواية السورية.. قراءة في رواية “نزوح مريم” لمحمود حسن الجاسم” للكاتب والروائي السوري جاد الله الجباعي، و”السينما واللجوء..الجماليات المتلاشية” للكاتب والناقد الفني المغربي محمد اشويكة، و” من صور الموت: في قصائد “الموت كما لو كان خردة” لوداد نبي” للشاعر والكاتب المغربي عبد الله المتقي.

وحتى نغني موضوع هذا العدد الخاص، ضمنا حوارين في باب “حوار ذوات”: الأول مع الباحث الليبي وأستاذ الإعلام بجامعة الزاوية، مسعود حسين التائب، أجراه الدكتور المغربي عبد السلام شرماط، والثاني مع الأستاذ الجامعي الألماني ذي الأصول اللبنانية، والخبير الاستشاري في قضايا الإسلام والاندماج ومكافحة الإرهاب والتطرف في ألمانيا، مروان أبو طعم. أجرى الحوار الإعلامي المغربي المقيم بألمانيا هشام الدريوش.

وحتى لا تظل الصورة قاتمة عن اللاجئ العربي بشكل عام، والسوري بشكل خاص، نقدم في هذا العدد الخاص بورتريهين لشخصيتين سوريتين ساهمتا في تصحيح صورة الغرب للإنسان العربي، والسوري بالتحديد، وهما الفنان الفوتوغرافي والناشط السوري، اللاجئ في ألمانيا مؤنس بخاري، صاحب مشروع البيت السوري بألمانيا، والشاعر والناقد السوري اللاجئ في ألمانيا محمد المطرود، الذي يسعى إلى تغيير الوضع عبر الكتابة والفن. البورتريهين من إنجاز الإعلامي المغربي هشام الدريوش، المقيم بألمانيا.

وفي باب “سؤال ذوات”، يسائل الإعلاميان: منى شكري من الأردن، وعيسى جابلي من تونس، مجموعة من الباحثين العرب حول قضية اللجوء من خلال سؤالين: يُواجه اللاجئون والمُهجَّرون ما يُمكن تسميته بـ “أزمة هُوية”، ما أبرز المخاطر المتوارية خلف هذه الإشكالية؟”؛ وماذا قدم المجتمع الدولي والعربي والمنظمات الإنسانية لحل مشكلة اللاجئين والحد من معاناتهم؟، وفي باب “تربية وتعليم”، تقدم الكاتبة والباحثة السورية والمدربة في قضايا المرأة والطفل، علياء أحمد، مقالا بعنوان “الأطفال السوريون في دول الجوار وأثر اللجوء على حقهم في التعليم”.

أما “باب كتب”، فيضم قراءتين في كتابين حديثين يتناولان موضوع اللجوء؛ الأول للصحفي الألماني فولفجانج باور، “هاربون من الموت السوريون والطريق إلى أوروبا”، الصادر ترجمته العربية ضمن منشورات العربي (القاهرة، 2016). القراءة من إنجاز الكاتب المغربي المتخصص في الرحلة والسرد العربي، بوشعيب الساوري. والثاني كتاب “اللاجئون الفلسطينيون في المشرق العربي: الهوية والفضاء والمكان” الذي حرره آري كنودسن وساري حنفي، أستاذ علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في جامعة بيروت، وترجمته دينا الشريف، وصدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، عام 2015. أنجزت قراءته الكاتبة والأكاديمية المصرية هويدا صالح. كما يتضمن الباب مجموعة من الإصدارات الحديثة في الموضوع نفسه.

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *