لغة مومس!

خاص- ثقافات

*مرزوق الحلبي

هم الطُغاةُ لهم قُدرة خارقة على استملاك المفردات

كلما صكّت مجامعُ اللغةِ مُفردةً

سطا عليها الطُغاة وضمّوها إلى قواميسهم

واحتووا كلّ ما تلده اللغة من تراكيب جديدة

يعمدونها في أقبيتهم

ثم يُعيدونها إلى ساحةِ الكلامِ

ومنابرِ الخطابةِ

وماكنات البثِّ

ممهورةً بأختامهم

فالكلامُ مدخلٌ طيّبٌ للسيطرة

قوتهم الناعمة

يغسلون الكلمات

والكلماتُ تغسل الأدمغة من أفكارِها

سحرٌ هو الكلام في ممالِكهم

تحت كلِّ مُفردة بلاغية ـ مِقصلةٌ

وخلفَ كل جُملة قبرٌ جماعيٌّ

ووراءَ كلِّ ديباجةٍ عصماءَ

مدينةُ أشباحْ

هم الطُغاة يملكون قُدرةً خارقةً على الكلام

في اللغةِ، يبدونَ أنبياءَ

يصير لهم هيئةُ الشعراءِ

ووداعةِ القدِّيسين،

لكلٍّ منهم نصُّه

ورؤياهْ

وأتباعُه ومُريدوه،

يهتفون بحياتِه وينسون الله

هم الطُغاةُ يملكون قُدرةً خارقةً على تَجييشِ الكلامِ

لهُمُ حرسٌ متخصّصٌ بشؤونِ اللغة

قوامه وكلاء حصريون للنعوت والأوصاف

وقوّادون للمفردات من أحسن العائلات

وألسنيون يفسّرون المقاطعَ الصوتيةَ

يصنّفون الكلام فِرَقا ومجموعات ورُزمًا

في دهاليز السرايا، معاملٌ

تعجُّ بالمفردات والجُمل المرصوصة

والمحسّنات

وأدوات لتسوية النتوءات اللغوية

وتدوير الزوايا

وتخفيف الأفعال أو تشديدها،

لِحرْفِ الدلالات عن غايتها

لتركيب غايات جديدة للمفردة الواحدة،

لكل واقعةٍ كلامُها المحسوب

للملهاةِ

والكارثةِ

والمقتلةِ

لكل واقعة كلام معلّبٌ يركنونه على أبواب بيوتنا

وينتظرون!

هم الطُغاة يمتلكون قدرةً خارقةً على استمالةِ المفردات

وزجِّها في المقدّمة،

تنظّف الطرقاتِ من حقول الألغامِ

وتخترقُ السواترَ الترابيةَ،

والمتاريسَ

تخفّف من الاحتقانِ

والغليانِ

تكنسُ باحات بيوتِهم من غُبارِ السنين والقلقِ

والكوابيس

كل الطُغاة بحاجة إلى لغةٍ حليفةٍ كي يكونوا

واللغةُ خائنةٌ

تأكل بنهديها كالمومسات!

___
*شاعر فلسطيني

شاهد أيضاً

قصة “الظل” لإدغار آلان بو

(ثقافات) قصة الظل[1]. إدغار آلان بو ترجمة: عبد القادر  بوطالب                أنت الذي تقرأ ما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *