إنغرِد هيلم وتومَاس تومسون: أربعون عاماً بعد «بني إسرئيل»

إنغرِد هيلم وتومَاس تومسون: التاريخ والأركيولوجيا والكتاب المقدس: أربعون عاماً بعد «تاريخية بني إسرئيل».

ingrid hjelm and thomas thompson, history, archaeology and the bible forty years after ‹historicity.› routledge, london 2016. 247 pages.

مَن مِن القراء لا يتذكر العالم الأميركي الكبير توماس تومسون، صاحب المؤلف الأهم في العقود الأخيرة عن تاريخ فلسطين وتاريخية «الكتاب المقدس». مؤلفه ذاك، صدر قبل أربعين عاماً باللغة الإنكليزية، ونشر في بيروت بترجمة عربية ليست فقط مقرصنة وإنما خالية من الهوامش أيضاً التي تشكل أحد أعمدته (بادرت لجمع الناشر والمؤلف في بيروت للمصالحة بينهما، وقام البرفسور تومسون بلفتة طريفة هي إهداء المقرصِن الذي عفا عنه نسخة من مؤلفه الجديد آنذاك، والذي خلا من أي هوامش!).
شاركت في كتابة المؤلف ــ بمختلف فصوله ـــ مجموعة من العلماء في مختلف المجالات ذات العلاقة ومنها التاريخ واللغة واللاهوت والآثار، جاؤوا من بلدان مختلفة سنشير إليها لاحقاً.

كما شارك البروفسور تومسون، الذي تخلى عن تبعيته الأميركية وأخذ الدنِماركية حيث يعيش هناك مع زوجته الدنِماركية منذ طرده من وظيفته في الجامعة الأميركية، وتقاعده عام 2009. العالمة الدنِماركية، إنغرِد هيلم، المتخصصة الأهم عالمياً في مجال دراسات السامرية، شاركت في بحث مرتبط بتخصصها الفريد، «فُقد وعُثر عليه؟ إسرائيل- اللايهودية من نقش مرنفتاح إلى العصر البيزنطي».
المحرران البرفسور تومسون وزوجته إنغرِد هيلم الأستاذة المساعدة في كلية اللاهوت في «جامعة كوبنهاغن» ورئيسة «مشروع تاريخ فلسطين وإرثها» فيها، قسما المؤلف إلى ثلاثة أجزاء أولها: تغير المنظور في الدراسات الكتابية، ويضم أربعة أبحاث بأقلام علماء أوروبيين، علماً بأن كافة الأوراق المنشورة لم تصدر من قبل.

الجزء الثاني «الأركيولوجية والتعبد والتاريخ» شاركت في كتابة فصوله الأربعة الأكاديمية وعالمة الآثار الهولندية مارغرِت شتاينر التي تعد أهم من كتب عن تاريخ مدينة القدس القديم، إذ عهد إليها تقويم نتائج أبحاث العالمة الإنكليزية كاثلين كنيُن المتخصصة في تاريخ المدينة القديم، وقد أجبرها كيان العدو على التوقف عن أعمالها بعد احتلاله مدينة القدس وبقية أراضي فلسطين (الانتداب) في عام 1967 بتهمة انحياز أبحاثها للعرب. مارغرِت شتاينر، العالمة الكاثوليكية المتدينة، وصلت إلى نتيجة مفادها أن روايات الهيكل وما إلى ذلك، لا تتطابق مع نتائج التنقيبات الأثرية المثبتة، وقد نشرت نتائج أبحاثها في مؤلف فريد، ونشر بالعربية في دمشق تحت عنوان «القدس في العصر الحديدي». مقالة شتاينر في هذا المؤلف عنوانها «من أورشليم مع حبي!» From Jerusalem With Love!.
الجزء الثالث والأخير هو «الأيديولوجيا والتاريخ»، وقد ضم خمسة فصول هي: «من البحث عن تاريخ إسرائيل إلى البحث عن تاريخ فلسطين القديمة» بقلم العالم الأرجنتيني إمانويل بفوه؛ و«الإثنية وتاريخ فلسطين الإقليمي» يليه «الدمار الذي يمكن دراسته ـ الأركيولوجية الإسرائيلية والقرى الفلسطينية المهجورة»؛ الدراسة الرابعة بقلم العالم الكبير إيلان بابيه الذي يعرفه القراء العرب من أعماله المتميزة آخرها «خارج الإطار: القمح الأكاديمي والفكري في إسرائيل» الذي صدر في دمشق. أما عنوان مقاله في هذا المؤلف، فهو «الكتاب المقدس في خدمة الصهيونية: نحن لا نؤمن بالرب، لكنه وعدنا بفلسطين».
إذا كانت عناوين الفصول تعبر عن الانقلاب الذي حدث في الأبحاث منذ صدور أول مؤلف نقدي للمقاربة التاريخية التي كانت سائدة في هذا المجال منذ ولادته حديثاً في ثمانينات القرن التاسع عشر على يد العالم الألماني الكبير يُليُس فِلهاوزن، فإنّ مضمونها يوضح الفهم الجديد «للكتاب المقدس» وفق الطرح الجديد الذي بات يعرف باسم «المدرسة الدنماركية» التي ظهرت على يد العالم الكندي الكبير يوهان فان سيترز وتوماس تومسون. وكان العالم اللاهوتي الدنماركي الكبير نيلز بيتر لمكِ قد أعلن من جانبه أن المقاربة التاريخية النقدية ليست بتاريخية ولا بنقدية، وكان ذلك في محاضرة ألقاها في منتصف التسعينيات.
المقالات القيّمة المنشورة في هذا المجلد كانت قد ألقيت محاضرات في مؤتمر عقد عام 2013، وركز على إسهامات «المدرسة الدنماركية» في مجال الدراسات الكتابية والآفاق الجديدة التي فتحتها في هذا المجال العلمي. لذلك، يمكن قراءة كل مقال على حدة أو قراءتها على أنها مكملة لبعضها في مؤلف فريد حيث من النادر أن تجمع دفتي غلاف أي مؤلف متخصص أعمال هذا العدد من كبار العلماء المتخصصين في مختلف فروع الدراسات الكتابية.
بالعودة إلى المقدمة المهمة، استعرض توماس تومسون وإنغرِد هْيِلم تطور الفرع التقليدي في الدراسات الكتابية منذ ولادته. كما ذكرا كبار الأساتذة وأعمالهم الأساس فيه ومنهم منفرد فايبرت، وألت ومارتن نوت، وأثراه كل من جورج مندهول ونورمان غتفالد وغيرهم، وأوضحا الطريقين المختلفين لكل من المدرسة الألمانية والمدرسة الأميركية التي كان وليَم ألبرايت أكثر ممثليها شهرة في ثلاثينيات القرن الماضي وأربعينياته.
ونجد إثراء لهذه المقدمة في مقالة الأميركي دُوغلاس نايت بروفسور الدراسات الكتابية والعبرية الذي كتب البحث الأول «تأويل الكتاب العبري في المدرسة الاسكندنافية القديمة والجديدة» واستعرض كتابات العلماء الأهم بدءاً من أكسل أُرلك المتوفى عام 1917، مروراً بهنرِك نايبِرغ المتوفى عام 1974، وأخيراً كل من نيلز لمكِ (1945-) وتوماس تومسون (1939).
لكن المؤلف يحوي نظرات نقدية لما يسمى «المدرسة الدنمركية» والتغيرات التي حدثت فيها والتعديلات التي أدخلتها على منطلقاتها (الفصل الثاني: الخرافة والتاريخ). هذا يثري المؤلف حيث يرى أن هذه المدرسة الأكاديمية التحديثية ترحب بالنقد وتدعو المعارضين لها للمشاركة في نقاشاتها، بما يضفي مصداقية أكبر على أطروحاتها واستنتاجاتها، وهو ما ترفضه المدرسة التقليدية رفضاً قطعياً.
مؤلف مثير ومهم لمن يدرس هذه المادة، كما يثري النقاش اللامنتهي في تاريخ فلسطين القديم، ويوضح مدى التأويلات السياسية التي اقتحمته فترة طالت إلى أن انهارت كل أسسها بولادة مقاربة علمية جديدة.
___________

كلمات

العدد ٣٠٢٠

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *