مشروع الأنوار وصورة الآخر في فكر تزفيتان تودوروف

*إبراهيم مجيديلة

عند الحديث عن الأنوار ينصرف الذهن مباشرة إلى ثلاثة نصوص فلسفية تأسيسية تحمل العنوان نفسه. ينتمي نصان منها إلى الفلسفة الحديثة، يعود أحدهما للفيلسوف موسى ميندلسون Moses Mendelssohn ويعود الآخر للفيلسوف إيمانويل كانط Immanuel Kant، وكانا معاً بمثابة مساهمة في النقاش العمومي الذي فتحته المجلة الألمانية الشهيرة (شهرية برلين) حول الأنوار. وينتمي النص الثالث إلى الفلسفة المعاصرة، ويعود لميشيل فوكو FoucaultMichel. ويمكن النظر إلى هذه النصوص من موقع اعتبارها انخراطاً مباشراً في النقاش الدائر حول ماهيّة الأنوار التي بدأت تتشكل ملامحها الكبرى منذ عصر النهضة الأوروبية في القرن الخامس عشر للميلاد، مع بداية الاكتشافات الجغرافية والعلمية وظهور الإرهاصات الأولى للإصلاح الديني، والتي ساهمت مجتمعة في تغيير رؤية الإنسان الغربي لذاته وللعالم وللآخرين. وربما يمكن الجزم أنّ حركة التنوير الأوروبي هي حصيلة تحولات عديدة ساهم فيها الفلاسفة والعلماء والفنانون والساسة والاقتصاديون ورواد الإصلاح الديني. ولعل هذا ما يدفع إلى القول إنّ الأنوار في السياق الغربي لم تقف عند حدود ما هو فكري أو فلسفي، بل تعدت ذلك إلى الاقتصاد والدين والعلم والفن والسياسة وسائر مناحي الحياة.

وإذا لم يكن بالإمكان العثور على اتفاق بين المؤرخين حول اللحظة الزمنية التي بدأت فيها الأنوار، حتى وإن كان الرأي الغالب هو اعتبار القرن الثامن عشر هو عصر الأنوار بامتياز، فإنّ الدراسة التاريخية للأفكار والوقائع تكشف أنّ الأنوار عرفت مساراً تطورياً متعرجاً، وقطعت أشواطاً متعددة وبسرعات مختلفة، كما أنها اتخذت صوراً متنوعة. فهناك تنويع رئيس في أصل الأنوار تمخضت عنه مواقف متنوعة إلى حدود التناقض والتعارض بخصوص تقييمها والحكم عليها. فنجد مثلاً من يعتبر أنّ الأنوار تجربة حضارية في ذمّة الماضي وقد تحولت إلى واقعة تاريخية تعكس تطور الوعي الأوروبي في لحظة زمنية تراثية استنفدت أدوارها وأغراضها وتآكلت من الداخل وقطعت صلتها بالحاضر ممّا يفرض إعلان موتها. وخلافاً لهذا الرأي نجد من يحنّ إلى الأنوار بصورتها التي تشكلت عليها منذ عصر النهضة أو بداية التحديث الأوروبي، ويدافع عنها من موقع الحاجة إليها. وبعيداً عن هذين الموقفين، الحركة المضادة للأنوار والحركة المبجلة لها، سنعرض لتصور المفكر المعاصر تزفيتان تودوروف الذي انتدب نفسه لإعادة قراءة الأنوار من منظور نقدي يعيد التفكير فيها بوصفها مشتركاً إنسانياً أو فكراً حاملاً لقيم الحركة الإنسية يسهم في فهم الحاضر بكلّ تعقيداته ومشاغله، وفي الوقت ذاته يعمل على ترميم أعطاب الأنوار والتنبيه على قصورها وتصحيح انحرافاتها ودفع التهم التي ألصقت بها.

وإنّ ما فرض على تودوروف العودة إلى الأنوار هو إيمانه براهنية منطلقاتها الكبرى وفاعليتها في مواجهة إشكالات الحاضر، غير أنّ عودته مشروطة بضرورة النقد والتمحيص “إذا كنا اليوم نريد أن نجد في فكر الأنوار ركيزة تساعدنا على مجابهة مشاكلنا المعاصرة فإنه ليس في وسعنا قبول جميع المقولات التي تمّت بلورتها خلال القرن الثامن عشر كما هي، ليس لأنّ العالم قد تغير فحسب، بل كذلك لأنّ هذا الفكر متعدد الوجوه وليس واحداً. ونحن أحوج في الواقع إلى إعادة تأسيس للأنوار، إعادة من شأنها أن تحافظ على إرث الماضي لكن مع إخضاعه إلى مراجعة نقدية”[1]. بهذه الروح سيعود تودوروف إلى إرث الأنوار ناظراً في منطلقاته وقارئاً لأفكاره وناقداً لانحرافاته، متوسلاً بهذا النظر والقراءة والنقد إيجاد ما يسعفه في فهم الحاضر وفك شفرات معضلاته. وبالروح الناقدة نفسها سننظر في مشروع الأنوار من خلال استحضار صورة الآخر المخالف، وهذا ما يتيح لنا الوقوف عند بعض انحرافات الأنوار من خلال واقعة الاستعمار الذي مارسه “الإنسان الأوروبي المتنور” على المخالف له حضارة وثقافة والبعيد عنه جغرافياً.

هل شكلت الأنوار حركة إنسية أم أنها لم تتجاوز أن تكون غطاء لإيديولوجيا استعمارية تسعى إلى استعباد الآخر وإخضاعه لسلطة الذات؟ ألم تكن الخلفية الإيديولوجية الموجّهة لمشروع الأنوار تأكيداً لمركزية الذات الغربية مقابل هامشية الآخر المغاير حضارياً ودينياً والبعيد جغرافياً؟

مشروع الأنوار:

بلغة فيها كثير من الانتشاء بدون تمركز حول الذات أو انغلاق عنها أو إقصاء للآخر يعتبر تزفيتان تودوروف أنّ “الأنوار هي أروع إبداع لأوروبا، ولم يكن للأنوار أن ترى النور لولا وجود هذا الفضاء الأوروبي الواحد والمتعدد في الآن نفسه. ولكنّ العكس صحيح، فالأنوار هي التي أعطت أوروبا كما نراها اليوم، وهذا ما يسمح لنا بالقول دون مبالغة: لا أنوار بدون أوروبا، ولكن أيضاً لا أوروبا بدون أنوار”[2]. ولكنّ مثل هذا التصور لم يمنع تودوروف من الاقرار بأنّ فكر الأنوار ظاهرة عالمية، حتى وإن لم يتسنّ ملاحظة ذلك دائماً وفي كلّ مكان[3]. ويتجلى ذلك في الوعي النظري الذي تُوجد آثاره في الهند منذ القرن الثالث قبل الميلاد، مثلما توجد عند المفكرين الأحرار في الإسلام خلال القرنين الثامن والتاسع للميلاد، وكما توجد هذه الآثار في الكونفشيوسية بالصين خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر، وفي الوعي التحرري للحركات المناهضة للرقّ والعبودية بإفريقيا خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر للميلاد. يكشف هذا الحضور المتنوع للأنوار في هذه السياقات الثقافية والحقب التاريخية المتنوعة أنها ليست مرحلة تاريخية أو مذهباً فلسفياً، بل هي موقف من العالم ينتصر للقيم الإنسانية ونسق قيمي يتأسس على العقل ويروم الحرية ويضمن الكرامة ويدافع ع الخير. وربما الأنوار هي الاسم الأكثر دلالة على كلّ العقلانيات عبر التاريخ الإنساني التي ناضلت من أجل الإنسان ومعاملته كقيمة عليا وكغاية، وليس كوسيلة أو شيء أو موضوع. إنّ فكر الأنوار المتعدد في كثير من الأحيان ليس حركة فكرية متواطئة. بغض النظر عن البلد الأصلي لفكر الأنوار، فإنه ساهم في استقلالية الأفراد من السلطة بكافة تجلياتها ودافع عن فكرة الصالح العام.

ما الأنوار؟ وهل يمكن تعريفها بكلمات قليلة؟ ولماذا نحن في حاجة إلى فكر الأنوار؟ ألم ينحرف هذا الفكر عن مساره؟ وما الذي يهدّد فكر الأنوار اليوم؟ هذه الشبكة من الأسئلة وغيرها هي التي شكّلت محفزاً لتودوروف للعودة إلى إرث الأنوار ومساءلته، وباعثاً للتفكير في مشاغل الحاضر من خلال منظارها الإنسي.

منذ البداية، وفي سياق تحديد ماهيّة الأنوار، يشير تودوروف بوضوح تام إلى أنه لا يمكن تعريف الأنوار إلا على حساب العديد من الاختزالات التبسيطية التي تخلّ بالمعنى الحقيقي لتشكلها، لأنّ كلّ تعريف هو قول بعدي ومختزل حول تجربة إنسانية معقدة تحققت من قبل.

ولهذا تتهافت التعاريف الاختزالية أمام الأنوار كفكر وكتجربة تتسم بالتعدد والاختلاف على مستوى الإشكالات والتصورات، وتتصف بالتنوع على مستوى الثقافات والمرجعيات، وتتميز بالتناقض على مستوى النتائج والمآلات. فالتعقيد هو ما يجسّد الخاصية الأولى المميزة للأنوار التي يُمتنع معها التكلم عن الأنوار كتيار فكري أحادي الجانب أو اختزاله في مظهر واحد من مظاهر المنجز الأوروبي منذ لحظة الخروج من العصور المظلمة. ففكر الأنوار معقد ومركّب ومتعدّد المشارب ومتنوّع المكونات، فهو “يتشرّب الإرث الفكري الذي ظهر في أوروبا منذ نهاية العصر الوسيط، حيث ترسخت مقوماته خلال عصر النهضة والقرن السابع عشر”[4]. وفي فكر الأنوار تتجاور عقلانية رونيه ديكارت مع تجريبية جون لوك، ويتفاعل العقل والعاطفة، والمادة والروح، ويتقاطع الإصلاح الديني مع الاكتشاف العلمي، وتتجاذب السياسة مع الأخلاق. والطريف في الأمر، حسب تودوروف، أنّ الأفكار تهجر عالم الكتب ليتمّ تطبيقها عملياً في الحياة اليومية[5]. فهي تجربة معاشة قبل أن تكون نظرية متعالية عن الواقع الفعلي كما عاشه الناس.

ولكنّ سمة التعقيد حسب تودوروف لا تمنع من الحديث عن مشروع للأنوار يرجعه إلى “ثلاث أفكار ما انفكت تنمو وتتطور بحكم نتائجها التي لا تحصى، وهي الاستقلالية، والغائية الإنسانية لأفعالنا، والكونية”[6]. وتمثل هذه الأفكار سنداً للإجابة عن السؤال المركزي الذي يعكس مدى القلق الذي تعيشه الإنسانية المعاصرة: على أيّ أساس فكري وأخلاقي نريد بناء حياتنا الاجتماعية بعد موت الإله وانهيار اليوتوبيات؟ بلغة فيها الكثير من الجزم يؤكد تودوروف أنّ الحركة الإنسية في عصر الأنوار هي ما يمثل الإطار النظري لوضع هذا الأساس الفكري والأخلاقي. وعلى هذا الأساس يفصح عن نيته في الكشف عن الخطوط العريضة لفكر الأنوار[7].

ولكن إذا أردنا اختزال الأنوار وتبسيطها، دون السقوط في الابتذال أو التشويش، فما هي النواة الصغرى التي يجب التركيز عنها؟ إنّ ما يدعونا تودوروف لتسليط الضوء عليه هو فكرة الاستقلالية التي يجعل منها السمة التكوينية الأولى لفكر الأنوار. تشير الاستقلالية إلى ما يجعل الناس قادرين على الاختيار واتخاذ القرارات انطلاقاً من إراداتهم، متجاوزين بذلك كلّ سلطة أو إكراه خارجي يحدّ من القدرة على الفعل والاختيار. فهي كما يصفها “إمكانية التحرّر من الوصاية التي تفرض على كلّ فرد طريقة أحادية للتفكير والإحساس”[8]. إنّ البنية العميقة للأنوار هي رفض كلّ وصاية تشلّ إرادة الإنسان وتسلب حريته وتلغي قدرته في استعمال عقله وقيادة عواطفه. إنّ الاستقلالية هي ما يعبّر عن تملك الإنسان “للحرية الكاملة في النظر والمساءلة والنقد والتشكيك، بحيث لن يكون هناك تقديس لأيّة عقيدة أو أية سلطة”[9].

يكشف الارتباط بين الاستقلالية والحرية عن سيرورة واحدة يتحقق الانخراط فيها بتوفر الحريّة الكاملة في النظر والمساءلة والنقد والتشكيك والاعتقاد. وتتجلى هذه الحريّة الأنوارية في التعالي عن كلّ وصاية أو سلطة. والدعوى التي تنبسط أمامنا تتمثل في كون الأنوار جاءت بفكرة أساسية بموجبها يصير الناس كائنات تصنع تاريخها وتتحمل مسؤولية فاعليتها في التاريخ، وتبعاً لذلك فإنّ الخير والشر مصدرهما الإنسان، وإنّ المجتمعات البشرية تخضع لميكانيزمات سلوكية واحدة مصدرها الإنسان نفسه. فقد عملت الأنوار على تحرير الإنسان من سلطة الماضي والاستقلال من إكراه التقاليد الخاصة ذات الأصل الديني أو الجذر السياسي. تجلت استقلالية إنسان الأنوار في اعتماده على ذاته والتشريع لنفسه، فأسّس معارفه في كافة المجالات على العقل والتجربة وأخضع كلّ شيء للنقد.

إنّ استقلالية ثورة الأنوار قد أحدثت انقلاباً في حياة الفرد وحياة المجتمع، أو في تمثل الفرد لنفسه وللمجتمع معاً، “فلم يعد إنسان الأنوار ذلك الشخص الحامل لصورة مجردة ومثالية، بل ذلك الكائن الواقعي بكلّ اختلافاته وتناقضاته. فلم يعد يُتصور كعقل مجرّد وكروح خالصة، إنّه جسد وروح، أهواء وعقل، شهوانية وتفكر”[10]. ويترتب عن الاستقلالية القبول بالاختلاف والتعدد والتنوع والاعتراف بالمغاير والمخالف. فالاستقلالية تعددية تقود إلى تقويض كلّ سلطة مطلقة ورفض كلّ إيديولوجية تسعى إلى الهيمنة على المجالين الفردي والجماعي.

من مظاهر الانقلاب الذي أحدثه إنسان الأنوار معرفياً وأخلاقياً وقانونياً “عملية الفصل بين الزمني والروحي”[11]. بفعل هذه العملية صارت كلّ قطاعات المجتمع تميل إلى العلمنة la laïcité دون أن يمسّ ذلك ضمان حرية المعتقد والحفاظ على إيمان الأفراد. كما صارت المدرسة فضاء عمومياً مفتوحاً لنشر ثقافة الأنوار وترسيخ قيم الاستقلالية والحرية، وامتدت هذه الروح إلى باقي الفضاءات والقطاعات كالفن والصحافة والإعلام والاقتصاد.

ولكي لا تنحرف الاستقلالية عن مقاصدها، فإنّ تودوروف يشدّد على أنّ استقلالية الأنوار لا تعني إلغاء كلّ الحدود أو هدم كلّ القوانين. فهي تفرض وجود مشترك إنساني وأخلاقي وقانوني، يوجّه سلوكات الأفراد والجماعات، ويجعل من الإنسان محوراً مركزياً لكلّ تشريع. والنتيجة الطبيعية لمثل هذا التصور هي أن يجعل تودوروف من غائية الأفعال الإنسانية منطلقاً مرجعياً وفكرة مؤسسة لمشروع الأنوار. وعلى هذا الأساس يعتبر فكر الأنوار مذهباً إنسياً humanisme أو يقوم على مركزية الإنسان[12].

شكّلت غائية الأفعال الإنسانية الأداة الأولى للحدّ من حرية الأفراد والجماعات، فهي التي توجه استقلاليتهم وتضبط تحررهم. كما مثل الإقرار بأنّ جميع الكائنات تملك حقوقاً لا يمكن التصرف فيها الأداة الثانية لذلك التوجيه والضبط. من ثمّ يجب ضمان الحقوق الطبيعية لكافة الناس بالنظر إليهم ككائنات بشرية، فلكلّ إنسان الحق في الحياة وفي صيانة حرمته الجسدية. وتتصف كلّ هذه الحقوق بالكونية التي تفيد أنّ أساس كلّ الحقوق المنسوبة للأفراد هو الانتماء إلى الجنس البشري. بمعنى الاعتراف بالكرامة التي يجب أن يتمتع بها الجنس البشري بالتساوي[13]. ويظهر مفعول فكرة الكونية في التقعيد للمساواة أمام القانون وصياغة المطلقات النظرية لفكرة الحقوق العالمية للإنسان والإيمان بالتعددية والتنوع في إطار الوحدة الإنسانية الجامعة.

يتضح ممّا سبق أنّ تودوروف يلخص مشروع الأنوار في ثلاث أفكار كبرى تترابط فيما بينها: الاستقلالية، وغائية الأفعال الإنسانية، والكونية، والتي بموجبها يعتبر الأنوار مشروعاً إنسياً. وهذه المرتكزات هي ما يشكل إرث الأنوار الذي يفيد في حلّ معضلات الحاضر. كما أنّ فكر الأنوار يتميز بالسير في اتجاهين: يشتغل بالسلب ويعمل على التحرر من القيم المفروضة من الخارج، ويشتغل بالإيجاب ويعمل على بناء قيم جديدة يختارها الإنسان بنفسه. بيد أنّ ذلك لا يعني مطلقاً أنّ الوجود البشري الفردي والجماعي يمكنه أن يستغني عن كلّ أنواع التقاليد وعن كلّ إرث يصله من الأجيال السابقة، ويعود السبب لكون إمكانية التفكير لا يمكن أن تتمّ بمعزل عن الأفكار والآراء السابقة.

انحرافات الأنوار:

يرفض تودوروف أن تكون إعادة قراءته للأنوار من قبيل القراءة المتفائلة للتاريخ، لأنّ كلّ قراءة تبالغ في ذلك هي من قبيل الوهم[14]. فتاريخ الأنوار لا يسير وفق مسار خطي تصاعدي ولا يمكن تصوره كتقدم متواصل، بل هو تاريخ متعرّج مسكون بالتناقض وقابل للتقهقر ومصاب بكثير من الانحرافات.

يقف تودوروف عند قضية في غاية الأهمية تتعلق بمآل الأنوار في اللحظة الراهنة أو وعود الأنوار التي لم تنجز برمّتها. فالصورة المثالية التي شكلتها فلسفة الأنوار عن الإنسان لم تعد قادرة على الاستمرار بعد ما حصل من حروب عالمية واستعمارية ومجازر، وكلّ ذلك تمّ باسم الإنسانية والإنسان، فالإنسان المتنور يقتل ويبيد أو يسيطر ويهيمن على ذلك الكائن الهمجي والمتوحش والبربري. ساهمت هذه الصورة في إدانة الأنوار، وأدّت إلى “الكفّ عن الانتساب إلى الأنوار، وصارت الأفكار التي تتضمنها كلمات من قبيل “إنسية” و”تقدّم” و”إرادة حرة” فاقدة لكلّ اعتبار”[15]. ويحصي خصوم الأنوار قديماً وحديثاً العديد من المشاهد الدامية والعنيفة للدلالة على فشلها، ويجدون في القرن العشرين خير شاهد على ذلك. شهد هذا القرن حربين عالميتين وقيام أنظمة شمولية في أوروبا وحدوث موجات من الاستعمار خارجها، بالإضافة إلى ما نجم عن سيطرة العقلانية التقنية والحسابية. ويكفي أن نشير هنا إلى الجيل الأول من فلاسفة فرانكفورت الذين عالجوا مفارقات الأنوار موضحين أنّ العقل التنويري أدى إلى تدمير ذاته وتحوله إلى أسطورة[16]. أصبح التنوير بالتعريف هو عقلنة الرعب الميثولوجي. والأخطر من كلّ هذا ربما شكلت مبادئ الأنوار وشعاراته غطاء إيديولوجيا للاستعمار. بهذا المعنى انحرف مشروع التنوير عن مساره، فعوض أن يعمّم قيمة الحرية وينشر التحرر أصبح يشرعن الاستعمار. ومثل هذا الوضع يطعن في ادعاءاته للكونية والإنسانية.

مع إدراكه الواعي لهذه المفارقات والتناقضات التي تسكن جسم الأنوار ولهذه الانحرافات التي أصابت مساره فإنّ تودوروف ينصّب نفسه مترافعاً ومدافعاً عن مشروع الأنوار، منطلقاً في ذلك من ضرورة القيام بفرز لمختلف التهم الموجّهة إلى الأنوار. فإذا كان تاريخ أوروبا أفرز الكثير من الأنظمة الشمولية والكليانية، وعرف الكثير من الحروب، ومارس الكثير من الفظائع كالاستعمار والاستبداد، وأنتج العديد من الدوغمائيات، فهل يمكن نسب كلّ ذلك إلى الأنوار؟

يشير تودوروف إلى أنّ الأنوار تمّت إدانتها من طرف معارضيها الذين ينطلقون من المعادلة الآتية “أنوار تساوي ثورة، وثورة تساوي إرهاب”، ويرجع ذلك حسب خصوم الأنوار إلى كونها “وضعت الإنسان محل الله واعتبرته مصدر مثلها العليا، ووضعت العقل الذي يرغب كلّ إنسان باستخدامه بكلّ حرية موضع التقاليد المشتركة، ووضعت المساواة محل التراتبية، كما أحلت تمجيد التنوع محل الوحدة”[17]. تلخص هذه العبارات أهمّ التهم الموجهة للأنوار، وهي في نظر تودوروف تحريف للأنوار من طرف الخصوم قبل أن تكون انحرافاً وقع في مشروعها.

إنّ الانتقاد الأساس الذي يلصق بالأنوار، وسيعمل تودوروف على تفنيده، هو كون الأنوار وفرّت السند الإيديولوجي للاستعمار انطلاقاً من اكتشاف العالم الجديد في القرن الخامس عشر وصولاً إلى النصف الأول من القرن العشرين. وتبعاً لهذا الاتهام فإنّ شعارات ومبادئ الأنوار لا تعدو أن تكون غطاء لاستعمار الشعوب واستعباد الآخر، وكأنّ الأنوار هي نواة الاستبداد ومصدر التشريع له. وكما وضّح تودوروف أنّ هذا الانتقاد يقوم على التعليل التالي: “بما أنّ الأنوار تقرّ بوحدة الجنس البشري فهي تقرّ إذن بكونية القيم، ولما كانت الدول الأوروبية مقتنعة بأنها تحمل قيماً أرقى من القيم السائدة عند غيرها من الأمم اعتقدت أنّ من حقها حمل حضارتها إلى الذين هم أقلّ حظاً منها، وكي تضمن نجاحها في أداء هذه المهمة كانت مجبرة على احتلال المناطق التي يقطنها سكان تلك الأمم”[18]. وأمام هذا الادعاء فإنّ تودوروف يقدّم مرافعته من أجل تبرئة الأنوار من التهم الموجهة إليها. وتستند مرافعته على اعتبار أنّ السياسة الاستعمارية وإن كانت تختفي وراء المثل العليا للأنوار فإنها في واقع الحال كانت تمارس باسم المصلحة القومية التي ليست من إفرازات الأنوار. يبدو أنّ مرافعة تودوروف تنقصها الفاعلية والقدرة على تبرئة الأنوار من التهمة الموجهة إليها، لأنّ واقع الحال الذي أقرّه فكر الأنوار لا يمكن إنكاره أو إغفاله. وهذا التوجّس من عدم تبرئة الأنوار هو ما يسيطر بقوة على تودوروف في كثير من فصول كتابه “نحن والآخرون”[19].

صورة الآخر:

في كتابه “فتح أمريكا: مسألة الآخر” يعالج تودوروف بدايات تشكل إيديولوجيا العقل الأوروبي الحديث الذي سيبدع الأنوار وسيكون في الوقت نفسه شعاراً للأنوار. ويستشفّ من فصول الكتاب أنّ اهتمام تودوروف بالاكتشافات الجغرافية فرضته رغبة مزدوجة: رغبة في نسج سرد تاريخي لمسيرة تشكل مشروع الأنوار، ورغبة في تعيين أصول الانحرافات التي أصابت هذا المشروع. فاهتمامه الرئيس كما صرّح هو نفسه “اهتمام إنسان مهتم بالأخلاق بدرجة أكبر من كونه اهتمام مؤرخ، فالحاضر بالنسبة لي من الماضي”[20].

من أجل رسم ملامح الآخر في مرآة الأنوار الأوروبية سيوظف تودوروف قصة تاريخية تدور حول اكتشاف أو فتح أمريكا، وترتبط هذه القصة بزمان ومكان محددين؛ يتعلق الزمان بالسنوات المائة الأولى بعد رحلة كولومبوس في القرن السادس عشر الذي شهد اقتراف أوسع إبادة في تاريخ الجنس البشري، في حين يتعلق المكان بمنطقة الكاريبي والمكسيك. والحدث البارز في هذه القصة هو “تصور الإسبان للهنود”[21]. ويندرج هذا الحدث ضمن الأحداث الكبرى المؤسسة للأنوار في صيغتها الأوروبية.

تقع بداية هذا الحدث في سنة 1492 عندما عبر كولومبوس المحيط الأطلسي، وقد قاده ذلك لاكتشاف العالم الجديد. يتساءل تودوروف عن الدافع عند كولومبوس لهذا العبور، بل والقيام بكلّ رحلاته؟ فهل كان الدافع هو نشر قيم الأنوار أم فرض الهيمنة على الآخر؟ يوضح تودوروف أنّ ما كان يحرك كولومبوس ليس الذهب وحده، ولكن أيضاً “انتصار المسيحية العالمي” هو ما حرّك كولومبوس بوصفه رجلاً متديناً عميق التديّن[22]. فالحاجة إلى المال والرغبة في فرض الربّ الحقيقي لا تستبعد إحداهما الأخرى، بل هناك علاقة تبعية بين الاثنتين: فالمال وسيلة، وفرض الربّ المسيحي غاية. والواقع أنّ كولومبوس في كلّ رحالاته كان يسعى لتوفير المال الكافي من أجل تجهيز حملة صليبية لتحرير القدس[23]. فالتوسع الروحي يرتبط ارتباطاً لا ينفصل عن الفتح المادي[24]. ويعتقد تودوروف أنّ هناك ثلاثة دوافع حركت كولومبوس نحو اكتشاف أمريكا: الأول بشري يتمثل في الثروة، والثاني قدسي وهو نشر المسيحية، والأخير مرتبط بالطبيعة وحبّ الاستكشاف.

إنّ السرد التاريخي الذي عمل تودوروف على بنائه من خلال يوميات كولومبوس يدور في مجمله على اكتشاف الأنا للآخر الخارجي والبعيد والغريب. فأول ما يقوم به كولومبوس لدى اتصاله بالأراضي المكتشفة حديثاً هو تسميتها، وكما يرى تودوروف أنّ “إطلاق الأسماء على الأشياء يساوي امتلاكها”[25]، وكأنّ هذه الأرض خالية من السكان. فطقوس التسمية تستبطن احتقار الآخر وتهميشه.

فكيف يظهر الآخر في يوميات كولومبوس؟ يستخلص تودوروف من هذه اليوميات الصورة العامة التي شكلها الغزاة الفاتحون عن الآخر الهندي، فهو لا يتحدث عن “البشر الذين يراهم إلا لمجرد أنهم يشكلون في نهاية المطاف جزءاً من المشهد الطبيعي”[26]. يحتل الآخر موقعاً ما بين الطيور والأشجار والثمار والأزهار، ففي كثير من الأحيان يتمّ الحديث عن الناس رجالاً ونساء حديثاً متداخلاً مع حديثه عن الحيوانات. فالصفة التي ينسبها كولومبوس للهنود هي التوحش، فهم يسيرون عراة نساء ورجالاً، وهذا العري الجسدي يقابله عري روحي. وتبعاً لهذه الصورة الممتلئة احتقاراً وسخرية فهم يحتاجون للحضارة المسيحية للرقي بهم والخروج بهم من حالة التوحش ونقلهم إلى حالة التحضر والإنسانية. فمثل هذا التبرير لا ينفصل عن التنظير الفلسفي لمسألة “الاستبداد المستنير” التي هيمنت على العقل السياسي لمنظري الأنوار، فإذا كان بعض فلاسفة الأنوار عملوا على إدانة الفظائع التي ارتكبت في حقّ السكان الأصليين للأراضي المستكشفة، فإنهم لم يتحرجوا في الدفاع عن الاستعمار الذي اعتبروه ضرورة حضارية. والنتيجة الطبيعية لمثل هذا الموقف أن يكون الاستبداد المستنير الممارس في حقّ الآخر الغريب استبداداً مُظلماً وقاتم السواد.

يرصد  تودوروف عند كولومبوس رغبة كانت تتملكه في تحويل الهنود إلى مسيحيين ونشر الإنجيل. ولتحقيق هذه الرغبة سيعمد كولومبوس في رحالاته الموالية إلى اصطحاب القساوسة والرهبان، وكان تصرفه يتمّ وفق المعادلة الآتية “الإسبان يقدمون الدين ويأخذون الذهب”، وإذا قاوم الآخـــرون هذه المعادلة فـفي هذه الحالة يجب “إخضاعهم من الناحيتين العسكرية والسياسية، حتى يتسنى أخذ ثروتهم منهم عن طريق القوة”. ولهذه الغاية سيعمد كولومبوس في رحلته الثالثة إلى اصطحاب المجرمين. يشير هذا العامل الأخير إلى تحول عميق في استراتيجية كولومبوس تجلت في انتقاله من مساواة مبدئية إلى “إيديولوجية استعبادية”[27] تقود ضمنياً إلى ادعاء دونية الهنود/الآخر. وسيصير المشهد مأساوياً، فالسفن القادمة من أوروبا محمّلة بالجنود والقساوسة والمجرمين والبضائع ستعود إلى أوروبا محملة بالعبيد. لقد تحوّل الهنود إلى مجرد أشياء حيّة. فالآخر في نظر كولومبوس والفاتحين المتنورين يتقلب بين صورتين: فهو متوحش نبيل أو كلب قذر، وفي كلتا الصورتين يجب استعباده. ويتضح من هذا التمثل الاستعماري أنّ كولومبوس إذا كان قد اكتشف أمريكا جغرافياً، فهو لم يعامل الأمريكي كآخر مخالف ومغاير يقيم فيها. إنّ حدث فتح أمريكا يتميز باللبس، ففي لحظة اكتشاف الآخر يتمّ القضاء عليه. وإنّ هذا الحدث على دمويته وعنفه الطافح هو الذي “دشّن وأسّس في واقع الأمر هويتنا الحاضرة”[28].

لتصوير مسيرة التنوير الأوروبي تستعير المفكرة دورنيدا أوترام أستاذة تاريخ أوروبا الحديث بجامعة كامبردج من الإنتاج الروائي مثالاً غني الدلالة ومكثف المعنى يعكس “المثل الحاضر في الوعي للعلاقة بين التنوير في أوروبا وبين باقي العالم “[29]. ويتعلق هذا المثال بشخصية “روبنسون كروزو” التي تُعدّ الأكثر شهرة من بين كلّ الإبداعات الأدبية للتنوير. ويدور الحدث الرئيس لهذه الرواية حول تواجد كروزو ملقيّاً في جزيرة بمنطقة الكاريبي بعد تحطم السفينة التي كان على متنها. وتصف أحداث الرواية الحالة التي سيكون عليها كروزو عندما يواجه أول مرّة في حياته “طبيعته الأخلاقية الحقيقية عندما كان مقيداً هناك، وبدأ بالتدرج يضع خطة للتوسع، وابتدأ بالزراعة، ثم حرّك قاعدته من الساحل الذي تحطمت بقربه سفينته حتى وصل إلى وسط الجزيرة، حيث شعر بنفسه أنه سيّد جزيرته. بعد سنوات تناقص إحساسه بالعزلة في الجزيرة عندما تقابل مع واحد من أهلها وأسماه “السيد فرايداي” تعامل معه كروزو كخادم”[30]. تصوّر شخصية روبنسون كروزو مسيرة التنوير الأوروبي في علاقته مع الآخر. والظاهر أنّ هناك علاقة ارتباط وثيقة بين الاستعمار واستغلال الطبيعية والسيطرة على الآخر، ويؤكد هذا الارتباط القناعة بأنّ “التنوير والتحكم في الطبيعة كانا جزأين من المشروع نفسه”[31]، بمعنى مشروع الهيمنة على الآخر المخالف والمغاير والبعيد جغرافياً وثقافياً ودينياً.

تحتم علينا الأحداث التي عاشتها شخصية روبنسون كروزو اعتبار الأنوار وريثة للاستعمار الذي نتج عن الاحتكاك الأوروبي بالأراضي البعيدة التي يستوطنها الغريب، نظراً للنقاش الأخلاقي والقانوني والديني والفلسفي الذي يتخلل ويعقب هذه الأحداث. فالأنوار يسكنها التناقض وتتلبسها أرواح جدلية السيد والعبد، وفي الوقت الذي تنتج مركزية الأوروبي المتنور فإنها تنتج هامشية الآخر، وبلغة نيتشوية فالأنوار وعي شقي أسّس من عقدة الخوف من البرابرة الذين اصطنعهم المخيال الأوروبي. ويشير تودوروف إلى أنّ “التناقض سيتواصل لاحقاً، فالفرنسيون يتباهون بجلبهم الحضارة للأفارقة وأهالي الهند الصينية، ويبررون بذلك عمليات الاحتلال التي قاموا بها، إنهم يقصدون بذلك في أحسن الأحوال شقّ الطرق وفتح المدارس وإدخال الطب، أي عناصر التقنية المتطورة. أمّا أهالي البلاد الأصليون الذين أخضعوا للاستعمار فإنهم لم يكونوا يتشكون من التقنيات التي استقدمت، وإنما من الإذلال الشخصي الذي عانوا منه، لأنهم عوملوا كأشخاص من صنف متدنٍ. فما يسميه البعض حضارة يخفي بالنسبة للآخرين شكلاً من أشكال البربرية”[32]. فإذا كانت مبادئ الأنوار وشعاراته تشكّل رمزاً على تحضر الأوروبي وإيمانه بقيم العقل والاستقلالية والكونية، فإنّ الانطباع المتولد لدى المستعمرين أنها شكلت غطاء إيديولوجيا للاستعمار وشرعنة الاستبداد والهيمنة.

إنّ العقل الأنواري نتج عن المفارقات، ولم يفتأ يعيد إنتاجها، ولعل المفارقة البليغة المعبّرة عن صورة الآخر في أنوار الإنسان الأوروبي بدأت في التشكل من لحظة زمنية تمثل لحظة العبور من العصور الوسطى إلى العصور الحديثة. ففي عام 1492 سيعمل العقل الأوروبي على نبذ الآخر الداخلي المسلمين واليهود بعد سقوط غرناطة، وفي السنة نفسها يكتشف آخره الخارجي. وإنّ الآخر سواء كان داخلياً أو خارجياً فإنه موضوع سخرية واحتقار واستعباد. فهذه “الأنا أفكر” هي نفسها “الأنا أقتل”، والأنا الطامحة لتحرير ذاتها تعمل على استعباد غيرها.

يرصد ميشال فوكو في مشروعه الفكري، ومن منظور إركيولوجي، التحولات التي أصابت البنيات العميقة للمشروع الثقافي الغربي الذي يجد أسسه في الأنوار، والعنوان الكبير لهذه التحولات هو تاريخ جنون العقل أو العقل الأنواري وقد مسّه الجنون. فقد أبرز من خلال حفرياته أنّ تاريخ الأفكار ووعود عصر الأنوار قد انتهت ودخل الغرب في عصر ما بعد التاريخ، كما أنّ التنوير الغربي لم يحدث تنويراً كاملاً، وإنّما نقل سلطة اللامتناهي من حامل إلهي إلى حامل إنساني محايث. فصار على الإنسان ذاته أن يحقق إرادة قوته[33]. إنّ مشروع الأنوار هو مشروع تحقق إرادة الإنسان الأعلى الأوروبي، وهي إرادة لم تتوقف بعد، وإنّ أخلاق الأنوار أخلاق ذاتيّة، ولا يمكن أن تصطبغ بخاصية الكونية إلا إذا فرضت بالقوة، وألغت الاختلاف والمغايرة والتعدد.

وبعيداً عن منطق الهيمنة والإقصاء، ربما يكون من حق كلّ مكون حضاري أوثقافي أن يبدع أنواره الخاصة به، وهذه هي روح الأنوار الحقيقية. ومن هذه الزاوية يمكن الجزم أنّ الأنوار ما زالت معاصرة لنا “لأنها تستمد قوتها من طبائع مركوزة في البشر وفي مجتمعاتهم، وهي طبائع يستحيل اقتلاعها كالرغبة في الاستقلالية والحوار”[34].

إنّ القول براهنية الأنوار يستمدّ مشروعيته ممّا ذهب إليه كلٌّ من مندلسون وكانط عندما اعتبرا الأنوار عملية تدريب الإنسان على استعمال عقله في المجالين العام والخاص، وما يرتبط بهما من فضاءات تزدهر فيها الحريّة. فالأنوار هي الإيمان بالعقل في أن ينهض بالإنسان ويحفظ كرامته ويسمو بإنسانيته ويمنحه الإرادة على مقاومة كلّ أشكال الاستبداد والتسلط. فالأنوار برنامج إنساني تحرري وإصلاحي، وهذا هو الدرس الذي نحتاجه اليوم.


* نشر هذا المقال في مجلة يتفكرون، العدد الثامن، 2016، إصدارات مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث.

[1]- Tzvetan Todorov, l’esprit des lumières, Robert Laffont, 2006, p. 28.

[2]- تودوروف تزفيتان، روح الأنوار ـ تعريب حافظ قويعة، الطبعة الأولى، دار محمد علي، 2007، ص 141

[3]- المرجع نفسه، ص 125

[4]- تودوروف تزفيتان، تأملات في الحضارة والديمقراطية والغيرية، ترجمة محمد الجرطي، كتاب الدوحة العدد 38، 2014، ص 91

[5]- تودوروف تزفيتان، تأملات في الحضارة والديمقراطية والغيرية، ص 92

[6]- روح الأنوار، ص 10

[7]- روح الأنوار، ص 8

[8]- تأملات في الحضارة والديمقراطية والغيرية، ص 93

[9]- روح الانوار، ص 10

[10]- المرجع السابق، ص 17

[11]- المرجع السابق، ص 15

[12]- روح الأنوار، ص 16

[13]- تأملات في الحضارة والديمقراطية والغيرية، ص 93

[14]- روح الانوار، ص 20

[15]- المرجع السابق، ص 20

[16]- يمكن الرجوع إلى هذا الكتاب للاطلاع على جوانب النقد الذي مارسه الجيل من النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت للأنوار أو العقل الأنواري:

Max Horkheimer et Theodor Adorno, la dialectique de la raison, fragments philosophiques, trad E.Kaifholz, Paris, Gallimard, 1974, p 16.

[17]- روح الأنوار. ص 29

[18]- روح الانوار. ص 31

[19]- يمكن الرجوع إلى هذا الكتاب للاطلاع على صورة الآخر في الفكر الفرنسي:

– Tzvetan Todorov, Nous et les autres, réflexion française sur la diversité humaine, éditions du Seuil,1989.

[20]- تودوروف تزفيتان، فتيح أمريكا مسألة الآخر، ترجمة بشير السباعي، سينا للنشر، الطبعة الأولى، 1992، ص 10

[21]- المرجع السابق، ص 10

[22]- المرجع نفسه، ص 16

[23]- المرجع نفسه، ص 17

[24]- المرجع نفسه، ص 50

[25]- المرجع نفسه، ص 33

[26]- المرجع نفسه، ص 40

[27]- المرجع السابق، ص 52

[28]- المرجع نفسه، ص 11

[29]- دورنيدا أوترام، التنوير، ترجمة ماجد موريس إبراهيم، دار الفارابي، الطبعة الأولى، 2008، ص 198

[30]- المرجع السابق، ص 198

[31]- المرجع نفسه، ص 198

[32]- تودوروف تزفيتان، الخوف من البرابرة ما وراء صدام الحضارات، ترجمة جان ماجد جبور، هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، كلمة، الطبعة الأولى، 2009، ص 48

[33]- يمكن الرجوع إلى كتب ميشال فوكو، وخاصة كتاب: “الكلمات والأشياء” وكتاب: “تاريخ الجنون” فهما يحملان رؤية نقدية للأنوار تحتاج إلى ورقة مستقلة.

[34]- روح الأنوار، ص 142
_________
*مؤمنون بلا حدود

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *