مسرحيات شهيرة ممنوعة

قام «أوليفر كرومويل» المعروف بمساندة الطائفة الدينية المتشددة المعروفة، باسم الطائفة البيوريتانية، بخلع الملك تشارلز الأول (1600 1649) من عرش بريطانيا، والإجهاز عليه لإقامة نظام جمهوري، وأمر النظام الجمهوري، بإلغاء المسرح الإنجليزي، باعتباره ضرباً من المجون والانحلال.
وبهزيمة كرومويل، وعودة النظام الملكي عام 1666، عادت الحياة إلى المسرح البريطاني، وازدهر على يد الملك العائد من منفاه، الذي أحاط نفسه بكوكبة من كتاب المسرح.

وكان النص المسرحي يخضع للرقابة من قبل رئيس المباهج الملكية، قبل عرضه على خشبة المسرح، وكان هناك توافق بين الحكومة وإدارة الفرق المسرحية، وبطبيعة الحال كانت الرقابة التي يفرضها البلاط الملكي على المسرح تقلم أظافره، وتمنع تحول هذا المسرح إلى أداة اعتراض على النظام الحاكم، غير أن التفاهم المتبادل بين الدولة والمشتغلين بالمسرح، ما لبث أن انهار في الفترة الواقعة ما بين عامي 1679 و1681 ما دفع كتاب المسرح إلى الشكوى من اضطرارهم إلى الانخراط في السياسة، سعياً وراء المال، نتيجة انفضاض الجمهور عن المسرح، وقد عبّر «جون كراون» في مقدمة إعداده المسرحي لمسرحيتي شكسبير «هنري الرابع، وهنري السادس» اللتين قدمتا على خشبة المسرح الإنجليزي عام 1681، عن شكواه من قلة عدد المتفرجين، وشبه المسارح الخاوية بالأجران الخالية من الغلال.

وفي هذا الجو السياسي المضطرب ظهر كتاب مسرح ينتمون إلى أحد الأحزاب (الأحرار) ولم تكن الرقابة تقيد حركة المسرح الإنجليزي بشكل منتظم، كما يستدل على ذلك من تدخل رئيس المباهج الملكية، الذي منع عرض إحدى المسرحيات، بتهمة وجود تعبيرات فاضحة وانتقادات للحكومة في هذه المسرحية، وإن كان السبب الحقيقي هو معاداتها للنظام الملكي وأنها كتبت في وقت، احتدم فيه الصراع السياسي بين حزب الأحرار وحزب المحافظين.

وعندما قام ناحوم تيت، بتقديم إعداده لمسرحية شكسبير «ريتشارد الثاني» سنة 1680 رفض الرقيب الإنجليزي التصريح بتمثيلها، ومن الواضح أن سبب الحظر يرجع إلى الطبيعة الشائكة للموضوع نفسه، وليس إلى طريقة الإعداد، والغريب أن رئيس المباهج الملكية حظر المسرحية من دون قراءتها، الأمر الذي أثار حنق «تيت» الذي ظن أن التغييرات التي أجراها على النص الأصلي لمسرحية شكسبير، سوف تضمن له موافقة الرقابة على تمثيلها.
وحتى يتحاشى تيت فرض الحظر على المسرحية التي أعدها، ينقل الأحداث إلى مكان بعيد عن إنجلترا، هو جزيرة صقلية، ويغير عنوانها إلى «غاضب من صقلية»، لكن هذا التحايل على الرقيب لم يجد، فهي لم تسلم من الحظر حتى بعد تقديم ثلاثة عروض مسرحية منها، وساعد على فرض الحظر عليها السمعة السيئة التي سبقتها، بأنها مسرحية تحض على التمرد، ولحظر هذه المسرحية مقدمات، يرجع تاريخها إلى القرن السادس عشر، فقد فرض رئيس المباهج الملكية الحظر على المنظر الذي يصور عزل الملك، فتم حذفه لأكثر من عقد، غير أن حظر تمثيل بعض مشاهد ريتشارد الثاني لم يحل دون نشرها كاملة عندما رفعت الرقابة يدها على المطبوعات، الأمر الذي يكشف عن شيء من التضارب في موقف السلطة من الأعمال الأدبية، غير أن هذا يتم في الوقت نفسه، من أن السلطة أحياناً توجست خيفة من بعض مسرحيات شكسبير، ظناً من أن مسحة من الثورة والتمرد تشوبها.
وقد حرصت الرقابة فيما بعد على تمثيل الإعداد المسرحي لمسرحية شكسبير «هنري السادس» الذي قام به جون كراون عام 1680 بعنوان «شقاء الحرب الأهلية»، ويشتمل هذا الإعداد على أهداف دعائية واضحة، فبعض الأحداث يدور حول ما يقوم به الجنود من أعمال سلب ونهب للقرى وابتزاز للبسطاء وتنتهي المسرحية بشرح الدروس، التي ينبغي على الإنجليز تعلمها من الحروب، ومفادها قمع الكاثوليك والمخالفين للكنيسة الإنجليزية، حقناً للدماء، ومنعاً لوقوع الاضطرابات والفتن.
________
*الخليج الثقافي

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *