أيام الفيلم الياباني بتونس: حضرت الأصالة وغابت المعاصرة

*صابر بن عامر

تتيح فعاليات “أيام الفيلم الياباني بتونس” التي تتواصل إلى غاية الـ23 من شهر أكتوبر الجاري بدار الثقافة ابن رشيق بتونس العاصمة للراغبين في اكتشاف السينما اليابانية، متابعة ثمانية أفلام طويلة مرفوقة بترجمة إلى العربية أو الفرنسية. وتتوزع أفلام الأيام التي دأبت على تنظيمها سنويا وزارة الشؤون الثقافية التونسية وسفارة اليابان بتونس والجامعة التونسية لنوادي السينما، بين أفلام كوميدية ودرامية ووثائقية وتحريك، مقدمة للجمهور التونسي سينما مغايرة تجمع بين التسلية والحكمة، أسّس لها جيل من المخرجين الكبار على غرار المخرج أكيرا كوروساوا (1910-1998) الملقّب بـ”شكسبير الفن السابع”.

وفي باب التسلية المرفوقة بحكمة الترابط الأسري، أتى فيلم “شاحنة السكك الحديدية” لمخرجه هيروفومي كاواغوتشي (إنتاج 2009)، متناولا قصة أم تسافر مع ابنيها اتسوشي وتوكي من منزلها في طوكيو، حاملة رماد زوجها الراحل حديثا إلى منزل والديه، اللذين يقطنان قرية جبلية في جنوب تايوان. وبما أن طفليها تربيا في مدينة كبيرة، فقد أصابتهما دهشة عكسية، ليست دهشة القادم من الريف إلى المدينة، بل من المشهد الريفي الصامت وسط امتداد الحقول الخضراء، ليضاعف المخرج من أسباب الدهشة بجعل جدهما التايواني يتحدث اليابانية.

ومع تطور الأحداث، يعي الابن الأكبر اتسوشي أنه مختلف وسط أقلية يابانية تجاور مكان إقامته الجديد بمنزل جده بريف تايوان، أين عاش أجداده وشهدوا تغييرات واسعة في المشهد السياسي والقيم السائدة في المجتمع والأسرة، ساعدتهم على اكتشاف الروابط التي تجمعهم من جديد. ومن خلال رحلة على متن عربة للسكك الحديدية من الطراز القديم، يكتشف اتسوشي العالم خارج مدار عائلته ومدرسته وهو الذي تمرّد عليهما لإحساسه بالغربة وسط مجتمع إثني، فيضطّر لمواجهة سؤال: ما معنى أن يكون الأخ الأكبر بدل أن يكون الابن؟ حين يتحمّل مسؤولية أخيه الأصغر في مغامرته التي غيّرت رؤيته للعالم.

وغير بعيد عن تجربة اتسوشي في رحلته عبر عربة السكك الحديدية التي أعادته إلى أهله وأصالته، يقدّم فيلم “ألعاب نارية من القلب” لماساهيرو كونيموتو (إنتاج 2010) قصة الأخوين هنا وتارو اللذين فرقتهما مشاغل الحياة وجمعتهما روح الأصالة التي تسكن بلد الأرخبيلات. ففي يوم 9 سبتمبر الذي يوافق تاريخ المهرجان السنوي للألعاب النارية باليابان، خرجت هنا من المستشفى، حيث كانت تعالج من سرطان الدم الحاد لمدة ستة أشهر، لتكتشف أن شقيقها الأكبر تارو بات يعيش في عزلة اجتماعية وسط عدم مبالاة من أبويه لما آل إليه، وهو الذي كان حنونا وفخورا بأخته الصغرى وعائلته. ورغم آلام هنا التي كانت تعاودها بين حين وآخر حضرت ليلتها مهرجان الألعاب النارية، وشاهدت شباب البلدة وهم سعداء ويخططون لمهرجان السنة القادمة، فقررت أن تجعل تارو يشترك مع المجموعة حتى تخرجه من عزلته، وأخذته من حجرته إلى المكتب الذي كان يجتمع فيه الشباب.

ومع ذلك، لم يتم قبول تارو ضمن المجموعة، ولم يثن هذا الرفض من عزيمة الأخت الصغرى على جعل أخيها يندمج في المجتمع مرة أخرى، فساعدته على إيجاد وظيفة كبائع جرائد. ومن هناك، بدأ تارو تدريجيا في الانفتاح على العالم من جديد، لكن مع دخول فصل الشتاء تصاب هنا بانتكاسة أخرى بسبب مرضها القاتل، الأمر الذي جعل تارو يواظب على زيارتها يوميا بالمستشفى، إلى أن يعلم أن مهرجان الألعاب النارية هو رمز السعادة القصوى لشقيقته، فيبادر بنفسه هذه المرة ويذهب إلى شباب البلدة ليقبلوه بينهم.

هذه الحكايات البسيطة هي سمة الأفلام اليابانية التي احتفت بها تونس ولا تزال تعرضها على مدار أسبوع ضمن فعاليات “أفلام الفيلم الياباني بتونس”، حول الترابط الأسري والانتصار للأصالة في بلد يعرف طفرة حداثة غير مسبوقة، مما يتعارض وموجة السينما الحديثة التي شهدتها الأفلام اليابانية مع مطلع سبعينات القرن الماضي، وتواصلت مع مخرجي ما اصطلح على تسميتهم بالموجة الجديدة الذين تناولوا في أفلامهم مسألة الأصالة والمعاصرة بشكل مختلف عن النظرة التقليدية لباكورة الإنتاجات السينمائية اليابانية، فقدموا ثنائية الأصالة والمعاصرة إمّا بصورة جادة إلى درجة التشاؤم، وإما بصورة هزلية ساخرة وصلت حدّ العبث.

وفي المقابل، غابت هذه الأطروحات، أو غُيّبت ضمن فعاليات “أيام الفيلم الياباني بتونس” التي احتفت بثيمات يابانية قديمة بتقنيات سينمائية عالية الجودة، سواء كان ذلك في الأفلام الروائية أو أفلام التحريك التي باتت علامة مسجلة لليابان، ليكون الطبق المُقدّم في “الأيام” أُحاديّ الطرح، في حين أن السينما اليابانية الجديدة اشتغلت في العقدين الأخيرين على مواضيع معاصرة أكثر جرأة وإرباكا كقضايا الجنس والعنف والجريمة والانحراف والعدوانية في مجتمع يعرف تحولات “سوسيولوجية” عميقة.
___
*العرب

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *