قصائد رياض صالح الحسين تنام تحت سقف واحد في عيد ميلاده الستين

*مصعب النميري

يعيش الشاعر (ليس كل شاعر بالضرورة، وهذا ليس هتافاً وإنما جملة فعلية)، ويتنفس ويرى ويكتب القصائد. يتقدم الشاعر في العمر وينضج معه مشروعه الشعري (ليس شرطاً أن ينضج المشروع كلما كبر الشاعر في العمر، وإنما هذا ما ينبغي أن يحدث، هناك شعراء قتلتهم أقلامهم في آخر العمر).
يكون الشاعر ومشروعه شيئاً واحداً طالما أنه يستطيع أن يتنفس. وحينما يذهب الشاعر إلى قبره وتنتهي جثته من طور التفسخ والانحلال، تقوم قصائده ومجموعاته الشعرية بحركة معاكسة، وهي التجمع والاندماج في طبعة المجموعة الكاملة، لتكون بمثابة شاهدة الشاعر على رف المكتبة.
توفي الشاعر رياض صالح الحسين في غرفة صغيرة في دمشق، بعد تردّي وضعه الصحي، وكان حينها في الثامنة والعشرين من عمره. نضج مشروعه الشعري قبل أن يشيخ، ونجا من أفخاخ العمر وكمائن القصائد.
وجد أصدقاء رياض في درج له، بعد وفاته، مخطوطة لمجموعته «وعل في الغابة»، التي كان قد جهزها للنشر قبل وفاته، ونُشرت بعد ذلك بعام واحد، لتكون مجموعته الأخيرة، بعد ثلاثٍ سبقنها، هي «خراب الدورة الدموية»، و»أساطير يومية»، و»بسيط كالماء.. واضح كطلقة مسدس».
بمناسبة ذكرى ميلاده الستين، تصدر الأعمال الكاملة للشاعر السوري رياض الصالح الحسين، عن منشورات دار المتوسط في إيطاليا بالتعاون مع مؤسسة نايانيل للثقافة، ورابطة الكتاب السوريين.
كثير من المعوّقات، أشخاصاً ومؤسسات، وقفت أمام مشروع جمع الأعمال الكاملة لرياض، وأجلت ظهورها 34 عاماً بعد وفاته، فكان الفضل للجهد الكبير الذي بذله الباحث مأمون الشرع مدير مؤسسة نايانيل للثقافة، لجمع الدواوين في كتاب واحد، بعد التواصل مع أقارب الحسين وورثته لأخذ موافقتهم على إصدار أعماله الكاملة.
يأتي الكتاب مرفقاً بمقدمة للشاعر السوري منذر المصري، وشهادات لأصدقاء رياض صالح الحسين الشعراء وابن أخته، بالإضافة إلى أنه يحتوي قصائد له، مكتوبة بخط يده في الصفحات الأخيرة.
يورد الشاعر منذر المصري في مقدمة الكتاب معلومات عن الحياة الشخصية لصديقه الحسين، الذي كان يخفي كثيراً من تفاصيلها، لأنه كان «لا يحب التطرق لهذه الخصوصيات»، بحسب المصري، الذي يضيف أن رياض: «كان يغيظه أن ينتبه أحد ما، من خارج دائرة أصدقائه ومعارفه لإعاقته السمعية والنطقية (التي تسبب بها عمل جراحي في عام 1967)، ويسأله عنها.. لم أسمعه يتحدث عن أهله ولا عن دراسته.. أما مرضه فقد كان يودّ لو يخفيه عن الجميع».
واتصالاً بقلة ما يُعرف عن الحياة الشخصية لرياض صالح الحسين. يذكر أصدقاء الشاعر في الكتاب شهادات، وإن لم تخلُ من بعض التضارب، عن حياته وعلاقاته العاطفية، واعتقاله وصداقاته، وكيف تمكن من الدخول إلى الوسط الأدبي، ليصبح في النهاية الشاعر الأكثر فرادة في عقد السبعينيات، حيث يقول الشاعر فرج بيرقدار: «كان رياض أكثرنا موهبة ونباهة في اقتناص ما يلائمه من الشعر والحياة، إذ تمكن خلال عمر قصير، بالمعنى الزمني والشعري، أن يجد أسلوبه ويكمل مشروع قصيدته وحياته على أجمل وأنجع نحو ممكن».
وعن حياته في الأيام الأخيرة، يتحدث الشاعر هاشم شفيق (صديق رياض)، في شهادته في الكتاب، عن معاناة رياض آنذاك، حيث أصيب بمرض الفشل الكلوي، وقضى وقتاً في مشفى المواساة، قبل أن يتوفى. قضى تلك الأيام وحيداً تقريباً، حسب شفيق، وتم تجاهله من قبل اتحاد الكتاب العرب، وقطع الكثير من الوعود الكاذبة لإرساله للعلاج في الخارج.
يقول شفيق: «لقد تهرب الكل تقريباً لحظة سقوطه بمرض الفشل الكلوي.. كان وحيداً في السرير كالسياب في لحظة سقوطه، كرامبو أثناء عودته إلى شارفيل ودخوله المستشفى وحيداً ما خلا شقيقته إيزابيل.. وحين جاءت اللحظة الحاسمة، وغاب رياض عنا، هرع الجميع إليه».
يبدو رياض صالح الحسين وكأنه طفرة في المشهد الثقافي السوري، قلّما يخرج شاعر مثله (لم يتجاوز 29 عاماً)، على صعيد فرادة النص، وسعة انتشاره، بالإضافة لأسلوبه الذي تستطيع من خلاله تمييز النص من دون قراءة اسم صاحبه، إن كان وارداً على منشور في «الفيسبوك» على سبيل المثال، تداول قصائد الحسين مثير للانتباه على وسائل التواصل الاجتماعي، بعد مرور عشرات الأعوام على وفاته، على الرغم من أن المرء يجد شاعراً حيثما التفت.

مقتطف من قصائد رياض:

أريد أن أضع بحراً/ في الزنزانة/ أريد أن أسرق الزنازين/ وألقيها في البحر/ أريد أن أمتلك مسدساً/ لأطلق النار على الذئاب/ أريد أن أكون ذئباً/ لأفترس من يطلقون النار/ أريد أن أختبئ في زهرة/ خوفاً من القاتل/ أريد أن يموت القاتل/ حينما يرى الأزهار/ أريد أن أفتح نافذة/ في كل جدار/ أريد أن أضع جداراً/ في وجه من يغلقون النوافذ/ أريد أن أكون زلزالا/ لأهز القلوب المكسورة/ أريد أن أدس في كل قلب/ زلزالاً من الحكمة/ أريد أن تكون الكلمة/ شجرة أو رغيفاً أو قبلة/ أريد لمن لا يحب الشجر/ والرغيف/ والقبلة/ أن يمتنع عن الكلام.
______

*القدس العربي

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *