حوار مع أديلا كورتينا علامة الإيثيقا في إسبانيا

خاص- ثقافات

*ترجمه عن الإسبانية: عبد الرحيم نور الدين

تقديم:

أديلا كورتينا المولودة سنة 1947 في بلنسية، هي سيدة الإيثيقا في إسبانيا.حصلت في أكتوبر من سنة 2014 على الجائزة الوطنية للمقال البحثي عن كتابها ” لماذا تصلح الإيثيقا واقعيا؟ “(الصادر سنة 2013 عن منشورات بايدوس) و هي المرأة الوحيدة المقبولة في أكاديمية العلوم الأخلاقية و السياسية.

تدرس الإيثيقا و الفلسفة السياسية بالجامعة. يلزم على كل من يريد معرفة الإيثيقا أن يستفيد من العمل الذي حققته هذه الفيلسوفة خلال أكثر من ثلاثة عقود. كانت أديلا كورتينا من أوائل من أدخل إلى إسبانيا إيثيقا الخطاب كما تبلورت عند هابرماسJürgen Habermas  و آبيل Apel  Karl-Otto(الذي ترجمت له كتاب “تحول الفلسفة” ) ، رغم أن مشروعها المتمثل في إيثيقا ودية  يطمح إلى تعويض أوجه القصور في إيثيقا الخطاب  بإثيقا  فضائل، أي أن تتمم التحليل الكانطي للإيثيقا الإجرائية  بمقادير معينة من الحكم الأرسطي الجيد. كما  كانت أيضا رائدة في أخذ الكون المتلون لأنواع الإيثيقا  التطبيقية على محمل الجد، و خاصة إيثيقا الأعمال، التي تعد من أبرز ممثليه في اللغة الإسبانية. كورتينا  هي الوحيدة في إسبانيا تقريبا ، باستثناء  سافاتير Savater Fernando (1)أو مارينا Jose Antonio Marina (2)، التي يمكن لها أن تفخر بإعادة طبع مؤلفاتها عدة مرات: ” الإيثيقا الدنيا ” (منشورات أليانزا، 2010 ) في طبعته الخامسة عشرة؛” الإيثيقا دون أخلاق ” (منشورات  أليانزاAlienza، 2010 ) في طبعته العاشرة؛” الإيثيقا التطبيقية و الديمقراطية الجذرية ” (منشورات  تيكنوسTecnos، 2008 ) في طبعته الخامسة، الخ. لكنها تبقى شبه مجهولة في العالم العربي إذ لم يترجم لها سوى كتاب واحد هو ” مواطنون في العالم”.

الحوار:

سؤال:

ربما يجب قبل كل شيء أن توضحي لنا  ماذا تعني الإيثيقا..

أديلا  كورتينا:

كان لي مدرس ممتاز، هو فرناندو كوبيلس Fernando Cubells ، اعتاد تكرار مسائل الأسماء هي أيضا مسائل عن الأشياء، و لهذا من المهم توضيح الموضوع الذي نتحدث عنه عندما نستعمل لفظ ” إيثيقا”. كما تعلم جيدا، كلمة إيثيقا مشتقة من الإغريقية، من إيتوس êthos   التي تعني” مزاج”. بهذا المعنى فالإيثيقا متعلقة أساسا  بصنع أمزجة الأشخاص، الذي هو المادة التعليمية الأكثر أهمية في حياتنا. و لقد توسعت في هذه الفكرة  في الفصل الثاني من الكتاب.

سؤال:

و في الأخير تقولين إن الإيثيقا تكمن في” المزاوجة بين العدالة و السعادة “.

أديلا  كورتينا:

دائما ما كانت الفلسفة تتساءل عن السعادة، لكن هذه الأخيرة فهمت بطرق متنوعة جدا. و في المراحل الأخيرة فهمت السعادة بطريقة قد تجعلها متعارضة مع العدالة، لأنها اختزلت، بحسب حكمي، في طيب العيش. يدل “طيب العيش” على امتلاك مجموعة من الأحاسيس الممتعة، مثل الرضا عن الحياة أو امتلاك ما يسمى ” حياة ذات جودة”، أي العيش في مدينة صغيرة، التوفر على علاقات جيدة، استطاعة حضور حفلات موسيقية، الذهاب إلى المسرح، الخ. يعتبر ما ذكر من حيث المبدأ شيئا جيدا، لكن إذا ما اختزلت السعادة في طيب العيش، فحينذاك يمكنها أن تدخل في تعارض مع العدالة.

سؤال:

كيف لهذا الأمر أن يكون ممكنا؟

أديلا  كورتينا:

لأن من هو بأحسن حال ينزعج ممن يطالبون بالعدالة. يقال في بلدنا: ” ليس على من هو بخير أن يتحرك “. إذا أتى من يطالب الموجود بأحسن حال بدفع ضرائب، فإنه  سيقوم بالدفع إذا كان هناك إكراه، أما إذا لم يكن هنالك إكراه، فهو لن يؤد شيئا على الإطلاق. إضافة إلى ذلك، سيفكر في كون المال ماله و سيتساءل لماذا يطالبونه به. بالمثل، إذا قدم مهاجر على متن قارب، سيبدو له مؤذيا جدا، إذ هو في حالة جيدة و لا يفهم لماذا يجعله المهاجر يتحرك. و إذا ما حكي على الموجود بأحسن حال بأن هناك اليوم كم هائل من الفقراء في إسبانيا، و بأن العديد من الأسر  تلجأ إلى منظمات الإحسان و أن هناك أطفال لا يأكلون إلا حينما تقدم لهم وجبة غذاء في المدرسة، سيشعر بالضيق، لأنه يوجد في حال جيدة و لأن ذلك يزعجه.

من أجل ذلك اعتقد إمكان تعارض العدالة مع السعادة إذا ما أصبحت هذه الأخيرة طيب عيش. العدالة هي على الدوام مطلب، و مطالب العدالة لا يمكن ركنها جانبا بأي شكل من الأشكال، نظرا لكونها ما يميزنا بالأساس ككائنات بشرية. نسيان مطالب العدالة يعني الهبوط إلى أقل من الحد الأدنى من الإنسانية. و لذا أرى من الواجب أن تكون السعادة تطلعا متضمنا لمطالب العدالة، و في سياق هذا الفهم اقترح الرحمة كشيء أساسي.

سؤال:

تنتشر  بين الناس فكرة سلبية عن الرحمة.  أذكر بيوم دموند Dia del Domund(3) و أشياء من هذا القبيل.

أديلا  كورتينا:

الرحمة ليست هي الشفقة التي يشعر بها  من هم بوضع جيد تجاه من ليسوا  كذلك. الرحمة شعور معاناة مع الغير في خوفه و كذا في فرحه، ذلك لأن الابتهاج بخير الآخر في بلدنا، حيث الحسد هو الخطيئة الكبرى، هو من أصعب الأشياء. قرأت منذ أيام خبر طبيب نفساني سأل بعض المستجوبين: << متى تفرح كثيرا، هل عندما تسير أمورك بشكل جيد أم عندما تسير بشكل سيء بالنسبة للآخرين؟ >> و كان الناس يجيبون عندما تسير أمور الآخرين بشكل سيء!

14139864388976

سؤال:

يجب أن نرى حقيقتنا!

أديلا  كورتينا:

سبق للخبير الاقتصادي جيفري ساكس  Jeffrey Sachs (4) أن قال –  و لقد أدرجت قوله في الكتاب – إن أحد أسباب الأزمة كان هو افتقاد النخبة الأمريكية للمروة، و أضيف بأنها لم تكن تملك الرحمة أيضا. لقد اعتقد المصرفيون و الساسة و الشخصيات البارزة، الذين لا يهتمون مطلقا بالآخرين، أن ليس من واجبهم أن يكونوا عادلين. لا يمكن للعدالة في تصوري أن تشتغل بأي شكل من الأشكال بدون هذه الرحمة الأولية. إذا كان الآخرون  غير مهمين فإنه لا معنى للعدالة. لهذا السبب اعتقد أن مشروع سعادة متضمن للآخرين هو الوحيد القادر على طرح مطالب العدالة.

سؤال:

هل يتعلق هذا بما تسميه “أبوروفوبيا” Aporofobiaأي رفض الفقراء؟

أديلا  كورتينا:

على الرغم من كثرة الحديث عن كراهية الأجانب، إلا أنني اعتبر أن الأجنبي لا يكون مزعجا عندما يأتي محملا بالبترودولار . و لا عندما يجيء الألمان أو الإنجليز إلى السواحل الإسبانية لقضاء المرحلة الأخيرة من حياتهم. الحقيقة أننا نفرش لهم السجادة الحمراء لأنهم يجلبون  معهم المال، لا يزعجنا كونهم آريين أو أنجلوساكسونيين أو أي شيء آخر من هذا القبيل. و إذن من هم المزعجون؟ هم الفقراء حتى لو كانوا من العائلة؛ هذا بديهي. يتم إخفاء فقراء العائلة و لا يتم إظهار سوى أفراد العائلة الموجودين في وضعية مريحة. واقع ” الأبوروفوبيا ” واقع صارخ.

سؤال:

كنت في إسبانيا أكبر ممثل للإيثيقا الحوارية و دافعت دائما عن ضرورة وجود إيثيقا  دنيا في مجتمع تعددي. ماذا تعنين بهذه الصيغة؟

أديلا  كورتينا:

أريد القول بأن صيغة التعدد الأخلاقي تكمن في أن تتعايش مذاهب إيثيقية حدود عليا، مذاهب إيثيقية مفترقة تقدم عروض حياة سعيدة، و مقترحات حياة جيدة،  و تنصح بمشاريع متميزة لحياة جيدة، و أن  تتحاور دائما  في ما بينها و تتقاسم  على الأقل  بعض القيم الدنيا للعدالة مع أولئك الذين لا يستطيعون العيش دون السقوط في اللا-إنسانية .

سؤال:

ما هي هذه القيم الدنيا؟

أديلا  كورتينا:

الحرية بالأساس ( على أن تفهم كاستقلال، كمشاركة، كاستقلالية و ك لا- سيطرة)، و المساواة، و التضامن، و الاحترام النشيط و الحقوق الإنسانية من الأجيال الثلاثة الأولى: أي، حرية التعبير، و حرية تكوين الجمعيات، و حرية التجمع، و حرية الضمير، الخ.، و لكن أيضا الحقوق الاقتصادية، الاجتماعية و الثقافية، أي،  رعاية صحية ذات جودة، تعليم ذو جودة، تأمين ضد البطالة، تقاعد في سن معقولة و المساعدة في أوقات الأزمة، مثلما عند وجود شخص ما في حالة عجز أو في وضعية تبعية. هذه الحقوق هي القيم الدنيا التي يجب على الجماعات السياسية أن تكون متفقة حولها. صحيح أن هذه الحدود الدنيا ليست ثابتة، بل هي دينامكية، لكن علينا أن ندرك على الأقل أن هناك حدود دنيا من العدالة يجب على الجميع تقاسمها، و إلا فلن يوجد بين أعضاء مجتمع ما شيء مشترك و لن يستطيعوا بناء أي شيء سوية.

سؤال:

لكن ألا يبدو للعيان أن هذا الإجماع حول دولة طيب العيش، كنمط خاص بأوروبا، يتعرض للنسف: ينبغي خفض المعاشات، خصخصة الصحة، تقليص التعليم، الخ…

أديلا  كورتينا:

كتبت مؤخرا مقالا عنوانه ” قلب أوروبا”، قلت فيه بالضبط إن النموذج الذي تعتبره أوروبا خاصا بها هو أفضل ما تستطيع تقديمه. مع إضافة الدفاع عن الديمقراطية و الكرامة الإنسانية. عندما تعرض هذه القيم القاعدية للخطر بسبب التقشف الاقتصادي بدعوى أن الموارد شحيحة، فما هذا سوى ذريعة. الموارد شحيحة على الدوام، و لذلك ينبغي وضع سلم أولويات. كان هيومDavid Hume  قد قال: << ما هي أسباب الظلم؟ شحة الموارد و أنانية البشر >>.

سؤال:

ما هو دور ما تسميه إيثيقا الحدود العليا في مجتمع تعددي؟

أديلا  كورتينا:

المذاهب الإيثيقية  للقيم العليا هي مشاريع الحياة السعيدة التي تقترحها جماعات متميزة، أكانت دينية أم غير دينية. و إذا كانت هذه المذاهب  الإيثيقية لا تستطيع الحوار في ما بينها و إيجاد حدود  دنيا من العدالة، سنجد أنفسنا في مجتمع متعدد الآلهة و ليس في مجتمع تعددي، في مجتمع أشخاص ليس بوسعهم بناء أي شيء سوية. لأجل هذا فالحدود  الدنيا للعدالة أساسية. لكن من المهم في نظري وجود مقترحات مذاهب إيثيقية  حدود عليا تتمم الحدود  الدنيا للعدالة لأن الأشخاص في الواقع يحيون بمشاريع سعادة خاصة بهم، و  هو ما يصبو إليه الجميع. إذا كانت مشاريع الحياة ضعيفة جدا أو أقل تحميسا فإن متطلبات  العدالة أيضا ستكون في الحد الأدنى. و مع ذلك، لا يمكن فرض هذه المشاريع بتاتا، بل يجب أن يقبلها كل واحد بصفة شخصية.

سؤال:

سوف يكون أرسطو  Aristoteفيلسوف السعادة و كانط Kant  E. فيلسوف العدالة. مع من منهما سنمكث؟

أديلا  كورتينا:

مع الاثنين.  كيف لك أن تتخلى عن العدالة أو عن السعادة؟ هذا غير إنساني. إنهما الركيزتان الكبيرتان للإيثيقا ! بالإضافة إلى أن ما أحاول القيام به هو التوحيد بين كانط  و أرسطو في مجال الإيثيقا الحوارية، و لكن ليس لحماس تجاه التوفيق، بل وبكل بساطة لأن الأمر  مثير للاهتمام.

dsc_0032

سؤال:

في الآونة  الأخيرة تحدثت عن  إيثيقا العقل الودي ( جائزة خوفيانوس للرسالة 2007 )، و الذي هو محاولة للجمع بين الذكاء و الرحمة. في ماذا يكمن هذا النهج؟

أديلا  كورتينا:

عملت مع آبيل و هابرماس،  و لما تعرفت إيثيقا الخطاب  بدت لي أنها المشروع الإيثيقي الأكثر أهمية الموجود وقتها ( و اعتقد أنه لا يزال كذلك )، لكنني كنت أجده دوما في حالة فشل: مشروع مفرط في العقلانية، إجرائي، صوري، يفتقر إلى بعدي العاطفة و الود. اعتقد أنه من الصعب جدا اعتبار الآخر كمحاور صحيح في الواقع إذا لم يِؤخذ في الحسبان البعد العاطفي للمتحاورين. و لذا فأنا اعتقد أن  الاعتراف المتبادل الذي تتحدث عنه إيثيقا الخطاب ، لا يجب أن يكون فقط منطقيا- شكليا، بل يجب أن يكون أيضا وديا. وإذا لم يكن وديا، أي إذا غابت الرحمة، سيكون من الصعب جدا الاهتمام بالعدالة.

سؤال:

إنه لأمر غريب  طريقة  النساء الفيلسوفات ( ليس أنت فحسب بل أيضا نوسباوم Nussbaum  Martha و كامس  Camps  Victoria و جليغانCarol Gilligan)(5) في التأكيد المستمر على الإهمال التقليدي للانفعالات من طرف الفلاسفة الذكور. من الضروري في نظري تعويض هذا التغييب للانفعالات بعقل أكثر “هندسية”.

أديلا  كورتينا:

صحيح أن النساء تأخذ بعين الاعتبار هذا البعد الآخر الذي هو البعد الودي. لكن  كما أسجل في هذا الكتاب، و نفس الشيء  تقوله  جيليغان بحق أيضا، الأمر لا يتعلق بوجوب اهتمام  النساء بالقلب و الرجال بالعقل، بل بوجود صوتين أخلاقيين يجب أن يتكاملان. ليست القيم قيم رجال و قيم نساء، بل هي قيم لكل شخص نزيه كيفما كان، قيم للرجال كما للنساء. الجميع يلجأ للعقل و للقلب. لا يمكن الحكم على جزء من البشرية بأن يكون عقليا فقط أوأن يكون عاطفيا فقط. و كما قال باسكال Pascal Blaise  فإن العقل الهندسي يفقد أشياء هامة كثيرة؛ العقل البشري تهمه أيضا أسئلة الود. بهذا المعنى أتكلم عن “عقل ودي”، في كتاب ” إيثيقا العقل الودي ” ( منشورات نوبل 2007Nobel  ) و كذا في كتاب ” العدالة الودية ” (منشورات تروتاTrotta  2010 )، و هي فكرة سيعجبني التوسع فيها مستقبلا.

سؤال:

كنت أيضا واحدة ممن أدخلن إلى بلادنا المذاهب الإيثيقية  التطبيقية. ما هو رأيك بخصوص الاستنساخ البشري؟

أديلا  كورتينا:

من حسن الحظ أن الذين يهتمون بالاستنساخ يميزون بوضوح كبير بين استنساخ الأنسجة و بين استنساخ كائن بشري تام و يؤكدون أنهم لا ينوون التوصل إلى استنساخ كائنات بشرية.

سؤال:

والحالة هذه ، في السجال الذي دار مؤخرا بين سلوتيغديك Sloterdijk   Peter ( 6) و هابرماس حول هذه المسائل، مع أيهما أنت متفقة؟

أديلا  كورتينا:

في كتابه  “مستقبل الطبيعة البشرية” (منشورات بايدوس  Paidos 2002 ) دافع هابرماس عن مواقف اتفق مع بعضها و اختلف مع البعض الآخر. يتصور هابرماس أن الشخص الذي سيولد نتيجة معالجة  جينية معينة لن يكون مستقلا، لأنه يميز بين المخلوق وبين المصنوع. من جهتي اعتقد أن الأمر ليس كذلك، لأن الشخص إذا ما ولد، فإن الاستقلالية  ستكونه، سواء جاء تولده عن معالجة للجينات أم لا. ما اتفق فيه مع هابرماس هو ضرورة الحذر الشديد و تجنب تجاوز حد التدخلات العلاجية للانتقال إلى تدخلات التجويد.

سؤال:

و لكن من لا يرغب في أن يكون أكثر ذكاء إذا كان تحقيق ذلك ممكنا؟

أديلا  كورتينا:

إن ذلك لا يضمن للمرء حياة جيدة. سيحتاج الطفل الانضمام إلى فصول الموهوبين، و سيحتاج إلى تعليم خاص، بيد أن تعايشه بهدوء غير ممكن إذا لم يكن متوفرا على مهارات اجتماعية. أونامونوUnamuno Miguel de (7) عالج موضوعا مماثلا في كتابه الرائع ” الحب و التربية”، و هو تحذير لكل المبحرين.

سؤال:

تتكلمين  في إيثيقا  تكنولوجيات الأعصاب  Neuroéthique و في السياسة  العصبية Neuropolitique عن رقاقة أخلاقية ممكنة. إذا كان  في مقدورهم تركيبها فينا ، فلماذا التخلي عن فرصة التحول إلى  أشخاص أكثر أخلاقية؟

أديلا  كورتينا:

لأنه لا وجود لرقاقة أخلاقية و لا لج ب س GPS أخلاقي. صحيح أن سافولسكو Julien Savulescu (8) يقترح التدخل في القواعد  البيولوجية للأشخاص لتجويدهم من الناحية الأخلاقية، بعلة أن التربية لا تحقق الكثير من النجاح، على ما يبدو. لكن رغم أنه يثير هذا على نطاق واسع، إلا أنني لا أشاطره الرأي.  من الملائم هنا أيضا تذكر البرتقالة الآلية.

سؤال:

تتحدثين هنالك أيضا عن فرانكنشتاين…

أديلا  كورتينا:

لأن صورة  فرانكنشتاين  أساسية في نظري. رواية شيلي Mary Shelley (9) تتحدث عن السعادة الإنسانية أكثر من كونها تتحدث عن خلق كائن متفوق. ليس على المرء أن يجهد كثيرا لتجويد ذاته، فقد يكون الأهم في الحياة ليصير سعيدا، ليس هو امتلاك خصائص خارقة، بل التوفر على خصائص عادية، لكن مع معرفة تذوق العلاقات الإنسانية؛ و بتعبير آخر، إدراك أننا نكون أكثر سعادة  إذا كنا مع الناس من لو كنا مع قدرات جد خارقة. هذا هو ما ينبغي التأكيد عليه.

سؤال:

تقولين في كتابك الأخير إنه لمن الخطأ الفادح الرغبة في رفع جودة التربية من خلال الاقتصار ” فقط على تقنيات تمكن من بلوغ أكثر الغايات تنوعا دون معاونة لقياس أي غايات هي الأفضل”. معرفة فرز  أفضل الغايات  هو الشيء الحاسم، و لأجل ذلك ليس هنالك ما هو أفضل من الإيثيقا. لماذا يجب على الجميع تعلم الإيثيقا؟

أديلا  كورتينا:

لأن تشكيل شخصية حسنة يزيد من احتمال الحصول على حياة سعيدة و عادلة. من المناسب، في تكوين الشخصية، الأخذ  في الاعتبار أن الطبيعة هيأتنا للرعاية و التعاون، وليس للأنانية الغبية، و لمعرفة تقييم ما له قيمة في ذاته. الإيثيقا تعلم المرء تسطير الأولويات، و اختيار أفضل القيم التي ينبغي وضع كل التقنيات و المهارات في خدمتها. كل  الجوانب المذكورة  أساسية لحياة إنسانية تامة، إلا أننا نعرضها  لإهمال خطير.

سؤال:

تكتبين في الإيثيقا التطبيقية و الديمقراطية الجذرية أنه  من الاستحالة بمكان بناء مجتمع ديمقراطي حقا، اعتمادا فقط على أفراد ماهرين تقنيا و اجتماعيا. يبدو أن الشيء الوحيد الذي تبحث عنه التربية الحديثة هو تكوين تقنيين جيدين لا مواطنين عادلين. و في الكتاب الأخير المذكور تبدين حزنك من أن الأزمة الاقتصادية الحالية  عانت من غياب مهنيين جيدين ، خصوصا في المؤسسات المالية.

أديلا  كورتينا:

ما قلته في الفصل الذي أتحدث فيه عن المهن، هو إن لكل نشاط من الأنشطة المهنية هدف يمنحه معنى و مشروعية اجتماعية. للطب مثلا أهداف واضحة جدا تعطيه معنى: الوقاية من المرض، علاج ما يقبل العلاج، مؤازرة من لا يمكن علاجه و المساعدة على الموت بسلام. لكن للسياسة أيضا بعض الأهداف، تحقيق الخير المشترك، وللاقتصاد هو الآخر أهداف، أي بلوغ مجتمع صالح، كما قال أمارتيا سين Amartya Sen (10).

تمتلك كل فاعلية أهدافا تهتم بها الإيثيقا. لذا ينبغي أن يوجد في كل المهن دورة تكوينية في الإيثيقا يتم خلالها التفكير في أهداف هذه المهنة و كيفية تحقيقها. خلاف ذلك، سيكون لدينا تقنيون دون أن يكونوا مهنيين، و هذا واحد من الأسباب  التي تجعلني أومن بضرورة حضور الإيثيقا في التعليم الثانوي وبضرورة تلقيها من لدن جميع التلاميذ.

—————————————————————————-

*مجلة ” فيلوسوفيا هوي “Filosofia Hoy  2014.

_________

هوامش المترجم :

1 – فرناندو سافاتير( 1947 سان سيباستيان- ) مثقف و فيلسوف إسباني درس الفلسفة في العديد من الجامعات الإسبانية قبل أن يتفرغ لتدريس الإيثيقا.

2- خوسي أنتونيو مارينا ( 1939 طليطلة – ) كاتب و مربي و فيلسوف إسباني.كتب العديد من الكتب نذكر منها: ” لغز الإرادة المفقودة ” (1998)؛ ” قاموس العواطف” (1999)؛ ” نظرية الذكاء الخلاق ” (1993)؛ ” تشريح الخوف ” ( 2006)؛ ” ثورة النساء ” ( 2006 ).

3- يوم دموند هو الأحد العالمي لدعم البعثات التبشيرية و جمع المساعدات لها.

4- جيفري ساكس خبير اقتصادي أمريكي (مولود بدتروا بمشيغان عام 1954). مستشار اقتصادي  لعدد من المؤسسات الدولية مثل البنك  الدولي و المنظمة  العالمية للصحة. من مؤلفاته ” نهاية الفقر ” (2005) و”الثروة المشتركة: اقتصاد كوكب مزدحم” (2008).

5- مارثا نوسباوم فيلسوفة أمريكية ازدادت سنة 1047 بنيويورك. تهتم بالفلسفة القديمة و الحق و الإيثيقا و تدرس الفلسفة الأخلاقية و السياسية بالجامعة. تعاونت خلال الثمانينات من القرن الماضي مع أمارتيا سين في موضوع رهانات التطور الاقتصادي و الإيثيقا. كتاباتها أعادت النظر في النسوية و العدالة و دور الانفعالات و المكون العاطفي.

– فكتوريا كامس فيلسوفة إسبانية ازدادت سنة 1941 بمدينة برشلونة .فيلسوفة و أستاذة للفلسفة الأخلاقية و السياسية بالجامعة المستقلة لكتالونيا. لها عدة مؤلفات منشورة منها : “البعد البرغماتي للغة ” (1976)، ” الخيال الإيثيقي ” (1983)، ” قرن النساء ” (1998 )، ” إرادة الحياة ” (2005  ).

– كرول جليغان فيلسوفة و عالمة نفس نسوية (1936 -)، معروفة بكتاباتها عن العلاقات الإيثيقية و العناية Le care.

6- بيتر سلوترديك من مواليد 1947 بألمانيا فيلسوف ومدرس جامعي. من بين مؤلفاته : “نقد العقل الوقح” (1983)؛ “المفكر فوق الركح” (1986)؛ “قواعد للحظيرة البشرية” (1999).

7- ميغيل دي أونامونو(1864 بلباو- 1936 سالامانكا) كاتب و شاعر و فيلسوف و ممثل رئيس لما يسمى ” جيل 98″ و كان معارضا لدكتاتورية بريمو دي رفيرا. تركزت اهتماماته الفكرية حول القضايا الإيثيقية و دواعي الإيمان.

8- جوليان سفليسكو استرالي من مواليد 1963 ، مدرس جامعي، فيلسوف و مفكر مختص في إيثيقا البيولوجيا. يشتغل خاصة على التبعات الإيثيقية للاستنساخ .

9- ماري شيلي (1797-1851 ) كاتبة انجليزية ومبدعة شخصية فرانكنشتاين.

10-أمارتيا سن عالم اقتصاد هندي من مواليد 1933 بسنتنيكتيان بالهند ،حاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد سنة 1998.

 

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *