متى يصبح المغرب مركزا ثقافيا؟

خاص- ثقافات

*مصطفى رجوان – المغرب

حاليا، يعدّ العالم العربي هامشا للمركز الغربي،لكن هذا لا يمنع أن يكون داخل هذا الهامش مركز باعتبار وحدة اللغة والثقافة.وهنا نطرح سؤالا مهما: متى يصبح المغرب مركزا ثقافيا داخل الهامش العربي؟

أطرح هذا السؤال بعد فوز كتاب الدكتور المغربي سعيد يقطين “الفكر الأدبي العربي:البنيات والأنساق،2014” بجائزة الشيخ زايد آل نهيان للكتاب عن جدارة واستحقاق.وإنجاز يقطين ليس إنجازا شخصيا فحسبُ،بل إنجازا مغربيا ضمن حلقة متواصلة من العطاء في مجالات الأدب والفكر والثقافة.هذا بالإضافة إلى مجموعة من الإنجازات المغربية.

كان العالم الإسلامي مركزا ثقافيا قويا منذ عصر التدوين حتى عصر الانحطاط،ليصبح الغرب مركزا بديلا مهيمنا منذ عصر النهضة.وساهم في أن يكون العالم الإسلامي،آنذاك،مركزا مجموعة من العوامل منها القوة الدينية التي كانت تدفعه،وكذلك النفوذ السياسي وهيمنته.كما قام المسلمون بترجمة تراث الإغريق والهند والفرس.حركة الترجمة العارمة مكنت المسلمين من أن يرثوا الإغريق وأن يمدوا جسر الفلسفة،التي ورثتها أوروبا منذ عصر النهضة.كملاحظة،إن إنكار دور المسلمين في الفلسفة،وادعاء أنها وصلت من اليونان إلى الأوروبيين يشكل فراغا فاضحا،وادعاء القرابة بين أوروبا واليونان يعد احتيالا مريبا.ولولا الفلسفة والتاريخ لتنكرت أوروبا الغربية لليونان.

رغم أن المغرب والأندلس كانتا تزخران بمجموعة من الأعلام وبحركة أدبية وثقافية وفنية وعلمية كبيرة،إلا أنهما ظلتا في نظر المركز المشرقي دونه،ولم تنالا يوما الاعتراف بالتفوق عليه.ويرجع هذا ربما إلى نظرة الاستصغار،كون المغرب والأندلس وليدتا المشرق،وبالتالي الفرع أقل دائما من الأصل.

وهنا أستعرض قصة تبين هذا الحيف الشرقي القديم اتجاه المغرب والأندلس.خلال رحلة الشاعر الأندلسي الغزال إلى بغداد،نزل هذا الشاعر دار السلام واجتمع بعدد من المشتغلين بالأدب والشعر،فذكروا الأندلس وأزروا بشعرائها وقللوا من شأنهم وذكروا شاعرهم أبا نواس فأطنبوا بالثناء عليه والمدح في شعره.فقال الغزال:أيكم يحفظ قول أبي نواس؟

ولما أتيت الحان ناديت ربَّهُ

فهب خفيف الروح نحو ندائي

قليل هجوع العين إلا تعِلَّةً

على وجَلٍ مني ومن نظرائي

فطربوا للشعر،وخرجوا في مدحه عن القصد.وكل يقول: ما أحسنه ! ما أجمله ! فلما أفرطوا هب الغزال وقال: خفضوا على أنفسكم فإنه من شعري.فلما عرفوا أنه للغزال لا لأبي نواس،رجعوا عليه بالرأي وطفقوا يعيبونه وأنكروا الشعر وصاحبه. (ينظر يحيى الحكم الغزال: أمير شعراء الأندلس في القرن الثالث الهجري)

والسؤال هو: أنحن إذن أمام أدب عربي في المغرب أم أمام أدب مغربي؟ أقتبس هنا فقرة لمحمد الكتاني لعلها تكون إجابة،يقول”خضعت نشأة الأدب العربي في المغرب لعوامل تختلف عن تلك التي عرفها ظهور الأدب في مصر والشام وفارس والعراق.لقد ظهر الأدب المغربي في إطار الأدب النازح من المشرق أو الوافد على المغرب،بلغته وتراثه وقيمه الفنية.فكان أدبا تابعا للمركزية الشرقية أولا،ثم للمركزية الأندلسية بعد ذلك.” (مسارت مغربية في الحضارة والثقافة،دار الثقافة،2005،ص161)

في العصر الحديث،مصر التي لم تكن مركزا من قبلُ،أصبحت المركز العربي القوي بفضل مجموعة من العوامل،منها الحملة الفرنسية أواخر القرن الثامن عشر بقيادة نابليون بونابرت.لكن لا ننسى أن “المغرب قد هب من سباته أيضا في منتصف القرن التاسع عشر،إثر هزيمة جيوشه في معركة إيسلي (1844)،وبعدها في احتلال تطوان (1860).”(محمد الكتاني،2005،ص179) ووجود ثلة من الشعراء الكبار مثل محمد بن إبراهيم ومحمد اليمني الناصري وعلال الفاسي ومحمد الحلوي،وأدباء آخرين،لم يشفع للمغرب بأن يكون له صدى قوي في المشرق.ووجدنا أن المغاربة يحاولون إثبات ذواتهم في المجلات والصحف المشرقية،ومنهم من عاش في مصر مثل عبد المجيد بنجلون والشاعر أبي الشعور.

فهل المغرب اليوم مركز ثقافي عربي وسط تجاهل شرقي له؟ نطرح هذا السؤال اليوم،لأن المركز الشرقي بات يعيش مجموعة من الاضطرابات السياسية والاقتصادية والشعبية التي أفقدته ريادته،وبالتالي أثرت سلبا على الثقافة ومنتجيها،بينما يعيش المغرب استقرارا كبيرا في الأصعدة المذكورة،ولا زال ينجب ثلة من المبدعين في مختلف المجالات.

مصر التي لعبت في العصر الحديث،بمجلاتها العريقة وصحفها،ومسارحها،وبأعلامها من شعراء ونقاد وكتاب: شوقي وحافظ،والمازني والعقاد،وعلي محمود طه وأبو شادي،وطه حسين ومحمود شاكر،ونجيب محفوظ… الآن قد تنازلت عن تلك الريادة.

 

والعراق كان منذ النكبة مركزا شعريا حديثا بامتياز،عبر رواد مثل البياتي وبدر شاكر السياب ونازك الملائكة وغيرهم،وحتى قبل ذلك إبان الكلاسية مع شعراء محافظين مثل الزهاوي ومعروف الرصافي ومحمد بهجة الأثري…

دول الخليج تلعب فقط دور المنعش الثقافي بمجلاتها الثقافية ومهرجاناتها وتمويلها للمشاريع الثقافية،فهي فقط مرتع للأسماء الرائدة خارج الخليج.بينما تلعب لبنان فقط دور الطباعة والنشر.أما الدول الأخرى فلا شيء يلوح في الأفق يدل على إمكانية لعب هذا الدور.

أما دول شمال إفريقيا،فلا بوادر تبدو لأن تلعب دورا رئيسيا.ليبيا غارقة في فوضى ما بعد القذافي.تونس رغم ثورة ناجحة إلا أنها غير مستعدة.أما الجزائر فلا أظن لعبها لهذا الدور،فبوادره خجولة فباستثناء حركة روائية ملفتة،نذكر منها أحلام مستغانمي وواسيني الأعرج.كما تكاد تغلب الفرنكفونية على المشهد الجزائري لتظل هامشا لفرنسا،هي وكندا ودول إفريقية.

إذن المغرب مؤهل اليوم أكثر من أي وقت مضى للعب هذا الدور بامتياز،لكن تبقى آليات التفعيل غامضة.

ولكن يظل السؤال قائما: متى يصبح المغرب مركزا ثقافيا؟ ولماذا لا يصبح المغرب مركزا ثقافيا؟

 

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *