فداكِ ظُنوني والجُنون

خاص- ثقافات

*عبد اللطيف رعري

فداك جنوني أيتها الريح ليطول رقصي
فداك ظنوني حتى أتعرى من طُهْري
فداكِ ما أملكُ حتّى أرْزَقُ من عُقْمِي
فداكِ وحدتي حتّى أُصاحب
بكل الألوان التي لا شكل لها
بكل الأشكال التي لا لون لها
……

بَحرًا كنت معه عنيداً
فأنْهِي صَلاتي خلفه دوما بالحذر
ليمُسنِي كُرهًا كما يشاءُ
ويهجرني خشوعي كما لا أشاء
……..

قمراً كنت أمقُتُ نُوره بين دهاليز العشق
فتهوى بين أحشائي نجيماتٌ تتلعثم البهاء
نجمة من فوهة الأصابع سقطت
نجمة من زحمة المطامع نطقت
الليل أطول نجما من السماء
الليل أفحم من ظله
……….

سراباً كنت أمشي وراءه ولا أطاوعه القرب
لا يعاند كما أعاند
لا يقسو حين أجاهد
خجولاً كأحلام الصبا
يرسو كالصخر حين أغمض العين
……..

شجراً عَرَّتْهُ الغُرْبةُ وأدرْتُ عُنقِي لغَبائِي
أشتم حضي
أهتهت بكبريائي
وأقصف عنفواني بالرّدى
الغابة تخفي أسرار العقبان
والطريق وإنْ تلوَّت لا تفتح شهية العُميانِ
………

ظلاً شاردا تبرأت من بروده الطيور
ومن ورائه غارت آخر أوراقنا
فزدنا في الهم تبجيلاً
وقلنا لساعاتنا اليوم نهاية البداية.
فداكِ وحدتي حتّى أُصاحب
……..
جماجم المقابر التي  تمادت في الركوع
غاية في الثناء فلم تعد تقوى على الميالِ
وها أنا الآن أسمع دبيبها يفوح بنتانة الأرجل
ومن يدري فقد يوقد النهر الغاضب فتيل الحرائق
وتغرق أمهات الهوى سبعين درعاً في رمادها
فهي العاصفة على الأبواب يحركها بلاء من بيننا
فداكِ وحدتي حتّى أُصاحب
……….

لونًا باهتًا كنت زينت به أبراج المدينة العتيقة
فهوت المواكب  في أعذارها
وتدلت العيون الرّاسية باكيةً هلع السلطان
وباتت الغواني تلوك زغاريد ها  بالبلل
كلها القبائل لثمت أدبارها
وساقها الهجير إلى الديار لجبر العار
عادة اللقلق يرسم اليمين
فيُعيرُ ظَهرَه للزوبعة ليحلم النهر بالهدوء
وعادة تميل قبعة الحاجب لخطر ما
جهة اليمين
وهذه المرة أحكموا الأقدام في الوحل
وتريثوا الأحكام جهراً
وقالوا في البلاط سلاما
فلا تيأسوا من الحفر
فالكدمة الغائرة تولد داميةً ولو على ملمس الأسوار
والكلمة الدانية لا تزينها تراتيل العشاق بخليطٍ من نور
والعتمة قطّبها العبوس ونمق ميلاد السطور
لست ايتها الريح آية للحور
ولستِ مُديةً في يميني يهابك خفر الثغور
المطر حروف تنزلق من معاطف الرضاع
والسهر كتابي تلمع فيه نجمة الضياع
وعلى ظهر الجياد جئت أرعى حزن الشياع
أرعى قمري
أهلل عاريا بشجري
أخيط ثقب نظري
أجادل حتميتي وقدري
لأفنى  قريباً من عذريتي
أّمَّا الرِّيحُّ التِّي أنتِ فالرقصُ منْفاهَا
الحلم عُسْرَاهَا
والظل الذي أثنناه بعظامنا وخذلان الشمس معنا
تعَمّدَته القارعات على طبول الخوف
سرابًا يُفْضي بالأعور وإنْ دُجَّ
بالأعرج وإنْ فجَّ
بالقانط وإنْ عجَّ
بالأحمق وإنْ هجّ
الى بهو السلاطين
فداك جنوني أيتها الريح
فداك ظنوني
يوم أموت ويوم أبعث حيا
فالبحر بحري وإن هويت على وجهي
والقمر لي وحدي
والسراب طريقي
والأشجار وظلالها توبتي
والجماجم أحكمها
والألوان أمقتها
وغايتي في الثناء لم تعد تقوى على الميالِ
__________
مونتبوليي/ فرنسا

شاهد أيضاً

قصة “الظل” لإدغار آلان بو

(ثقافات) قصة الظل[1]. إدغار آلان بو ترجمة: عبد القادر  بوطالب                أنت الذي تقرأ ما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *