قراءة في رواية “اعترافات امرأة”

خاص- ثقافات

*أحمد بوريدان

نظرة جديدة تعبر عن الإنسانية انطلاقا من الذات،و برؤية متميزة في سردها المنسجم والمتسلسل باختلاف الأحداث وتعاقب الأزمنة وتباين المواقف، وبتوظيف تقنية أدبية رفيعة و جرأة صريحة في فن البوح و الاعتراف و الغوص في الأعماق و الظلال لتعرية النفس البشرية بتجلياتها،استطاعت الكاتبة ” عائشة بنور” أن تثير اهتمامنا و تدفعنا إلى قراءة روايتها الموسومة” اعترافات امرأة” في طبعتها الثانية و الصادرة عن دار الحضارة 2015.

” أعترف أنني امرأة حذفت النقاط من الحروف و قرأت الكلمات بالمقلوب ورسمت الأفكار بالألوان..” ص45

لا شك أن الرواية عبارة عن اعترافات شيقة وخلاصة لعديد من المواقف والتجارب،فهل الكاتبة تريد فعلا تطهير ذاتها و روحها من خلال ما توحي به دلالة العنوان؟و هل يكون من راجح القول إن الكاتبة تعمل على تحقيق فكرة الاعتراف بمفهوم العالم النفساني الأمريكي أبراهام ماسلو ” الاحترام من قبل الآخرين ينطوي على الاعتراف و القبول.”؟

من الواضح أن الكاتبة حاولت تجاوز المألوف السردي بحس روائي ممتع وشيق وبلغة شعرية متماسكة بعناصرها الفنية والأدبية و التي تحقق الانزياح و التناغم،ومن هنا تتجلى قدرة الكاتبة في مسك الحبلينن حبل السرد الروائي و حبل اللغة الشعرية،الأمر الذي مكنها من الإفصاح عن المعاناة و الصراع المتواصل في التصالح مع الذات و مع الآخر،وفق نظرة استشرافية و تحررية من الذاكرة و الماضي الثقيل بعاداته و نظرته السلبية إلى المرأة ، فهل يمكن أن تتوحد هذه السيرة الذاية مع النظرة الشمولية في مستوى تطلعات المرأة العربية في أبعادها الإنسانية؟

” خطوات بين المد و الجزر .. تسحقني أفكار و تنتشلني أخرى، و ما تلك الغصة التي تعتريني إلا غصة الألم تعتصر إحساسي الملون،أخبئ جدلا عنيفا بداخلي و سخطا و تذمرا و لعنة لحياة البؤس و الفقر و الشقاء..” ص 65

الرواية عبارة عن محطات و لوحات سردية متماسكة أعطت أبعادا متعددة لقراءة النص،و مرد ذلك إلى تمكن الكاتبة من توظيف ضمير المتكلم في الكثير من المواقف الكلامية،هذا الضمير الذي له القدرة على تعرية النفس من الداخل،حيث يكون الأنا سراجا ينير الظلال و الغموض و يغذي المتن السردي في التنقل بين المراحل العمرية و بالأخص في العودة إلى مرحلة الطفولة بتوظيف تقنية الارتداد من الحاضر إلى الماضي “أنا الطفلة المدللة التي تبحث باستمرار عن وجهها و صوتها بين الوجوه المقنعة، و عن الشكل وما وراء الشكل و عن اللون و ما وراء اللون، و من ثمة شاركني الشكل واللون حجرتي و سريري و أناملي و أحلامي وملابسي و تسريحة شعري ولوحاتي، فكنت أمارس على نفسي رقابة اللون و الشكل و الوجع الذي أصبح لغة أخرى تسيطر على كل تصرفاتي..”ص34

بعد قراءتنا البسيطة ، يمكن أن نتساءل هل استطاعت الكاتبة أن تحرك مخيلة القارئ في استيعابه للأحداث و المواقف،بوصفها لمعاناة المرأة وصراعها ضد حالة الحصار المعلن عليها و من دون مبررات؟ و هل تمكنت الكاتبة من توظيف الأدوات اللازمة في إدانة المجتمع و الأفكار القمعية،باختراقها للمسكوت و فضحها للمكبوت بطاقة عجيبة من التفاؤل و اليقين؟!

اعترافات امرأة ، رواية تستحق القراءة و التأمل بأكثر من دلالة و لون..!

شاهد أيضاً

العتبات والفكر الهندسي في رواية “المهندس” للأردني سامر المجالي

(ثقافات) العتبات والفكر الهندسي في رواية «المهندس» للأردني سامر المجالي موسى أبو رياش   المتعة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *