موسم الهجرة إلى الوطن

خاص- ثقافات

*يوسف غيشان

كنت في  في ما يسمى جدلا (شبابي) ، شديد التأثر والإعجاب  بمصطفى سعيد  (بطل رواية موسم الهجرة إلى الشمال)، للروائي السوداني الكبير الطيب صالح، وبطريقته في التخلص من السطوة الذهنية للمستعمر على إنسان البلد الرازح تحت النير.

 كنت مراهقا آنذاك ، وقد أهدرت عقدا كاملا من حياتي فيما بعد لأدرك أن الطيب صالح لم يكن يقصد إطلاقا ان يقدم لي صورة البطل القدوة، كما لم يكلف نفسه عناء إدانة ممارسات مصطفى سعيد..بل ترك ذلك للقارئ لي …ولم أكن معتادا على أن أمتلك الخيار والقرار.

كان يكفي الطيب صالح أن يكتب روايته (موسم الهجرة إلى الشمال)  ليتربع على عرش العبقرية الأدبية التي أوصلت روايته ليتم اختيارها عام 2002 لتكون  من بين  أفضل مئة رواية عالمية في تاريخ الإنسانية.

المضحك المبكي في الموضوع ان هذه الرواية التي اعتبرت أول عمل أدبي كبير يتناول الصراع بين الحضارات، حتى قبل التنظير له فكريا من صمويل هنتنجتون في كتابه (صراع الحضارات)..المضحك المبكي أن هذا العمل العظيم قد منع في بلده السودان قبل أعوام ، وربما لا يزال المنع ساري المفعول حتى الآن، على اعتبار أن الرواية تنتمي إلى أدب (البورنوغرافي)..يعني إلى الأدب الجنسي !!!!

مصطفى سعيد بطل موسم الهجرة من الشمال كان ساخرا كبيرا على طريقته، إنه ابن الشعوب المقهورة المستعمرة الذي يترك بلده ويصعد إلى عاصمة البلد المستعمر (بكسر الميم طبعا) بحثا عن الثأر ممن أذل شعبه وانتهك بلده وكرامته واستعبده.

لكن مصطفى سعييد كان يبحث عن ثأر ساخر وعدواني ، يصل في نهايته إلى القتل ..قتل جين موريس(المكافل الرمزي للآخر المستعمر) التي لا تكف عن الابتسام للسخرية من البطل ….فينتصر عليها أخيرا بالنجاح في امتلاكها ..ثم قتلها.

هكذا..ينتصر مصطفى سعيد على المستعمر بالقتل والاعتداء ، كما انتصر المستعمر على بلده بالقتل والإعتداء، ثم يدفع البطل ثمن جريمته بالسجن، بعدها يعود إلى بلده ليعيش في قرية صفيرة معزولة  في حياة مفرطة العادية ، بعد أن تخلص من عقدة المستعمر، ليوصي الراوي  بأن يحاول إبعاد ولديه ،اللذين انجبهما من زواجه بعد العودة، عن الفضول والترحال.

بالمناسبة ، الفتح الجديد الإضافي في عالم الرواية العربية ، أن مصطفى سعيد ..البطل ، لم يكن يحمل أيا من صفات البطولة المنمذجة، لا هو بالقوي ، ولا بالوسيم، ولا بالعبقري، ، بل هو إنسان عادي وإشكالي، وانطباعات معارفه أكثرها سلبية ،..إنها بطولة عفوية متمردة على الأطر التقليدية الجاهزة.

____
*كاتب أردني

ghishan@gmail.com

 

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *