الصُنْدُوق الحَديدي
سبتمبر 15, 2016
ثقافات- خاص
*محيي الدين كانون
في مِصْعَد آلي كمْركبةٍ صاروخيةِ ، وبمدينة غريبةٍ كنت أحد الراكبين من خمسةِ غُرُباء في كل شيءٍ ، جَمعنا الخوْف في هذا المِصْعَد اللعين ، كُنْتُ أريدُ الطابقَ العشرين بعْدَ المئةِ ، لكنْ لِعدم وضوح الأرقام المحفورةِ في القُرص البيْضَاوي ، بسبب الإضاءةِ البنفْسجية الخافتةِ ، كما لاحظ بعضُ الرُكْاب ، و لاحظتْه بِنفسيِ ، مما جَعلْنا جميعاً نرْتبكُ إلاّ مِنْ ذكاءٍ متحفزٍ متوترٍ وعازمٍ لدَي طفلةٍ لم تتعَدى الثامنةَ ، ومنْ واقعِ الخبرةِ بألعابها الإلكترونية الذكيةِ ، همّتْ أن تُعالجَ الرقمَ المطلوبِ غيْرَ الواضحِ نيابةً عَنْ أُسرتِها في وقْتِ ربكةِ صُعُودِ الرُّكابِ وازْدِياد عددِهم ، فضغطت بإصْبعِها الصغيرِ على زِرّ من القُرص والمِصْعَد أثناءَ تَحرُّكهِ المُنْطلِق ؛ فزادَ بعْد الضغْطةِ سرعةً مخيفةً ثم خروجاً عن مجالهِ بطريقةٍ مفزعةٍ للرُّكابِ ، كدتُ أصرْخُ لولا مِنْ ابتسامة ِ أُمّها الرّقيقة … تحَكَمْتُ في نفْسِي وجَعَلْتُ أقولُ بصوتٍ مفْزعٍ مؤنبٍ :
ــ ماذا فَعلْتِ يا صَغِيرتِي ؟!
انفزعت المسْكِنةُ بِدوْرِها ، وردَتْ بعَصبيةٍ :
ــ إنَّني ضَغَطتُ على الزّرِ الصَحيحِ .
لحَظَاتُ مرّتْ لا نعْلمُ بمصيرِنَا في هذا الصنْدوقِ الرهيبِ ، كُلُّنَا ننْظِرُ ونترقبُ النهايةَ في تجربةٍ فضائيةٍ مجهولةٍ ، ذلكَ كانَ الحالَ في لحظاتٍ مخيفةٍ مؤثرةٍ ، انْحَبَسَتْ خلالها أنْفَاسنا ، ثُمّ فجأةً توَقْفَ الصُّنْدوقُ الحديدِيِ ، وانْفتحَ البابُ على مِصْرَاعيه بِظلّ مُوسيقا خافتةِ بَنَفْسجيةٍ … وجدْنَا أنْفُسَنا جَميعاً فوْقَ أنْقَاضِ مدينةٍ نائمةٍ . مدينةُ دونَ سُكّانِ ، مهجورةٌ تماماً ، أو هَكَذا تبْدو ، تحَرّكَتْ الطفلةُ وأُسرتُها ككتلةٍ واحدةِ في اتجاه واحدٍ كسِرْبِ البَطّ ، هممتُ أن اسألَهم ، ولكنْ السؤالَ تَجَمّدَ في حلْقِي… أخَدتُ أبحَثُ عن نفْسِي أو عَنْ لافتةٍ تُدلُّني : أيْنَ أَنَا …؟! أو مَنْ أَنَا …. ؟ !
_______
* كاتب وأديب من ليبيا
مرتبط
إقرأ أيضاً
نصوص*فيوليت أبو الجلدأزرق، من مخمل الشِعر،قلت لعينيه :هذا البحر دميوبكيت.***لما تراءَت له،سقطَت ثماره على نَصّها…
نصوص*عثمان بالنائلةخاص ( ثقافات )عبثاسمع طنين ذبابة. اِقشعرّ بدنه. أجال نظره داخل الغرفة. رآها تستقرّ…
نصوصمحمد مراد أباظةخاص ( ثقافات )(المرآة)لا.. لا تصدِّق..ذاكَ الطفلُ لم يهرمهيَ الأحزانُ أتعبَتْهُ قليلاًفتراءَتْ على…
الوسومقصة قصيرة محيي الدين كانون
شاهد أيضاً
(ثقافات) قصة الظل[1]. إدغار آلان بو ترجمة: عبد القادر بوطالب أنت الذي تقرأ ما …