تلقي الجوائز

*أمير تاج السر

منذ أيام قليلة، أعلنت نتيجة جائزة مؤسسة الحي الثقافي- كتارا للرواية العربية، في نسختها الثانية، وبعد نجاح موسمها الأول وازدياد الإقبال عليها بحيث بلغ عدد المشاركين هذا العام، نسبة لم تبلغها جائزة عربية من قبل.
الفائزون في فرع الرواية المنشورة، كلهم، كتاب قدامى وراسخون، وقدموا نصوصا لا بد احتوت كثيرا من خبرتهم ومهاراتهم، وقد قرأت من بين تلك النصوص، «أرواح كليمنجارو»، تلك التجربة المهمة للروائي الشاعر إبراهيم نصرالله، وأتت بعد مشاركته في رحلة تسلق لجبل كليمنجارو، وكما يفعل دائما، اهتم بالشأن الإنساني، وربط بين رحلة شاقة، وبلاد تعاني الظلم والاحتلال، أي ربط بين مشقة الطبيعة، ومشقة الاحتلال الغاشم لبلاد لا تستحق إلا كل ما هو منعش. ومؤكد أن يحيى يخلف كتب بمهارة، وكذا إيمان وإلياس، وناصر عراق الذي عرفناه برواية «العاطل» حين وصلت للقائمة القصيرة لجائزة بوكر العربية، منذ سنوات.

بالنسبة للروايات غير المنشورة، ونالت خمس جوائز أيضا، فبالطبع لم يقرأ أحد رواية منها، وتعمل مؤسسة كتارا على نشرها باللغة العربية، وأيضا بالإنكليزية والفرنسية، لتخضع لتوقيع مؤلفيها، في الحفل، في الموسم الثالث للجائزة، الذي قطعا سيكون أكثر نجاحا، وهكذا. وكنت أشرت مرارا إلى أن جائزة كتارا للرواية العربية، ليست أمرا بسيطا، ولا جائزة تؤخذ قيمتها المادية، وينتهي الأمر، هي جائزة تتابع المؤلفين وتترجمهم وتوزعهم جيدا، وترعى الموهوبين الجدد عبر ورش الكتابة المستمرة، وتنشر إنتاجهم.
باختصار هي الجائزة المناسبة للإبداع العربي، وبشخصية عربية لم تستوح من الغرب، وحوت كل الكرم العربي، الكرم الذي تكثر فيه الأقداح، ويحوي كل قدح ما يشبع.

حين أعلنت نتائج الجائزة، وكذا حين تعلن نتائج كل جائزة، دائما ما نجد كتابا ربما يكونون قد شاركوا في مسابقاتها ولم يحالفهم الحظ، ينتقدون تلك الجوائز، يسمونها بمسميات عدة، ويستهزئون بالذين حصلوا عليها، وقد كتب كثيرون عن جائزة كتارا بسلبية شديدة، كون من فازوا فيها هذا العام، والعام الماضي، معظمهم من الكتاب الراسخين في الكتابة، كأن فوز كاتب كبير، إساءة لأحد، والحقيقة هذا الكاتب لم يكن كبيرا من بداياته، لكنه تدرج في الكتابة واستمر، وكبر بواسطة اجتهاده، وما حصل على جائزة، إلا لأن نصه يصلح للحصول على جائزة. هذا الكاتب لم تميزه قسائم التقديم للجائزة، وتدعوه لتعبئتها، أو تعبأ نيابة عنه، ولم تضع لجان التحكيم المختلفة، نصه في خانة اسمها (في آي بي)، لا يقترب منها محكم شاب أو جديد في التحكيم، إنه كاتب عربي له أحلامه التي أجهض معظمها، سمع بجائزة ما وقدم لها، ونجح في الحصول عليها، وهناك عشرات كبار مثله، مؤكد قدموا للجائزة نفسها ولم يحصل عليها أحد منهم.

منذ سنوات، ربما عشر أو أقل حتى، لم يكن للإبداع حظ في الجوائز الخلابة، أي التي تأتي للكتابة لتغير من هيئتها، وتصلح أو تفسد من شأنها، كانت ثمة جوائز في الموسيقى، والغناء، والفن عموما، وفقط في الغرب تبدو جوائز الإبداع مألوفة، وأذكر أنني كتبت في تلك الأيام مستغربا من عدم وجود مكافآت للكتاب الذين ينفقون أعمارهم في الكتابة بلا مكافآت حتى لو كانت معنوية، وباستثناء جوائز الدولة التشجيعية أو التقديرية، التي توجد في بعض البلدان مثل مصر، لم نسمع بمكافآت للإبداع.

بعد ذلك ظهرت جائزة البوكر العربية بكل زركشتها المعروفة، واحتلت حيزا كبيرا في فضاء الكتابة، وسلطت الضوء على جنس الرواية، واخترعت بإيجابية وسلبية أيضا، روائيين لم يكونوا هم أنفسهم ليصدقوا أنهم روائيون.

روائيون يريدون جائزة البوكر تحديدا، يرديون قائمة من قائمتيها الطويلة والقصيرة، ويريدون أن يجلسوا في معارض الكتب ليوقعوا على نص، ظهر في قائمة البوكر. أيضا ظهرت جائزة الشيخ زايد في الإمارات، وكانت جائزة جدية وصارمة، وذات تقاليد عربية صميمة، تشبه تقاليد الشيخ زايد الذي أخذت اسمه، وأيضا اشتد التنافس عليها، وأصبح الحصول عليها أمنية، لأنها تغير حال الكاتب بصورة واضحة وسلسة، لكن الحصول عليها ليس سهلا في العادة،. ويوجد في النهاية فائز واحد في كل فرع من فروعها، سيحصل على التكريم في النهاية.

قبل هاتين الجائزتين، وجدت جائزة سلطان العويس، ولطالما اعتقدت أنها مهمة، في سياق الجوائز الأدبية، فقط يبدو التقديم لها صعبا، بحيث أنها تمنح لمجمل أعمال الكاتب وليس لنص بعينه، وكان من المفترض أن يلم محكموها بالكتّاب وأعمالهم، وتمنح لمن يرونه مستحقا، من دون أن يكلفوا أحدا بتجميع عشرات النسخ من أعماله، وإرسالها في طرد، ورغم قدمها وأنها ترسخت، إلا أنني أتمنى لو تعدلت لوائحها، وأصبح التقديم لها أكثر سهولة.

إذن، جاءت كتارا في العام الماضي، وأضافت كسبا جديدا، للجوائز الأدبية، كسبا طالما تمنيناه، وبهذا السخاء الذي نريده. ولأن كتارا جائزة فيها تنافس، وكل الجوائز ميادين تنافس فالكسب موجود والخسارة موجودة، ويصبح الهجوم على جائزة ما، لمجرد أن ثمة خسارة حدثت، فهذا غير مبرر إطلاقا، والمفترض أن يستمر الناس في إبداعهم، يكسبون ويخسرون، أو يخسرون ويكسبون، حين يتقدمون للجوائز، ولا يخطر على بال أحدهم أن يهاجم مكسبا ناله بعد سنوات من الجفاف.

في الواقع، لن تخلو أي جائزة من نقص، بمعنى أن تجد أعمالا غير مكتملة فنيا، تصعد، وأخرى ناضجة، لا تصعد، وهكذا. إنها مسألة التذوق الذي يلازمنا كلنا، أن تحب شيئا ولا تحب شيئا آخر، وهذا ليس مبررا لنكره الجوائز، لنتبرأ منها، ولنقسم كما يفعل البعض، أن لا يقتربوا منها مرة أخرى.

سواء أكانت الجوائز الأدبية، مستقيمة أو معوجة، مخيبة للظن، أو تتبع الظن الحسن، فنحن من يكسب في النهاية، إن استمرت، وتوغلت في الاستمرار، ونخسر بصورة مؤسفة إن توقفت أي جائزة من تلك الجوائز المكتسبة.
____
*القدس العربي

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *