الحيوية والطيش

خاص- ثقافات

*د.سمر الشامسي

أحياناً تتحكم في الإنسان حالته المزاجية وقد يشعر في وقت بأنه في قمة حيويته ولديه طاقات تفوق قدرات غيره، يستوعب الأمور ويدرك كافة ما حوله ويتحكم في انفعالاته ويسيطر عليها ويرتدي السكينة والهدوء، فيصفه غيره بأنه ذو عقلية متزنة ورأيٍ صائب، ويدرك من حوله بأنه إنسان لديه حيوية ويتمتع بطاقة هائلة من الإيجابية والحنكة.

وهناك نوع من البشر لا يفرق بين تلك الحيوية ذات الطاقة الإيجابية وردود الأفعال المتزنة والتصرفات العقلانية وبين الطيش الذي يدفع الإنسان دائماً إلى التهور وإلى ما لا تُحمد عقباه من تصرفات، فيجني من ردود أفعال غيره ما لا يطيقه أو يقبله، وربما يقحم نفسه في مشاكل عديدة قد تكون أسرية أو اجتماعية أو حتى على المستوى العملي.

فكان لزاماً علينا أن نوضح لشباب اليوم الفرق بين الحيوية والطيش، فهناك بعض الصفات لابد أن نستوعبها تماماً حتى نفرق بين الحيوية والتهور. فالقوي من يستطيع أن يكبت جماح نفسه، بينما الضعيف من تسمع صوته مدوياً، والعبقري الذي لا يختلف عليه اثنان، والإنسان العادي من يتفق عليه اثنان، والعاقل من ينحني للعواطف، والتافه من يتصور أنه أذكى الناس، والثرثار الذي يهرف بما لا يعرف، والفصيح من يوجز الحديث، والعالم من لديه المعرفة.

واسترسالا لما سبق من صفات فلا بد أن ندرك أن الكريم من يعطي بسخاء دون تبذير، والبخيل من يعيش على أرزاق الآخرين باستغلال وتطفل، والكاتب من يكتب بإحساسه ويترجم مشاعره، والصادق من يصدق أولاً مع نفسه، والكاذب من غرّه شيطانه وصدّق ما يقول. فكل هذه الصفات اجعلها ميزاناً لنفسك حتى تدرك الفرق بين الحيوية والطيش الذي يدفع لحد التهور.

إن كافة الشرائع والقوانين الوضعية تحث المجتمعات على الوسطية في الأمور، والاقتصاد في الانفعالات. فقد يؤدي التهور إلى ارتكاب مخالفات مجتمعية وانحرافات سلوكية تصل حد الجرائم. فشتان بين الحيوية والتهور، وهنيئاً لمن يدرك المعاني ويصل للفرق بينهما، فهناك بين كل متضادين شعرة دقيقة فارقة ولكنها فاصلة فاحذر تخطيها.

في القرون السابقة التي تميزت بالجمود والانغلاق في صلب مظاهر الحياة العامة كان الأدب أدبا ًمرتبطاً بما تتعرض له حياة العرب، فمن الطبيعي أن يصاب بالجمود والتأخر – في جُـلّه – نتيجة لتردي الأوضاع العامة، غير أن ثمة عوامل ُبدأت في تطوير الأدب ونشر الوعي الفكري والثقافي وأحدثت يقظة سميت (عوامل النهضة) فلا تفرغ حيويتك من الاطلاع والتصفح.

إن كبح جماح النفس ليس مرضاً أو عرضاً سيئاً، بل هو قوة إيجابية يتحكم بها الإنسان في انفعالاته ويتصرف من خلالها بعقلانية ورزانة حتى لا يفرط في الانفعالات ويتسبب في إحداث كوارث فيكون قد تخطى هذا الخيط الدقيق الذي يفرق بين الحيوية والطيش.

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *